موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٢ مايو / أيار ٢٠١٣
كلمة البطريرك الطوال في مؤتمر مسيحيي الشرق في بيروت

بيروت - كريستوف لافونتين :

دعا مجلس كنائس الشرق الاوسط بالتعاون مع مجلس الكنائس العالمي إلى المؤتمر المسكوني الدولي المنظم تحت عنوان: "الوجود المسيحي في الشرق الاوسط حضور وشهادة"، وذلك في دير سيدة الجبل في ادما - كسروان من 21 الى 25 أيار 2013.

ويضم المؤتمر نحو 150 مشترك من الشرق الأوسط يمثلون الكنائس، إضافة إلى عدد من مؤسسات مسكونية محلية ودولية.

ومن بين المداخلات، كانت للبطريرك فؤاد الطوال، بطريرك القدس للاتين، مداخلة ذكّر فيها إلى أننا "نحن مسيحيي الشرق الأوسط بشكل عام، ومسيحيي الأرض المقدسة بشكل خصوصي، لسنا عابري سبيل على هذه الأرض، بل نحن من صلب هويتها وتربتها". وفي حين أن الفترة التاريخية المسماة بـ"الربيع العربي" تضع الشرق الأوسط في "دوامة خطيرة" ودموية، أعرب البطريرك الطوال عن تضامنه مع "كل عائلة مشردة، ومع كل عزيز استشهد، ومع أهل كل بيت هدم، على اتساع المنطقة بأسرها، وخصوصا، في هذه الأيام، في سوريا الحبيبة. ونحن أبناء الأرض المقدسة، نعرف تماما معني التشريد، والتهجير، والقتل، والظلم، والاقتلاع، والمنافي".

وفي هذا السياق، صرح البطريرك قائلاً "ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية هي بؤرة الصراعات في الشرق الأوسط منذ مئة عام"، مضيفاً "ومما يزيد ألمنا ألماً أن وسائل الإعلام والمجموعة الدولية لم تّعُد تذكُر أوضاعنا، فحوّلت كل اهتمامها إلى أوضاع سوريا". وفي تقديره لا يجوز للأسرة الدولية "أن تلتف من حول هذه الحقيقة". ثم أضاف قائلاً "ما ندعو إليه هو العمل الجاد لسلام حقيقي في الأرض المقدسة، يستند إلى رفع الظلم التاريخي الذي ألمّ بالشعب الفلسطيني، على قاعدة العدل والحقيقة والحب والحرية، وانطلاقا من قرارات الشرعية الدولية المُدَاسة كل يوم، وشرعة حقوق الانسان، وأولها حق تقرير المصير".

وفيما يلي النص الكامل لكلمة البطريرك الطوال:

أصحاب النيافة والغبطة والسيادة،
حضرة الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي،
حضرة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط،
الإخوة والأخوات،

إن منطقتَنا وشعوبَها تمرّ بمنعطف خَطِر، وَسَطَ صعوبات جمّة من كل حدب وصوب، وفي هذا المنعطف الخَطِر يُحدَّدُ مستقبلها وحياتها. ولا يسعنا، في هذا المنعطف الخَطِر، إلا أن نعلن أمام الملا تضامنَنا مع شعوبنا ومجتمعاتنا، وتعاطفَنا مع كل ما تعيشه في هذه الأيام الصعبة والدامية. إن صعوباتِها هي صعوباتُنا، وسلامَتَها هي سلامتُنا، ومستقبلَها هو مستقبلُنا، واستقرارَها هو استقرارُنا. إننا نتضامن مع كل عائلة مشردة، ومع كل عزيز استشهد، ومع أهل كل بيت هدم، على اتساع المنطقة بأسرها، وخصوصا، في هذه الأيام، في سوريا الحبيبة. ونحن أبناءَ الأرض المقدسة، نعرف تماما معني التشريد، والتهجير، والقتل، والظلم، والاقتلاع، والمنافي. ومما يزيد ألَمنا ألماً أن وسائل الإعلام والمجموعة الدولية لم تّعُد تذكُر أوضاعنا، فحوّلت كل اهتمامها إلى أوضاع سوريا. إننا نطلب إلى الله أن يرحم شعوب هذه المنطقة، فتكون هذه المحن التي تمرّ بها طريقًا نحو القيامة من جديد، لتأخذ شعوبنا مكانَتَها ودورَها على مائدة الشعوب، فتساهمَ في بناء البشرية جمعاء في الأخوّة والمحبة.

قبل خمسين سنة على وجه التحديد، أصدر قداسة البابا يوحنا الثالث والعشرون رسالته الراعوية المشهورة "السلام على الأرض"، وفيها حدّد الأسس الأربعة التي يُبنى عليها السلام الحقيقي، وهي العدل، والحقيقة، والحب، والحرية. وهي مترابطة فيما بينها: لا سلام بدون العدل، ولا عدل بدون الحقيقة، ولا حقيقة بدون الحب، ولا حب بدون الحرية. وعكس السلام هو العدوان، وعكس العدل هو الظلم، وعكس الحقيقة هو الكذب والنفاق والمعايير المزدوجة، وعكس الحب هو البغضاء، وعكس الحرية هو الاحتلال.

وإننا نوجه النداء المدوّي إلى الأسرة الدولية كي تغيّر نظرتَها إلى هذه المنطقة. إن النَظَرَ إليها من خلال المصالح الأنانية والمطامع الظاملة جلب إليها ويلات الحروب والموت والدمار والدماء والدموع، منذ مئة سنة تقريبا، وكانت ضحيتُها شعوبَنا الفقيرة والمقهورة والمسحوقة. لقد حان الوقت أن تُلقي الأسرةُ الدولية، وفي مقدمتها القوى العظمى، نظرةً جديدة على هذه المنطقة، نظرةَ سلام مؤسَّس على العدل، والحقيقة، والحب، والحرية. بهذا نضع حدّا للمآسي والويلات التي تعيشها مجتمعاتنا وشعوبنا. وبغير ذلك، فإن مسلسل الدماء والآلام والدموع سوف يستمر إلى ما لا نهاية، ليشكل وصمة عار على جبين البشرية بأكملها.

ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية هي بؤرة الصراعات في الشرق الأوسط منذ مئة عام. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن الالتفاف عليها. وما لم تعمل الأسرة الدولية ودول المنطقة والأطراف المعنية، بصدق ونية حسنة، لاحلال السلام، فإن هذا الصراع سيستمر في تغذية العدوان والظلم والكذب والمعايير المزدوجة والاحتلال. ما ندعو إليه هو العمل الجاد لسلام حقيقي في الأرض المقدسة، يستند إلى رفع الظلم التاريخي الذي ألمّ بالشعب الفلسطيني، على قاعدة العدل والحقيقة والحب والحرية، وانطلاقا من قرارات الشرعية الدولية المُدَاسة كلَّ يوم، وشرعةِ حقوق الانسان، وأولها حق تقرير المصير.

وإننا نوجّه كلمة حبّ إلى شعوب منطقتنا. لقد حان الوقت أن ننهج طريق الحوار فيما بيننا، بعيدا عن الأسلحة الفتاكلة، والبغضاء، والتطرف الأعمي، والفئويات البغيضة، لكي تتمكن شعوبنا من البحث عن طريق مستقبل أكثر اشراقًا واستقرارًا وأمانًا، على أسس من احترام حقوق الإنسان والمواطنة الحقيقية الصادقة. على هذه الأرض ما يستحق الحياة. فهي مهد الديانات، ومهد الحضارات، ومهد القيم الروحية والانسانية السامية.

ونحن مسيحيي الشرق الأوسط بشكل عام، ومسيحيي الأرض المقدسة بشكل خصوصي، لسنا عابري سبيل على هذه الأرض، بل نحن من صلب هويتها وتربتها. إننا نؤمن بالسلام والعدل والحقيقة والحب والحرية، ونشهد لها، ونعمل من أجلها. بالرغم من دمائنا النازفة، والمآسي التي نعيشها، والنفق المظلم الذي نجتازه، والمظالم التي نتعرّض لها، هذا هو إيماننا، وهذا هو رجاؤنا، وهذا هو حضورنا، وهذه هي رسالتنا، وهذه هي شهادتنا، وهذا هو التزامنا... وشكرا.