موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ١٨ مارس / آذار ٢٠٢٠
كيف سيبدو العالم بعد أزمة كورونا؟

أ. د. محمد الفرجات :

 

إذا كتب الله تعالى للبشرية الإستمرار بخير في موئلهم كوكب الأرض بعد تخطي هذه الأزمة التي وحدت العالم بالتفكير والقلق والشعور والمشاعر، فبالتأكيد سيكون هنالك تغيرات في سياسات وتوجهات وسلوك الدول والجماعات والأفراد.

 

فأمام كل هذا التقدم العلمي من ثورة إتصالات وتقدم علوم طبية وأساسية وذكاء إصطناعي ونانويات وغيرها وتطور علم ونماذج الإستشراف والحوسبة الخاصة بها، فلم تستطع البشرية التنبؤ بهذه الجائحة والتي أشغلت بال الحكومات والشعوب والأنظمة السياسية على حد سواء.

 

وعلى صعيد آخر، فتقف الحكومات العالمية والدول بشيء من العجز والشلل مقابل زيادة الإصابات، بينما تفشل وتتضارب التفسيرات العلمية لمراكز البحث والرصد، ويتبنى بعض الإعلام والأفراد عبر مواقع التواصل إشاعات تزيد من حالة التخوف والقلق.

 

العدو صغير جدًا ومتمرد جدًا، لا تطوله أسلحة الدمار الشامل ولا القبب الحديدية المتطورة، بينما تتردد حوله شكوك بأنه قادر على أن يصيب من تعافى منه مرة أخرى، الأمر الذي يثير التساؤل لماذا لا يتكون لدى المصاب أجسادا مضادة؟

 

الأمن الغذائي العالمي، صناعات الأدوية ووفرتها، الإقتصاد، النقل، الأمن، السياحة... إلخ، وأمور كثيرة أخرى عليها علامات إستفهام كثيرة أيضًا.

 

إذن فالبشرية في موئلها كوكب الأرض اليوم أمام تحدي كبير ومسألة صراع من أجل البقاء مع عدو صغير جدا، وقد نزيد ونبالغ بأنه يراوغ وأن خلفه من يوجهه بذكاء يفوق ما لدى البشرية.

 

إذا كتب الله تعالى للبشرية الخروج سالمة من شر يداهمها اليوم، فبالتأكيد ستفكر الدول والأفراد بالكف عن جنون التكنولوجيا التي جعلت من البشر مستهلكين لا منتجين، وسيعود الجميع لثقافة الإنتاج من الأرض كأساس للبقاء.

 

الأمر الآخر، فستضغط شعوب الأرض على حكوماتها وأنظمتها لتجاوز الخلافات وسباقات التسلح والسيطرة العسكرية وبسط النفوذ السياسي، وإحلال المبادرات الدولية الجادة لإنقاذ وإستدامة البشرية على كوكبها، أمام تحديات التغير المناخي والتلوث البيئي وآثارها على الكوكب وسكانه.

 

سياسيًا فستعيد الدول بناء خططها وإستراتيجياتها الدفاعية آخذة بالإعتبار سيناريوهات مواجهة المزيد من فيروسات لا تريد بقاء البشر على هذا الكوكب لأمر أو لآخر، وقد تتكشف أمور لم تكن بالحسبان كظهور قوى الشر الكامنة وراء تطور وهجوم هذه الفيروسات، وقد تثير حروبا طاحنة لاحقًا.

 

على مستوى الكوكب، ففترة الركود الناتجة عن العزل والتصدي للفيروس ستحد من الأنشطة والصناعات والتجارب العسكرية والممارسات اليومية، والتي ينتج عنها مخلفات صلبة وسائلة وغازية، مما قد يتيح للكوكب تنفس الصعداء وعودة أو إنتعاش جزء ولو يسير من أنظمته ودوراته الطبيعية.

 

على مستوى الأفراد، فالعزل البيتي للأسر سيزيد التقارب والتخلي عن عادات مضرة كالتدخين والإدمان على المخدرات والكحول، كما وسيوجه الأسر للمزيد من الإقتصاد والتدبير البيتي.

 

اليوم فالبشرية تتضرع إلى خالقها عز وجل ليغفر لها ويتجاوز عن خطاياها، ويستشعر الجميع بأن الرب يرسل إشارات لوقف ممارسات وسلوكيات تعاند وتخالف الطبيعة والسنة البشرية، كتلك التي أقرتها دول متعددة لزواج الذكر من الذكر والأنثى من الأنثى بإسم الإنسانية، ووجود ترف في دول ومجاعات في دول بجوارها، ولاجئين حروب تقطعت بهم السبل، وأبرياء تقتلوا وقضوا على أيدي جماعات صنعتهم أنظمة سياسية لغايات ومهمات مرحلية، وغيرها الكثير مما سبب إختلال في الموازين والنواميس والتي بعثت على أساسها البشرية لهذا الكوكب.