موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٥ يونيو / حزيران ٢٠١٨
كيفية ردم الفجوة بين الأغنياء والفقراء

داود كتّاب :

تعاني العديد من الدول الناشئة وقليلة المصادر الطبيعية من شح في الواردات المالية مما يجبرها على التعاون وأخذ النصائح، وأحيانا الشروط، من صندوق النقد الدولي. ويقدم الصندوق نصائحه بناء على تجارب عالمية وأسس اقتصادية مدروسة. ورغم أن الصندوق يرفض اعتبار "نصائحه" شروطا، تعرف الدول النامية الراغبة بقروض ميسرة من الصندوق أن عدم انصياعها لتلك "النصائح" وعدم تقديمها خططا اقتصادية بديلة يعني بصورة عملية أن الصندوق سيعتذر عن تقديم القروض المطلوبة.

ويعتمد الكثير من نصائح الصندوق على ضرورة إيجاد إصلاح ضريبي مبني على أسس تصاعدية أي أن كلما زاد دخل المواطن ترتفع نسبة ضرائب الدخل. فوجود ضريبة تصاعدية يعني بالضرورة تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

ولكن مشكلة زيادة الضرائب على الطبقتين الوسطى والعليا أنها تعني زعزعة نظام مالي واقتصادي واجتماعي تعود الناس عليه. فالطبيب الذي يحصل على دخل مريح من عيادته وعمله في المستشفيات لا يرغب في أن تزداد ضرائبه، وكذلك الأمر بالنسبة للمهندس والمقاول وأصحاب الوظائف العليا في أي اقتصاد. وبما أن تلك الطبقة لها تأثير واسع على أصحاب القرار، والذي يتشكل من تلك النخب، فإن الدول تتجنب رفع ضرائب الدخل وتلجأ بدلا من ذلك إلى رفع الرسوم الجمركية وضرائب المبيعات والرسوم على المشتقات النفطية وغيرها من الرسوم والضرائب غير المباشرة. ومن المعروف أن ارتفاع ضريبة المبيعات والمشتقات النفطية، على سبيل المثال لا الحصر، تضر بالفقراء أكثر من الأغنياء، حيث أن الضريبة هي نفسها على نفس البنزين أو السكر أو الخدمات التي يشتريها الفقير والغني.

ويعد تغيير النظام الضريبي في أي بلد أمرا حساسا وصعبا ويتطلب حكمة ودراية ومشاركة كل فئات المواطنين رغم أنه من المعروف أن أي تغيير، خاصة التغييرات التي تؤثر سلبا على شرائح معينة من المجتمع، ستواجه بالرفض والتهرب والهجوم المعاكس. ويجب أن يأتي الإصلاح الضريبي من ضمن سلسلة من الإصلاحات تشمل رفع الحد الأدنى للأجور وضبط المؤسسات الخدماتية والتجارية.

قد لا ينطبق الوصف أعلاه على الوضع في العديد من الدول، ولكنه ينطبق بالكامل على الوضع في الأردن، حيث قامت الحكومة مؤخرا بتقديم مشروع لتعديل قانون ضريبة الدخل. يشمل مشروع القانون تخفيض قيمة الدخل الخاضع للإعفاء الضريبي. فالقانون الحالي يعفي دخل الفرد حتى مبلغ 12 ألف دينار (17 ألف دولار أميركي تقريبا) سنويا من دفع ضريبة الدخل، ويعفي العائلة حتى دخل 24 ألف دينار (34 ألف دولار أميركي تقريبا) من ضريبة الدخل. وبالتالي، فإن هذين المبلغين (12 ألفا للأفراد و24 ألفا للعائلات) يخضعان للإعفاء الضريبي. وهذا يعني: إذا كان دخل العائلة 30 ألف دينار سنويا، فإنها تدخل ضريبة دخل عن مبلغ 6 ألف دينار.

وينص مشروع قانون الحكومة على خفض هذه الإعفاءات إلى 8 آلاف دينار للفرد و16 ألف دينار للعائلة.

المهم في الموضوع هو المحاولة للتدرج في ما يتعلق بضريبة الدخل في مشروع القانون المعدل وحصر التهرب الضريبي.

وحسب المشروع المقدم للبرلمان ستقسم دخول الخاضعين للضريبة على خمس شرائح، كل شريحة فوق الحد الأدنى المعفى من الضريبة مقدارها 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار) بنسبة ضريبة تراوح بين 5 في المئة و25 في المئة من الزيادة على الدخل المتحقق بدلا من القانون الحالي الذي يخضع الأفراد إلى 3 شرائح تراوح نسب الضريبة عليها بين 7 في المئة و20 في المئة تبدأ من 7 في المئة على أول عشرة آلاف دينار (14 ألف دولار) و14 في المئة على ثاني عشرة آلاف دينار.

ستخضع الشريحة الأولى وقيمتها 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار) بعد الدخل المعفى لنسبة 5 في المئة، وتخضع ثاني 5 آلاف دينار لنسبة 10 في المئة، وثالث 5 آلاف دينار لنسبة 15 في المئة، فيما تخضع رابع خمسة آلاف دينار لنسبة 22 في المئة، وصولا إلى 25 في المئة للأسر التي يزيد دخلها على 36 ألف دينار سنوي (50.5 ألف دولار تقريبا). وبحسب الزيادة التدريجية للفئات التي يزيد دخلها عن الحد الأدنى تصل الضريبة إلى 25 في المئة بالنسبة للفرد الذي يزيد دخله عن 30 ألف دينار.

وبحسب القانون المقترح، سيتم إلغاء الإعفاءات الإضافية الممنوحة للأسر حاليا بدل فواتير استشفاء وتعليم.

كما سترفع الحكومة ضريبة الدخل على البنوك والشركات المالية وشركات التأمين وشركات إعادة التأمين والأشخاص الاعتباريين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي إلى 40 في المئة بدلا من 30 في المئة المعتمدة في القانون المطبق حاليا.

كما رفعت ضريبة الدخل على شركات تعدين المواد الأساسية إلى 30 في المئة بدلا من 24 في المئة، فيما أبقى مشروع القانون على ضريبة دخل بنسبة 24 في المئة لشركات الاتصالات وشركات توزيع وتوليد الكهرباء وشركات الوساطة المالية.

بادرت النقابات المهنية، والتي سيتضرر أعضاؤها أكثر من أي فئة أخرى، إلى الدعوة لإضراب لمدة ساعتين يوم الأربعاء الماضي، وقد تجاوب الشارع الأردني مع هذه الدعوة، ثم تجاوزها إلى تحركات يومية. ومن المفترض أن تجتمع النقابات مجددا يوم الأربعاء المقبل، خصوصا أن المطلب الأساسي قد تحقق مع استقالة الحكومة.

لا شك أن الحكومة التي من المفترض أن تتشكل قريبا، والنقابات والبرلمان سيدخلون في حوار ومفاوضات للوصول إلى اتفاقيات قد تكون حلا وسطا بين القانون الحالي والقانون المقترح.

المهم في الموضوع هو أن التهرب الضريبي وقلة دفع الأغنياء للضرائب الدخل سينتهي من خلال الإصلاح الضريبي، رغم الصعوبات والمشاكل الموجودة في مسودة القانون. ويبقى السؤال الأهم: هل سيؤثر هذا القانون، في حال إقراره، على الاقتصاد الأردني إيجابا، أم سيزيده سوءا؟

(الحرة)