موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٦ مايو / أيار ٢٠١٧
لمحات من زيارة البابا فرنسيس إلى مصر

القاهرة - فادي فرنسيس :

«بالطبع أتطلع قريباً لزيارة مصر.. أرض السلام».. عبارة قالها لي البابا فرنسيس، في الفاتيكان خلال مقابلتي له، مع وفد الدبلوماسية الشعبية في مايو من العام الماضي.

ظلت الجملة ترافقني لمدة عام كامل متذكراً تفاصيل اللقاء القصير الذي جمعني به ولمست إنسانيته بشكل مباشر، وتمنيت أن يطول اللقاء لمدة ساعات، خاصة أنه استطاع ببساطته أن يكسر حاجز الرهبة من هيبة الموقف، فبمجرد أن عرفته باسمي الذي يحمل اسمه قال لي بكل تواضع «شرف لي أن أحمل اسمك أيضاً».

وصل الأمر وقتها إلى حد أنني طلبت منه مباشرة أن ألتقط صورة (سيلفي) معه بالرغم من أنه لا يجوز بروتوكولياً ذلك، لأن المقابلة كانت في إطار دبلوماسى، فوافق على الفور رغم اعتراض الأمن، بل أصر على أن ألتقط (سيلفي) آخر بعد قيام أحد أفراد الأمن بسحب هاتفي المحمول. انتهى اللقاء القصير وراودني الحلم بأن ألتقى البابا مرة أخرى على أرض مصر.

وجاء يوم ١٨ من مارس من العام الجاري، وكان نص بيان الفاتيكان الرسمي: «قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان، سيقوم بزيارة رسمية لمصر في الأسبوع الأخير من شهر إبريل المقبل، تلبية للدعوة الموجهة إليه من الرئيس عبدالفتاح السيسي». شعرت وقتها أن وعده بزيارة مصر سيصير حقيقة ملموسة.

عدت إلى الوراء ١٧ عاماً.. كنت أبلغ وقتها ٩ أعوام، وتذكرت اللحظة المهيبة بزيارة قداسة البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني إلى مصر، والتي لم أتمكن وقتها من متابعتها، لظروف خارجة عن إرادتي.

في نفس العام زرت الفاتيكان مع عائلتى، وحضرت وقتها القداس الذى أقامه وفد الكرادلة، ومن بينهم الكاردينال جورجيو ماريو بورغوليو- البابا فرنسيس فيما بعد- ودون وعى منى وجدت نفسى أنا وشادى أخى الأصغر ننطلق نحو المذبح مبتعدين عن والدينا واقتربنا من وفد الكارادلة وظللنا نتأمل بتعجب ملابسهم الجميلة والممتزجة باللون القرمزى، وبعد مرور نصف ساعة، استطاع والدانا أن يعثرا علينا وسط آلاف المصلين ووجدت نفسى أقول لوالدى: «لقد رأيت البابا!!».

قرأت بيان الكنيسة الكاثوليكية الترحيبى بزيارة البابا، فاتصلت مهنئاً الأنبا عمانوئيل عياد، مطران الأقصر للأقباط الكاثوليك، باعتباره رئيسا للجنة المنظمة لزيارة البابا ففوجئت به يطلبنى بأن أتولى أمر اللجنة الإعلامية المنسقة لزيارة البابا.

تعددت اللقاءات والاجتماعات للإعداد لهذا الحدث، لمست خلالها إصراراً قوياً من اللجنة المنظمة من كافة مؤسسات الدولة لإنجاح هذه الزيارة لما تمثله من رسالة قوية للعالم بأن مصر آمنة وقادرة رغم ما تواجهه من صعوبات بأن ترسى مبادئ السلام العالمى.

واستمرت الوفود المصاحبة للبابا فى التوافد على مصر قبل مجىء البابا فرنسيس بشهر، للإعداد الدقيق لرحلته، فزاروا كل الأماكن التى ستشملها زيارته. وقد كرروا لى أكثر من مرة أن البابا يصر على إتمام زيارته لمصر وأنها كانت حلماً بالنسبة له منذ سنوات، وحدثنى الأب مارينو، السكرتير الخاص للبابا، أن قداسته يرفض أداء الصلاة فى مقصورة مغلقة تحجبه عن المصلين، ولهذا السبب تم اختيار الهيكل فى منتصف الملعب باستاد الدفاع الجوى، وأكد إصرار البابا على تحية المصلين بسيارة جولف مكشوفة.

كما طلب البابا من الوفد أن يكون مكان إقامته بسيطا، وأن يصطحب معه سيارته الفيات، للسير بها فى المواكب الرسمية بدلاً من السيارات الفارهة.

هبطت الطائرة فى الساعة الثانية بعد الظهر فى مطار القاهرة، وكان فى استقباله رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، ووفد الأساقفة، ولاحظت أن البابا يعرفهم جيداً بل تبادل معهم أحاديث ودية تؤكد متابعته أدق شؤون الكنيسة الكاثوليكية. وشاء حظى أن أكون آخر مستقبلى البابا، وبعد التحية قلت له: «سبق لى أن تشرفت بلقائك فى العام الماضى وأنا أحمل اسمك.. فرد مبتسماً: «إنه شىء جميل» فوضع يده على رأسى وفوجئت بوفد المستقبلين يصفقون لقداسة البابا لبساطته».

انتقل بعدها للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قصر الاتحادية، وعلمت من مصادر أن البابا ركز فى حديثه مع الرئيس على القضية الفلسطينية، وأكد أهمية الدور الذى تلعبه مصر فى إقرار السلام بين البلدين كما تطرق قداسة البابا خلال حديثه مع الرئيس لقضية اللاجئين، وأشاد بدور مصر فى استقبالهم وإقامة أماكن مناسبة تليق بهم وبإنسانيتهم على عكس ما يحدث فى دول أخرى، تستقبلهم فى معسكرات، فالبابا معروف عنه حرصه الكبير على حل أزمة اللاجئين، فقد استقبل منذ شهور عائلات لاجئين سوريين فى أحد المنازل التابعة للفاتيكان. وتبادلا بعدها الهدايا فأعطى الرئيس للبابا فرنسيس أيقونة تمثل رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، بينما منح البابا فرنسيس الرئيس السيسى ميدالية الفاتيكان منحوتاً عليها صورة العائلة المقدسة، ومكتوبا فوقها باللاتينية «زيارة مصر».

توجه الموكب الرسمى بعدها إلى مشيخة الأزهر للقاء الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذى عانق البابا فور دخوله وتبادلا حديثاً باسماً متذكرين لقاءهما فى العام الماضى الذى جمعهما فى الفاتيكان، ثم انتقلا سوياً إلى قاعة مؤتمرات الأزهر للمشاركة فى المؤتمر العالمى للسلام، وقد استهل البابا كلمته التاريخية بـ«السلامُ عليكم» باللغة العربية، ناطقاً حرف العين بطريقة سليمة رغم صعوبته، وعلمت من المقربين من قداسة البابا أنه يصر على كتابة كلماته بنفسه، بل يصر أيضاً على تعلم بعض الكلمات التى تخص السلام والتحية بلغة الدولة التى يزورها للتواصل المباشر مع شعبها.

اهتزت القاعة فى الأزهر بالتصفيق الذى استمر لبضع دقائق بعد عناق البابا والإمام بل هتف أحد أفراد الوفد بالإيطالية viva il papa viva l imam أى «يحيا البابا ويحيا الإمام».

وأثناء جلوسه تأملت حذاءه الأسود الذى يرتديه فاستحضرت مسرعاً الصورة التى التقطتها له العام الماضى وكانت المفاجأة أنه يرتدى نفس الحذاء. لقد لفت نظرى خلال التقاطى الصورة الأولى، بساطته فى ارتداء الملابس الرسمية، كما أنه يضع الحلوى فى جيبه ليعطيها للأطفال.

وشهدت زيارة البابا تأميناً مكثفاً من جميع الجهات الأمنية، لكن من المعروف عن قداسة البابا أنه لا يحب القيود، فخلال لقاء البابا تواضروس، على سبيل المثال، صافح أفراد الكشافة، وارتدى صليباً على الطراز القبطى، خلال اللقاء، والذى كان حميما، وبعد انتهاء الكلمات الرسمية بينهما أصر كل بابا أن يعطى للوفد الآخر ميدالية تذكارية خاصة بكنائسهما بمناسبة الزيارة.

وبالرغم من ضغط البرنامج وحاجة البابا للراحة لظروفه الصحية، فإنه وافق على استقبال الشباب فى سفارة الفاتيكان ليلاً بالرغم من أن اللقاء لم يكن مدرجاً فى جدول الزيارة، خاصة بعد علمه أن هناك مئات الشباب قد اجتمعوا فى التجمع الخامس فى حج الشباب استعدادا لزيارته وتم اختيار ٣٠٠ شاب عن طريق القرعة لاستقباله، كما التقط صوراً مع أطفال المدارس الكاثوليكية فى السفارة.

لم يَقُم معه فى سفارة الفاتيكان سوى سكرتيره الشخصى وحراسه، وأقام وفد الكرادلة المصاحب له فى أحد فنادق القاهرة. وتجول البابا فى شرفته المطلة على النيل فى الليلة الأولى والتقط له مصوره الشخصى عددًا من الصور، وفى صباح اليوم التالى كرر نفس المشهد.

البابا كان يتمنى أن تطول زيارته لمصر- هكذا قال للزائرين الرسميين- وكان من بينهم السفيرة وفاء بسيم، السفيرة السابقة لمصر فى الفاتيكان، والتى يربطه بها علاقة صداقة، حيث أكدت لى أن البابا قال لها إنه بالرغم من ضغط البرنامج فإنه سعيد بمقابلة جموع عديدة من الشعب المصرى».

لقد أصر البابا على إقامة القداس الإلهى بطقس عيد القيامة باللاتينية تكريماً لجميع الشهداء، قائلاً باللغة العربية: «المسيح قام». وحرص البابا على لقاء البسطاء وذوى الاحتياجات الخاصة، فتم تخصيص الأماكن الأولى فى استاد الدفاع الجوى لهم، ورصدت عدسات المصورين المصريين، وعلى رأسهم المصور الرسمى حسام دياب ومساعداه رامى وروجيه، صوراً تخلد زيارة «بابا السلام فى مصر السلام».