موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٤ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
ماذا يقول مدير كاريتاس الأردن في هذه الأيام؟
مدير كاريتاس الأردن وائل سليمان

مدير كاريتاس الأردن وائل سليمان

وائل سليمان :

 

كنا عايشين

 

مرت الإنسانية في أزمنة لها ألوان وأشكال كتبت من خلالها تاريخًا عمره آلاف السنين... قرأناه ودرسناه ولكن لم نشاهد ولم نلمس ولو جزءًا صغيرًا من تلك الحقبة أو تلك!

 

كنا عايشين والحياة بسيطة... الناس جيران وأصدقاء... الحارات تتكلم كل لغات الحب والاحترام... لا فواصل ولا نقاط بل بحر يمتد بين هذا وذاك... المعرفة والخبرة والعطاء في سلة المشاركة بين الناس... الغني والفقير في ذات الصف وبذات الصفات... التقارب الاجتماعي ميزة ذلك الزمان الذي ليس ببعيد بل جدًا قريب!

 

بدأت قصة النظام العالمي الجديد... وبدأت عملية تزوير الحقائق... لوهلة فقدنا حاسة الإحساس... وبدأ البحث عن بديل لحياة لا مثيل لها... السير نحو العولمة المجهولة ونحن لا نعلم تفسيرًا لها ولا حتى مكانًا نضع عليه نقاطًا وحروفًا ليجعلوها أكثر جاذبية... أمسى العالم قرية صغيرة... وفتح الأسواق العالمية... بيع وشراء عبيد هذا الزمن، لاعبو كرة القدم... أسهم وعقارات... سهر وترف هنا وهناك... التجارة بالجنسيات... ألوان اصطناعية... وجبات سريعة... مشروبات وهمية... معارض عالمية مرتفعة الأسعار لتحف رخيصة... فوضى عارمة بدأت تجتاح عالم اليوم الذي فقد الذاكرة وأصبح أصم وأبكم... نركض نحو الهاوية وبإصرار وكأننا اولاد الموت ولسنا أبناء الحياة!

 

واليوم زارنا ضيف صغير... لا نراه وهو يرانا... أرعبنا وجدد معاني الخوف بداخلنا... توترنا... أغلقنا كل الأبواب وبإحكام... هدمنا ما بنيناه... أوقفنا المباريات... خسرنا التحديات... أطفأنا الأنوار... مكثنا بالبيت... أصدرنا الأنظمة والتعليمات... وتحول بني آدم لأضعف المخلوقات!

 

عدنا للبيت... وبدأنا نتشافى ونتعافى... الذاكرة تتحسن والأجواء تتحول... وصحن الفول وخبز الطابون... الزيت والزعتر وحبة الزيتون... نتسلى ونتمنى... نتأمل ونتعلم... قصتنا مرتبطة بماضٍ كان وعاد... الاستسلام مرفوض والمستقبل موجود... قوس قزح ظهر من جديد... وصفاء ألوان السماء تتحدث عن أمل أكيد... الطيور وجدت مكان لها... والطبيعة تتغنى بعلاقة الإنسان معها!

 

هل نتعلم؟

 

ألم يحن الوقت لنحرّر الانسان ولتتحرّر الانسانية من قيود العبودية!

ألم يحن الوقت لإيقاف الحروب وبث روح السلام وفض النزاع!

ألم يحن الوقت للإخوة الشاملة ولوحده البشر ولانتصار الحب على الجهل!

ألم يحن الوقت للعمل من أجل الخير العام وسلامة الانسانية جمعاء وقتل كل قوانين الأنانية!

ألم يحن الوقت للمشاركة بالخيرات وزرع بذور العطاء!

 

أخذ التاريخ نفسًا عميقًا وتوقف اليوم لإعطائنا الفرصة لنمحي بعضًا من تلك الأيام السوداء، ونضع مكانها علامات وإشارات ودلالات بيضاء... تاركين وراءنا بعض الصفحات الجميلة لإنسانية الغد... استحلفكم بإنسانيتنا المنتعشة والمتجددة ألا نخسر الرهان... لننتصر على الأنا حتى يكون لهذه الحياة معنى وجواب... من أجلنا نعم، لكن من أجل أبنائنا وأحفادنا ومستقبلنا المشترك: أي مستقبل الإنسانية جمعاء.