موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
لا تخف فالربّ يأخذ بيمينك!

أشخين ديمرجيان :

 

الإيمان بالله وأبوّته وحكمته ستهدّىء من روعنا، وتزيد في جنبات قلوبنا مشاعر الثقة بالله والثقة بأنفسنا، بدل تناول الأدوية المسكّنة والمهدّئة حينما تلازمنا المِحَن والشدائد أو المرض في هذه الأيام الصعبة. والإيمان يزيد من شجاعة الإنسان الصالح ومناعته في مواجهة المصائب والنوائب. لأنّه لن يشعر بالوحدة في معترك الحياة القاسية.. بل يكون الله معه "وإن كان الله معك فمَن عليك؟" (أشعياء 41: 14). حينئذ "تستطيع كلّ شيء في الذي يقوّيك". ولسان حال المؤمن ما ورد في (فيلبي 4 : 12 وتابع)  "فأنا أَعرف أنْ أعيش في الضِّيقَة، كما أعرف أنْ أعيش في السّعة، وفي جميع الظّروف اَختبرتُ الشّبع والجوع والضِيق.. وأنا قادر على تحمُّل كلّ شيء بالذي يُقوّيني".

 

ويتساءل البعض معقول هذا الكلام؟ نعم صحيح، لأنّ الله الخالق سوف يتدبّر أمور الإنسان الورع برحمته الواسعة. وما أجمل العبارة التي تتميّز وتنفرد بها اللغة الأرمنيّة، والتي تُسمّي العزّة الإلهية بكلّ دالّة "أسْدْفادز بابا" أي "الله البابا".. كما يتلفّظ بها الطفل حينما يُنادي والده بعلاقة حميمة. في اللغة الأرمنيّة تبدأ المناداة بكلمة "الله" لتُظهر ألوهيّة الرب وعظمته ثمّ يليها التعبير الطفولي "بابا" ليُصبح الحوار حميمًا جدًا "الله البابا".. ولا بدّ لنا أن نعود أطفالاً في علاقتنا وحوارنا معه تعالى، وتُقاس طفولتنا بطهارة قلوبنا ونقاء سيرتنا.

 

أحيانًا على حين غفلة وفي لمْح البصر يجد الإنسان نفسه عاجزاً عن حلّ مشكلة تخصّه أو تخصّ قريب له سواء كانت ماديّة أو صحيّة أو معيشية أو معنوية أو عاطفيّة أو نفسيّة الخ. ويجد الطريق مسدودة تماماً في سبيل فكّ الأزمة التي تحاصره. تلك اللحظة هي اللحظة الحاسمة التي يجب أن نتواصل فيها مع الله ونلتجىء إلى حمايته ورعايته الأبويّة، واثقين من رحمته فما من أحد يستطيع أن يعيننا سواه. ينبغي ألاّ ندع تلك الفرصة تضيع من أيدينا أو تفلت لأنّها تجلب لنا الخيرات والبركات. لنتذكّر في تلك اللحظات الصلاة التي علّمتنا إيّاها سيّدتنا مريم العذراء "هاءنذا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 1 : 38). هذه الصلاة التي تحمل عواطف الثقة العمياء والإيمان والمحبة. لا نستطيع أن نعمل شيئاً إن لم يتدخّل الله في تفاصيل حياتنا. الكون بأسره بين يدي الله يُديره بحكمة ورحمة.. ألا يستطيع إذن أن يحلّ ويربط ويدبّر أمورنا؟ ما علينا إلاّ أن نطلب منه وبدونه لا نستطيع شيئاً، وبقدر الألم تكون التعزية. كلّ ما نصادفه أو نُواجهه في حياتنا إنّما هو لخيرنا ومنفعتنا والكوارث يجب أن تدفعنا للنهوض بأنفسنا إلى أعلى عامودياً تجاه الخالق، وأفقياً تجاه الآخرين لمساندتهم معنويّاً أو ماديّا.

 

وفي أحيان أخرى من طبيعتنا البشريّة التي ورثناها عن أبوينا الأوّلين آدم وحواء "النّمردة" وكانت نتيجتها فقدان الفردوس. "نتنمرد" حينما نتأفّف من المصاعب التي تُحيط بنا.. "نتنمرد" عندما ندّعي القدرة والمعرفة. ثمّ "نتنمرد" حينما نُضرب عن الصلاة وكأنّنا نُعاقب الله ونردّ له المشكلة "واحدة بواحدة" كما تقول العامّة، وكأنّ بأيدينا حلّ مشاكلنا من غير عون الله. وغالبًا تصدر مشاكلنا من تدخّل الآخرين في خصوصيّاتنا أو بسبب تصرّفاتنا  الشخصيّة.

 

إنّ أهمّ شيء بإمكاننا أن نقوم به هو إبعاد عاطفة النمردة السلبيّة من حياتنا لأنّها لا تجلب إلاّ الضياع. والإستسلام لتدبيره تعالى كطفل صغير لا يهمّه أيّ شيء في حياته سوى البقاء بأمان في كنف والديه بكلّ ثقة. أو لا، نفقد البركات والنعم الغزيرة ونفقد سلامنا الداخلي. ثمّ ندخل في متاهات القلق والأرق التي لا أولّ لها ولا آخر. تصبح حياتنا بلا معنى وتهطل علينا أمطار الشؤم بوابل من الكآبة والإكتئاب، ممّا يحجب عنّا الرؤية السليمة وصفاء الذهن والبعد الروحاني الجميل.

 

خاتمة

 

حاشى للّه أن تصل بنا الأمور إلى الحضيض واليأس. لننظر إلى أعلى ونتفاءل ونشكر الله على النعم الإيجابيّة الجميلة في حياتنا وما أجمل العرفان بالجميل! "لا تخف فالرب يقوّيك ويأخذ بيمينك" وهو القائل في (أشعياء 41: 14): "لا تخف مِن ضعفك أنا نصيرك يقول الرب..." حينما نُنادي الله ونصلّي يسمعنا ويرى قلوبنا المنكسرة وأرواحنا المُنسحقة فيحنو علينا ويعضدنا.