موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ مارس / آذار ٢٠١٩
لندع الرب يحررنا من الشر، وأن يشفي قلوبنا

المطران بييرباتيستا :

يبدأ المقطع الإنجيلي لهذا اليوم (لوقا ٦: ٣٩-٤٥) بمجموعة من الأسئلة المُلحّة: "أَيَستَطيعُ الأعمى أَن يَقودَ الأعمى؟ ألا يَسقُطُ كِلاهُما في حُفرَة؟ لماذا تَنظُرُ إلى القَذى الذي في عَينِ أخيكَ؟ والخَشَبَةُ التي في عَينِكَ أفلا تأبَهُ لَها؟ كَيفَ يُمكِنُكَ أن تَقول لأخيكَ: يا أخي، دَعْني أُخرِجُ القَذى الذي في عَينِكَ، وأنت لا تَرى الخَشَبَة التي في عَيْنِك؟ (لوقا ٦: ٣٩، ٤١- ٤٢)."

كي نفهم ما يريد يسوع قوله، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار سياق كلامه. نحن في الفصل السادس من إنجيل لوقا الذي يبدأ بالتطويبات ويواصل اليوم الحديث الذي سمعناه في الأحد الماضي، حيث كشف لنا يسوع عن مقياس الحب المطلوب من أتباعه. إنه مقياس محيّر لأنه بدون قياس (لوقا ٦: ٢٧- ٣٨).

ويُحذرنا يسوع في إنجيل اليوم من أن يخدع أحد نفسه جرّاء حماس زائد يجعله يعتقد أنه يحب الناس ويعمل الخير، بينما هو يسيء إليهم من غير أن يدري.

كي يُحب الإنسان قريبه، يقول يسوع، لا تكفي النيات الحسنة بل يحتاج أن "يَكتمل عِلمُه" (لوقا ٦: ٤٠).

ولكن ماذا تعني عبارة أن "يَكتمل عِلمُه"؟

قد تبدو هذه العبارة غريبة علينا. هي تُذكّرنا بالتحضير الذي نقوم به في المدرسة، كما لو كان الحب يشترط تحضير ما والالتحاق بدورة تعليمية، وكأنه حكر على نخبة من الناس.

ولكن ليس الأمر كذلك.

في بادئ الأمر، يقول يسوع إن "كل" انسان (لوقا ٦: ٤٠) يمكن أن يكتمل علمه، فلا يقتصر الأمر على أحد ما، فهو للجميع. ومن ثم يشير أن اكتمال علم المرء يعني أساسًا أن نكون أحرار. إنها ليست مسألة دراسة أو لقب أو مقدرة بل تحرير الذات.

ووفقًا ليسوع، الشخص الحر هو من لا يفرّ من ذاته خوفًا من رؤية نفسه على حقيقتها، بل من يختبر المقياس الوفير لرحمة الآب نحوه ولا يعود بحاجة إلى الاختباء أو التظاهر خلافا لما هو عليه.

هو لا يحتاج إلى إخفاء شره لأنه يعلم أن الله يحبه ويغفر له ويقبله مع فقره.

والشخص الذي ما زال خائفا سيبحث عن طريقة للاختباء. وأسهل هذه الطرق وأكثرها شيوعاً يتمثل في النظر إلى شر الآخر وليس إلى شره (لوقا ٦: ٤١). عندما يحاول هذا الانسان أن يحب، سيكون فعلا مثل رجل أعمى يقود أعمى آخر مثله، ولا يمكنه أن يقوده إلا إلى الظلمة والخوف من رؤية ذاته.

سيقوم بذلك بحجة عمل الخير إلا أنه سيخسر أهم خبرة يعيشها المؤمن ألا وهي رؤية الذات أو الآخرين في ضوء رحمة الله. الشرط الوحيد للقيام بما هو صالح هو اختبار صلاح الله. هذا الاختبار كاف ويُغني عن أي شيء آخر. ولكن إن افتقرنا إليه، فإن الخير الذي يقوم به الانسان لن يكون له القوة على تحريره من ظلمته وإنما، على العكس، سيدفعه إلى ظلمة أكثر سواداً.

إن إخراج الخشبة من عين الشخص هي عملية مؤلمة وليست سهلة. هذا الألم ثمين. وفقط من يتمتع بالشجاعة لاحتماله سيكون قادرا، بفضل حساسيته ورقته، على إخراج القذى من عين أخيه. سيكون على دراية بالألم الذي سيتعرض له، وعليه سينجز المهمة بمهارة وتعاطف.

ومن كان قادرا على ذلك وامتاز بالتواضع يشبه شجرة طيبة لا تثمر إلا ثمرا طيبا (لوقا ٦: ٤٣- ٤٤). وعليه ليس المطلوب أن نُجبر أنفسنا على الحب بل أن ندع الرب يحررنا من الشر وأن يشفي قلوبنا. ومن ثَمَّ سيُقبل الحب إلينا بنفسه.

والثمر الأول لهذه الخبرة الرائعة يقوم على الكلام الطيب (لوقا ٦: ٤٥). فالذين نالوا الخلاص يتعلمون أساليب جديدة في الكلام ويصبحون قادرين على مشاركة الطيبة التي حصلوا عليها ورأوها بأعينهم في أنفسهم وفي إخوانهم.