موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
كثير من الكراهية والفوضى الاجتماعية

إبراهيم غرايبة :

تؤشر أحداث الكراهية والسلوك غير الاجتماعي التي تتحول إلى ظاهرة سائدة، إلى أن ظاهرة التطرف والإرهاب، لم تكن معزولة عن السياق الاجتماعي الاقتصادي الذي تمضي إليه الأمم، وفي انشغالنا بالحرب على التطرف بما هو جماعات خارجة على القانون لم نلاحظ الفوضى الاجتماعية التي تحتضن أزمات اجتماعية متزايدة وصادمة، مثل المخدرات والانتحار، والتسول، والجرائم، والطلاق والتفكك الأسري، وربما يكون الأكثر صعوبة تلك الحالات التي يصعب مواجهتها قانونيا على نحو مباشر، أو لا يكفي القانون لمواجهتها، مثل السلوك غير الاجتماعي، والكراهية، وقيادة المركبات على نحو يضر بالناس وحركة السير، وإطلاق النار في المناسبات، ومواكب الأفراح واحتفالات التخرج، والمبالغات في حفلات الأعراس والانفاق الزائد في العزاء والزواج.

لم يعد التنظيم الاجتماعي قادرا كما كان الحال من قبل على ضبط الأفراد وتهيئهم لعملهم ودورهم الاجتماعي، واليوم يدير الناس علاقاتهم والتزاماتهم الاجتماعية والأخلاقية انطلاقا من قيم وضمائر فردية أو التزام قانوني أو ثقافة سائدة مستقلة عن المجتمعات، وإنما تشكلها العولمة!! لكن المنظومة الاجتماعية التقليدية من العادات والتقاليد والقيم والأعراف لم تعد فاعلة إلى حدّ كبير، بل إن المجتمعات نفسها تتفكك وتتبخر، فلم تعد الأطر الاجتماعية قادرة على التأثير على الأفراد، ولم تعد شريكة للسلطة والأسواق في شيء يذكر، ولم تعد فاعلة المؤسسات الاجتماعية الوسيطة بين الأفراد والسلطة مثل البلديات والنقابات والمنظمات الاجتماعية، هي الأخرى تواجه تحديات كبرى قد تعصف بها.

لقد أصبحت المواجهة مع الكراهية والسلوك غير الاجتماعي أقرب إلى الثقافة والفنون أو وعي الذات وتشكيلها، وفي ذلك، فإن المجال العلمي والموضوعي لفهم الظاهرة يتغير عما كان سائدا، فلم تعد علوم السياسة والاجتماع كافية إلا بمقدار ما تساعد في تشكيل الاتجاهات والمواقف الفردية والجماعية، وصار من فضول القول إن الفكر الديني في الرد على المتطرفين لا يفيد إلا غير المتطرفين لأجل فهم التطرف، وأما المتطرفون فإنهم لم ينشئوا مواقفهم بناء على فهم ديني خالص أو مستقل أو اجتهاد ومحاولة للبحث والتفكير في التوجيه الديني، ولكنهم اختاروا من النصوص والنماذج الدينية ما يشبههم ويلائم اتجاهاتهم وحالتهم التي وجدوا أنفسهم فيها.

وبالنظر إلى أن اتجاهات السلوك غير الاجتماعي، مثل العنف والكراهية والتسامح والخضوع والاكتئاب والتمرد والاحتجاج والعزلة والمشاركة والانقياد والمغامرة والنزعة إلى الانتحار والقتل والإدمان والاستمتاع بالإيذاء، أو بما هي تعكس أزمات وضغوطا نفسية واجتماعية؛ يمكن أن تتفاعل مع السلوك الديني او الاجتماعي أو تأخذ تمظهرات دينية وثقافية؛ تتشكل رؤى واتجاهات علمية جديدة أو إضافية، ويمكن على سبيل المثال الإشارة إلى كتاب “بيولوجيا السلوك الديني: الجذور التطورية للإيمان والدين”، تحرير جيه. آر. فيرمان، وكتاب “القسوة: شرور الإنسان والعقل البشري”، تأليف كاثلين تايلور، أستاذة طب الأعصاب وعلم الدواء في جامعة أكسفورد.

وأسوأ ما تقع فيه عمليات الإرشاد في المواجهة الاعتقاد بأنها عمليات استجابة ميكانيكية أو تلقائية لنصوص وتوجيهات دينية أو أخلاقية أو قانونية، وليس المقصود بالطبع هو إعفاء الاتجاهات المتطرفة والخاطئة في الفهم والسلوك، ولكن التأكيد على أنه فهم وسلوك جاء منسجما مع اتجاهات شخصية ونفسية، فالمعتقدات والأيديولوجيات ليست عمليات عقلية أو ناشئة عن مجهود علمي وفكري، وإن كانت تستند إلى تراث فكري وفلسفي أحيانا، ولكن معتقداتنا في الحقيقة تعكس شخصياتنا، أو هي جزء من هويتنا وميولنا، .. نحن ننحاز إلى المعتقدات والتأويلات التي تشبهنا.

(الغد الأردنية)