موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٨ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
ليست مجرد ملاحظات أو مجرد أحلام

حسني عايش :

وآخرها لعالم النفس الأميركي ستيفن بنكر -الأستاذ في جامعة هارفارد، وأحد المائة مفكر الأكثر تأثيراً في العالم- ومن قراءته خرجت بما يلي (بتصرف): أن الناس، وبخاصة حكوماتهم، تفضل تأجيل حل المشكلات، على الرغم من ارتفاع تكاليفها طردياً بالتأخير، على حلها في حينه بكلفة أقل. ولعل مشكلة المناخ أقوى دليل على ذلك، وأن حل المشكلات الراهنة –أي مشكلات- يؤدي بدوره إلى ظهور مشكلات جديدة وهكذا، وان التقدم يستأنف بحلها وهكذا.

وأن الفلاسفة والمفكرين المتشائمين مثل نتيشة، وشوبنهاور، وهيدجر، وسارتر، وفوكو... يحتلون الواجهات في المناهج والكتب المدرسية والجامعية والإعلام التي لا تلتفت إلى الفلاسفة والمفكرين المتفائلين. فإذا أضيف إلى ذلك شلال الأنباء اليومي الممتلئ،بأخبار الحرب، والإرهاب، والجريمة، والتلوث، واللامساواة، والمخدرات، والظلم.. فهمنا كيف أدى ذلك إلى نشوء الاتجاه السيكلوجي التشاؤمي عند جملة الناس في العالم، وإلى ما يسمى بثغرة التفاؤل، وفي تفسير ذلك يقول بنكر "شلال الأنباء يتحدث عن أشياء سيئة. ولأنها سيئة فإنها تبدو أقوى، بينما تبدو الأشياء الجيدة أو الحسنة وكأنها لا تحدث أو تحدث ببطء، وأضعف. وهكذا نصدق مقولة "تعزف عندما تنزف" فينشأ عند الناس -بمرور الوقت- إحساس بالسودادية (Gloom). وحتى في مراجعة الكتب تجد أن الناقد الذي يبرز عيوب الكتاب ينال ثناء أكثر عليه من الناقد الذي يبرز إيجابياته، وكأن المتشائم يبدو أنه يريد مساعدتك. أما المتفائل فيبدو وكأنه يريد أن يبيعك شيئاً ما.

لعلك صرت الآن تدرك لماذا تفضل مصادر أو قنوات الأخبار التغطية السلبية لها على الإيجابية لأن الناس سرعان ما ينتبهون إلى الخبر العاجل/ السيئ، ولا يعيرون اهتماماً للخبر الجيد مهما كان متميزاً. ونتيجة لذلك "يتخربط" عيار المشاهد Miscalibrated)).

يبدو وكأن التشاؤم شكل من أشكال الرجولة عند نخب المجتمع الحديث السياسية، والصناعية، والمالية، والتكنولوجية، والعسكرية، والثقافية،المتنافسة على السلطة، أو الشهرة، أو التأثير، فيزداد قلقها بالأخبار السيئة حتى وإن كانت الإحصاءات تؤكد تراجع معدلات أو نسب الجريمة... فأخبار الترنادو التي قتلت خمسين أميركياً تلفت الانتباه أكثر من مرض الأزمة الذي قتل ألف وأربعمائة منه، ففي استبانة (2016) أفادت نسبة كبيرة منهم متابعتهم أخبار داعش على كل الأخبار، وادعى 77% منهم أن الإرهابيين الإسلاميين في سورية والعراق يشكلون خطراً جدياً على وجود أميركا وبقائها".

لا تعجب بعد ذلك إذا ادعى زعيم الحزب الجمهوري أن عدم بناء السور بين أميركا والمكسيك يفتح المجال للإرهابيين المسلمين لدخول أميركا، مع أن كل واحد يعرف أن المهاجرين هناك من أصول لاتينية مسيحية كاثوليكية. ويصل الأمر ببعضهم وقد بلغ به القلق من الأخبار الزبى، إلى مقاطعة الأخبار والانتخابات والنشاط أو الحراك السياسي مقنعين أنفسهم أنه ما في فايدة.

ولكن ستفين بنكر يرى العكس، وأن التفاؤل يجب أن يحل محل التشاؤم لأن كل شيء في العالم يتقدم، فمعظم الناس يوافقون أن الحياة أفضل من الموت، والصحة أفضل من المرض، والشبع أفضل من الجوع، والوفرة أفضل من الفقر، والسلام أفضل من الحرب، والسلامة أفضل من الخطر، والحرية أفضل من الظلم، والمساواة أفضل من التعصب والتمييز،والتعلم أفضل من الأمية، والمعرفة أفضل من الجهل، والذكاء أفضل من الغباء، والسعادة من الشقاء، وفرصة المتعة بالأسرة والأصدقاء والثقافة والطبيعة، أفضل من الملل والجمود، وكل هذه التطورات الإيجابية حدثت أو تحدث ويمكن قياسها ولكن الناس يتصرفون وكأنها لم تحدث. ومن ثم يتسائل:

هل الإنسان مركب من دوافع سلبية أو تدميرية كالجشع، والهيمنة، والخداع، والإنتقام، والخداع الذاتي... ومن دوافع إيجابية كالتعاطف،والمشاركة، والتفكير، وأن الصراع الدائر في كل مجتمع – نتيجة لذلك- أشبه بالصراع بين الملائكة والشياطين؟ ولكن الزمن يشفى الجروح كما يقول: "فالزمن يجعل الحب ينقضي والحب يجعل الزمن ينقضي". وليقنع الناس بالتقدم الحاصل والمستمر في العالم يقسم بنكر التاريخ إلى المراحل التالية:

1. مرحلة السلام التي بدأت بنشوء الدولة، وأوقفت القتل الدائم. 2. المرحلة الحضارية التي بدأ فيها القانون يعمل. 3. الثورة الإنسانية أو عصر التنوير الذي أنهى الرق والاضطهاد الديني، والعقوبات الجائرة. 4. السلام الطويل الذي تلا الحرب العالمية الثانية. 5. السلام الجديد الذي يعيشه العالم الآن. 6. ثورة الحقوق: الحقوق المدنية، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق الحيوان.

(الغد الأردنية)