موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٦ أغسطس / آب ٢٠١٨
لمسات من العيد

رمزي الغزوي :

يقال في كلام السلف، أن كثرة أكل اللحم تقسّي القلب، وقلة أكله، تؤدي إلى ذات النتيجة حتما. فكيف تصرف المضحون بأضاحيهم يا ترى؟!. هل وصلت للفقراء الحقيقيين. أم أنها لم تخرج من بوابة البيت. سمعنا عن ثلاجات أتخمت باللحمة.

أحدهم كتب على جداره في فيسبوك: هذا ثالث أيام العيد، ولم يصلنا كيس لحمة. شو القصة يا جماعة. وهنا يبدو لي أن ثمة تغيرا طرأ على نهجنا في الأضاحي وتوزيعها.

كما أنني أشعر أننا خرجنا عن هدف الأضحة، كشعيرة وعبادة إلى المظاهر والاعتياد. وإلا كيف لنا الآن نفسر أن يستدين الرجل كي يقدم أضحية؟!.

ما زالت بقايا الحظائر والمسالخ التي أقيمت في الشوارع والحارات ماثلة للعيان وللأنوف: جلود، ورؤوس، وكراعين، وروائحة وأسراب ذباب. وستبقى آثارها حتى العيد القادم، فقد تحولنا إلى مسلخ مفتوح. فهل هذا يرضي الدين؟!.

الأطفال على غير عاداتهم كما في كل الأعياد. لم ينتشروا في الحارات وأمام البيوت وفي الساحات القليلة، ولم يتحركوا في زرافات للمعادة على الجيران والأهل. الأطفال يبدو لي أنهم دخلوا في غيبوبة الكترونية خطيرة. الكل لديه هاتف ذكي، ويزرع رأسه فيه. يا الله كيف نيسر لهم قتل طفولتهم ووأدها. كيف نقبل ألا يعيشوا طفولتهم الحقيقية.

في هذا العيد تعمقت الفجوة بين الواقعي والافتراضي. المعايدة كانت في غالبها على الافتراضي الذي حل محل الواقعي. فيسبوك وواتس آب أعطيا امتيازا لكل واحد منا أن يصنع من نفسه محورا ومنصة وبؤرة. حيث يكتب الواحد معايدة صغيرة، وعلى الآخرين أن يردوا عليه. أي أنه هو الصوت والآخرون الصدى.

تدافع كبير في زيارة المقابر بعد صلاة العيد، أليس الأولى زيارة الأحياء، فكم من متخاصمين تحتك أكتافهم على البوابات، فيشيحون بوجوههم بعيداً، ولا يقرأون السلام إلا للموتى وللقبور الدامسة: متى نقدّر معنى العيد ونبادر. العمر أقصر مما نتصور!.

كانت الزيارات القليلة السريعة تتحول إلى عصف ذهني للسياسة ومجريات الأمور، الكل بات يدلي بدلوه بزمن التهام حبة معمول، أو رشف فنجان قهوة. إنها حالة صحية بامتياز لشعبنا، لولا مساحة التذمر والتشكي التي تفاقمت.

قال بحزن: قلت في نفسي، لماذا أكون دائماً مبادراً في كل عيد، سأجرب أن لا أتصل أو أزور أحدا في هذا العيد. والنتيجة كانت مخيبة للآمال والتوقع. فقلة فقط من بعث لي برسالة، ولم يتفقدني أحد، وتساءلت: لماذا لا يتفقدون غيابي فقط، أو يتفقدون عدم تفقدي لهم على الأقل؟!، فقلت له: لا عليك. المبادر عليه ألا ينتظر أحدا: (الكبير كبير)، أو ربما علينا ألا نجرب أصدقاء هذا الزمن!.

(الدستور الأردنية)