موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٨ مايو / أيار ٢٠١٩
مؤتمر ويلز.. المواطنة أم الطائفية؟

إميل أمين :

لا تزال الدول والهيئات والمؤسسات الأهلية حول العالم مهمومة ومحمومة بقضايا المواطَنة والتعددية، وهو توجه نبيل وإنساني سيما في ضوء تصاعد الخطاب الطائفي والفئوي، ولم يعد الأمر محصوراً فقط في الأزمات بين أتباع الأديان المختلفة، بل بات الشقاق والفراق يدور داخل المؤمنين بالدين الواحد.

ولعله يمكننا الجزم وبحزم أنه ما من مرض أخطر بات يهدد الإنسانية الآن مثل داء الطائفية والتعصب، مرض بات متشظياً فمنه ما هو ديني، وما هو سياسي، عرقي وأيديولوجي.

على الأراضي الانجليزية وفي الأول من مايو الجاري، كان موعد مؤسسة «أونيكس» لعقد مؤتمرها الدولي الثاني في مقاطعة «ويلز» وتحديداً في مدينة «نيوبورت»، وقد جاء تحت عنوان «مؤتمر ويلز للحوار الديني»، والذي ناقش العديد من القضايا المتعلقة بالمواطنة وعلاقتها بالدين، وكذا سبل تعزيز هذا المفهوم التقدمي لدى أتباع الأديان الإبراهيمية في بداية الأمر، ومن دون أن يعني ذلك إغفال المعتقدات أو الشرائع الوضعية الأخرى.

يلفت النظر بداية أن هناك ذكاءً اجتماعياً وإنسانياً وحوارياً في اختيار مقاطعة ويلز البريطانية مقراً لعقد فعاليات المؤتمر، فالإحصائيات تشير إلى تلك الرقعة الجغرافية، تمثل بوتقة انصهار للعديد من المهاجرين الآتين صوبها من كافة بقاع وأصقاع العالم، فعلى أراضيها يعيش نحو مليون مسيحي، ومثلهم من اللادينيين، عطفاً على مليون آخرين من اتباع ديانات مختلفة كالإسلام واليهودية، بجانب الهندوس والسيخ والبهائيين وغيرهم.

يعن للمرء التساؤل أول الأمر وآخره: هل كان لمثل هذا الخليط المتناقض من التوجهات الدوجمائية والعقائدية أن يعيش تحت سماء واحدة، إذا لم يكن مفهوم المواطنة المجردة التي تعني بالفرد دون اعتبار لتوجهاته الإيمانية هو صاحب اليد العليا في تلك المقاطعة؟

في الحوارات التي دارت خلال المؤتمر المشار إليه كانت إشكالية العلاقة بين «الدين والمواطنة»، هي سيدة القصص والحكايا، ولا سيما في الورقة البحثية التي قدمها الدكتور عبد الله ياسين مدير عام مؤسسة «أونيكس»، والتي ركز فيها على صياغة مفهوم المواطنة من منظور أخلاقي عبر ثلاثة مفاهيم أساسية هي: الحرية والعدالة والديمقراطية.

القراءات المعمقة للحوارات التي دارت في مؤتمر ويلز تلفت انتباهنا إلى تضاد واضح قد ينشأ من جراء مفاهيم الحريات المطلقة، والتي يمكن أن تقود إلى حالة من حالات الفوضى، ولهذا ينشأ موضوع المواطنة كحاجة هيكلية وجوهرية لأوطان قادرة على أن تميز بين ما هو حق شخصي للفرد، واعتداء على حقوق الآخرين أو استلابها، وسواء كان ذلك الحق مادياً أو معنوياً.

ما يميز إعلان «ويلز»، الذي صدر في نهاية المؤتمر في واقع الأمر أنه ربما للمرة الأولى يدرك الجميع سواء من أصحاب التوحيد، وهم تقريباً يعدون نصف سكان العالم، أو من أنصار الشرائع الوضعية ويلامسون سقف النصف الآخر سيما في قارة آسيا، انهم في قارب واحد، يكاد يتعرض للغرق بمن عليه من جراء الصراعات ذات الملمح والملمس الطائفي غير الإنساني، وقد كانت حادثة مدينة «كرايس تشيرش» في نيوزيلندا، واعقبها اعتداءات الفصح الحزين في سيريلانكا أجراس تنبيه وتحذير للجميع من الأسوأ الذي لم يأت بعد.

بنود إعلان المواطنية الذي خرج عن مؤتمر «ويلز» بكامل حروفه ودلالاته، كثيرة، ويمكن أن نشير إلى أنه تناول جذوراً تؤسس لحياة المواطنة عند كافة أتباع الأديان والمعتقدات، تلك التي لديها اهتمام جذري بالمجتمع من خلال العناية بالأسرة وسلامتها، وتحقيق السعادة لأفرادها، نظراً لما تتضمنه هذه الديانات من قيم وأخلاق مشتركة، تم اختبار ثباتها عبر التاريخ، وعليه يمكن فهم موضوع المواطنة على ضوء النظام الأسري.

لكن لماذا الأسرة بالتحديد؟ وما علاقتها بإشكالية المواطنة؟

ليس سراً أن العالم أضحى مؤخراً أمام كارثة تمثلت فيما يعرف بظاهرة الإرهاب العائلي، فقد رأينا في إندونيسيا بداية وفي سيريلانكا تالياً، أفراد أسر كاملة يقومون بعمليات إرهابية ضد الآخر، المختلف عنهم في التوجه الإيماني أو العرقي. من هنا فان القيم التي تبنى عليها أواصر الأسرة وانضباطها الأخلاقي ومدى قبولها للآخر، هي في واقع الحال من يحدد شكل العالم في حاله ومآله، ويرسم كذلك مستقبل الجماعة البشرية، وهل هي ماضية قدما في طريق التلاقي الإنساني أم التناحر الوجداني والإيماني، وفي كل الأحوال يبقى التزام أفراد الأسرة بالمسؤولية الإنسانية الجماعية، طريقاً مؤكداً لتقوية الصلات الاجتماعية وانضباط المجتمع ومراعاة المسؤولية المدنية.

الإعلان الذي بين أيدينا يُلقي بالمزيد من الضوء على أهمية التنشئة الدينية السديدة، فالإنسان الملتزم باعتقاده الديني الخاص أي ذاك الذي راعي القيم التي تبنى عليها سلامة وسعادة الأسرة والمجتمع، يمكننا أن نصفه بأنه مواطن صالح يحترم معيار المواطنة والتعددية ويعامل الآخرين كما يحب أن يعاملوه ويلتزم العيش بسلام مع الجميع. الخلاصة: نعم للمواطنة لا للطائفية.

(الاتحاد الإماراتية)