موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٥ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
كتاب يتناول تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية وجذورها في مصر

بقلم: الأب اسطفانوس دانيال :

كتاب «كشف الحقائق التاريخية لعروس المسيح القبطية الكاثوليكية وثائق تاريخيّة»، هو مسيرة طويلة سهرت عليها ليالي وأيام كثيرة حتى تخرج هذه الحقائق إلى النور. ولما نشرت عدة مقالات في مجلة "الصلاح" وجريدة "حامل الرسالة" وكان يتابع ما يُنشر ليّ الطيب الذكر مثل الرحمات الأنبا إسطفانوس الثاني بطريرك كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وسائر الكرازة المرقسية وكاردينال الكنيسة الجامعة فطلب منّي أن أعمل بحثًا عن تاريخ الأقباط الكاثوليك وجذورهم في مصر، وأخذت على عاتقي هذا التكليف وأخذت أبحث في المكتبات كمكتبة الدومنيكان واليسوعيين والمركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية... إلى أن شاءت العناية الإلهية حين أخذنا تصريحًا من أمن الدولة تحت رقم 38 لسنة 2007م بموافقة مكتب الأمن تحت رقم 5737، للاطلاع على المخطوطات والوثائق القومية (القاهرة) علاوة على الوثائق والمخطوطات بدار المحفوظات العمومية بالقلعة، وأيضًا دار الكتب المصرية بباب الخلق (القاهرة) بالإضافة إلى البرديات التي تعود معظمها للقرون العريقة جدًا من القرن الخامس حتى القرن التاسع الميلادي وهي بنهرين إما يوناني/قبطي أو يوناني/عربي أو قبطي/عربي.

لعل هذا العمل البسيط الذي بين يديك أيها القارئ الكريم يفتح أعين الرجال المخلصين لا بل والمؤرخين عن حقائق تاريخية ربما أسدل عليها النسيان ستارًا كثيفًا. وإنني أستند في هذا العمل المتواضع على مراجع تاريخية موثقة محفوظة إلى أيامنا الحاضرة في سجلاتهم لم يتطرق إليها تحريف، ولن يشك في صدقها إنسان، ولا يستطيع إنكارها عالِم يخاف ربه أو مؤرخ يسير على هدي ضميره.

وكان غبطة أبينا البطريرك الكاردينال الأنبا إسطفانوس الثاني قبل نياحته يتابع المقالات المنشورة ويشجعني ويعضدني بصلواته أولاً وكلماته التي كانت تحفزني وتدفعني على البحث والتنقيب وتسطير الأبحاث التاريخية لكرسي الإسكندرية للأقباط الكاثوليك. بالإضافة إلى تشجيع وتعضيد صاحب النيافة الأنبا يوسف أبو الخير مطران كرسي سوهاج الذي مازال يشجع ويعضد ويساند في هذا العمل. وأيضًا متابعة ومساندة وتشجيع صاحب النيافة الأنبا مكاريوس توفيق مطران كرسي الإسماعيلية ومدن القنال. كما أنني لا أنسى تدعيم وطلب حضرات الآباء الأجلاء الرعاة عن كتاب يحوي «تاريخ كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك». وأخيرًا أشكر الله على كلّ نعمة وعطية وهبها لي، وأشكر كلّ من تعب معي في اخراج هذا الكتاب البسيط.

إن مهارة المؤرخ لن تتوقف عند فن اكتشاف الوثائق فقط، ولا عند معرفة أين وكيف وجدها، بل ينبغي فضلاً عن ذلك أن يعرف "أيّ" الوثائق يبحثها، وعليه أيضًا أن يمعن في الفكرة كما في الوثيقة كمصدر تاريخي، فتاريخ الكنيسة المصرية في أمسِّ الحاجة ليسجّل بالوثائق المكتوبة حتى يتم إبراز حقيقة التاريخ الكنسي المصري التي طمستها القصص والروايات والتيارات المتشددة لفئة معينة والتعصب الطائفي والجهل الأعمى، ومن هنا نعيش في الحقيقة ومع الحقيقة ونسير جميعًا في دربها.

أشكر الله على هذا العمل المتواضع، الذى أتمنى أن يساهم في فتح باب مغلق وهو باب تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية، لأن هناك تأكيدات وحقائق تاريخية زيفها البعض عمداً أو سهوًا من المؤرخين في مقالاتهم ومؤلفاتهم وعظاتهم ومحاضراتهم، وتلقنها البعض الآخر حتى اعتبروا الكثلكة دخيلة على مصر، ولكن الكثلكة في الحقيقة هي من قلب هذا الواقع التاريخي وبذورها تتجذر في أرض مصر حيث كانت تحتاج لبعض الفلاحين الذين يعملون ويسهرون على تنميتها لتصل هذه النبتة الجميلة التي تشهد لحب كل من حولها، ولكن قد يزداد بعض أعداء الحقيقة ولكنهم في النهاية مجموعة أصفار، لأن الحقيقة التاريخية تفقد قيمتها إذا لم تأت في مكانها الصحيح وتوقيتها المناسب.

فهناك اثنان لا يشعران بالسعادة أبدًا:

الأول: هو مغتصب الحقيقة التاريخية.

والثاني: هو شاهد الزور عليها.

وكما أن القيامة انتصرت على الآلام والموت، والنور على الظلام هكذا الحقيقة التاريخية تُظهِر ذاتها بنفسها.

الفصل الأول: كلمة عابرة عن التاريخ الكنسي المصري.

لقد ميزنا أن بعد فترة مجمع خلقدونيا المسكوني المنعقد في السنة 451م أن في تاريخ كنيسة الإسكندرية لدينا ثلاث كنائس: الأولى: الكنيسة اليونانية الملكية (=الخلقدونية)؛ والثانية: الكنيسة القبطية الكاثوليكية (=الملكية)؛ والثالثة: الكنيسة القبطية اليعقوبية (=الأرثوذكسية)، قد وجدنا مخطوط بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة وهذا يحتوي علي عدة معلومات ذات قيمة تاريخية من الدرجة الأولي ورقم ميكروفيلم هذا المخطوط 48148، محاضر جلسات المجامع المسكونية، مخطوط 13 لاهوت، عدد الأوراق 258، المقاس 22×16، وهذا المخطوط في البداية أوراقة مفقودة، والملفت النظر أن هذا المخطوط مكتوب باللغة اللاتينية ثم ترجم فيما بعد باللغة العربية فيخبرنا هذا المخطوط أن بعد انعقاد المجمع المسكوني الخلقدوني 451م، عاد الأساقفة المصريون إلي الإسكندرية ومعهم الكهنة الذين كانوا في خلقدونيا وأخبروا أهل مصر عن كل ما صار في المجمع المذكور وأما أسماء الأساقفة المصريين الذين كانوا في المجمع وحرموا أوطاخي وبدعته لا بل وقعوا الحكم الصادر ضد ديسقورس، وعدد هؤلاء الأساقفة 28 أسقفًا قبطيًّا كاثوليكيًّا بأبرشياتهم، وقد قارنا ذلك مع كتاب الأب ميخائيل لكيان، الشرق المسيحي مقسوما إلى أربع بطريركيات فيه وصف الكنائس والبطاركة وسائر أحبار الشرق، المجلد الثاني، باريس، المطابع الملكية، 1740م، ونجد هناك رسائل مرسلة بين الكرسي الرسولي وأساقفة الأقباط الكاثوليك وفيها عبارات صريحة عن وجود مصريين خلقدونيين، وأخذ تيموثاوس إيلورس البطريرك القبطي اليعقوبي ينفي أساقفة (راجع، جراسيموس مسرّة (المطران)، تاريخ الانشقاق بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية دراسة للعلاقات والصراع بين الكنيستين من القرن الأول إلى اليوم، سلسلة المسيحية في الشرق =16، لبنان، 2010، ص289) على أثر ذلك نجد هذا الحبر الروماني البابا لاون الكبير (440-461م) قد وضع في القرن الخامس دير القديس إسطفانوس داخل أسوار الفاتيكان بروما تحت تصرف الأقباط الكاثوليك الذين لجئوا إلي روما مدينة السلام أثناء الاضطرابات التي اجتاحت مصر عقب مجمع خلقدونية المنعقد عام 451م وقد وهبه هبة مستديمة لا رجوع فيها قداسة البابا إقليمنضس الثاني عشر (1730- 1740م) وتم ذلك في 15 من شهر يناير يناير 1731م. وقد اهتدي للكثلكة القمص مكاريوس البرموسي وذهب لرومية بعد اهتدائه للكثلكة حيث أقامه الحبر الروماني رئيسًا على دير إسطفانوس في سنة 1740م. ثم كُلّف من بعده الأب روفائيل طوخي بإدارة دير القدّيس إسطفانوس من سنة (1740- 1787م) وقد كان رئيسًا لهذا الدير كلاً من الأب باخوم القبطي الكاثوليكي، والأب أنطونيوس ملوخية القبطي الكاثوليكي.

ولكن تخبرنا المؤرخة الإنجليزية بتشر أن بروتيريوس البطريرك السكندري (والملفت النظر أن هذا البطريرك كان رئيس شمامسة للبطريرك ديسقورس) فقام بروتاريوس بسيامة 14 أسقفًا (راجع، إيديث لويزا فلوير بوتشر، تاريخ الأمة القبطية وكنيستها، المجلد الثاني، تعريب، القاهرة، 1901، ص60) بعد استشهاد البطريرك بروتيريوس، تم تعيين تيموثاوس (460–483م) بطريركًا كاثوليكيًّا علي الكرسي السكندري، وصدق الحبر الأعظم قداسة البابا لاون الكبير رسامته بتاريخ 18 من شهر أغسطس لسنة 460م وقد جاء في نص التصديق الآتي: «لقد عملتم بموجب القوانين والتقاليد الرسولية بإعلانكم إيانا على يد القس دانيال والشمّاس تيموثاوس بارتقائكم على الكرسي المرقسي»( راجع، إغناطيوس برزي(الأنبا)، سقوط الحجة أمام الصخرة البطرسية، القاهرة، 1896، ص17)، وقد حضر في رسامته وفد من الأقباط الكاثوليك القاطنين في جنوب الصعيد.( راجع، فوزي المصري، «تاريخ الكنائس الشرقية: كنيسة الأقباط الكاثوليك=8»، مجلة الصلاح (28)، سبتمبر وأكتوبر، 1957، القاهرة، ص324).

وشهادة الأنبا ساويروس بن المقفع (915- 987م): في مؤلفه «كتاب مصباح العقل»، في الباب السادس عشر عنوانه "قولنا في التزويج" وهو يتحدث فيه وضع الكهنة والأساقفة من الزواج عند النساطرة والسريان والملكيين واليعاقبة: «أما المصريون (الملكيين واليعاقبة)، فرأوا أن يكون الأسقف بالإسكندرية خاصّة بتولاً لم يتزوج في حال علمانيته. وأما النسطورية والسريان، فرأوا أن لا يكون الأسقف البتة ممن تزوج قبل أسقفيته. أما النوبة، فأمرهم بناء على الرسم الأول» (راجع، ساويرس بن المقفع، كتاب مصباح العقل، تقديم وتحقيق الأب سمير خليل اليسوعي، التراث العربي المسيحي = 1، القاهرة، 1978، ص92- 95) هذه شهادة نستنتج منها أن البطريرك الملكي المصري يجب أن يكون بتولاً لم يتزوج في حال علمانيته، وهذه شهادة أن في ذلك الوقت الكنيسة المصرية الخلقدونية الملكية (= القبطية الكاثوليكية) مازالت قائمة بطاركة الكرسي الإسكندري.

جذور الأقباط الكاثوليك في نظر رفيق حبيب ومحمد عفيفيّ: «أن الأقباط الكاثوليك مرتبط وجودهم ببداية وجود الكنيسة في مصر مثلهم مثل الأقباط الأرثوذكس إن الأقباط الكاثوليك الذين قبلوا قرارات المجمع المسكوني الخلقدوني المنعقد سنة 451م هم ينتمون فكريا إلى التراث الفكري لمدرسة الإسكندرية، وبعد المجمع ذلك أصبح تراث الأقباط الكاثوليك تراث أسكندري صرف، ولذلك كان طقسهم طقس أسكندري (أي طقس قبطي) ولذلك حمل الأقباط الكاثوليك معهم قرارات مجمع خلقدونيا واستمروا فترة كبيرة يحتفظون بكنيستهم وبطريركهم (يقصد بطريرك الكنيسة الملكية الذي كان يباشر شئون الأقباط الكاثوليك). وكانوا منذ انعقاد مجمع خلقدونيا وهم أقلية، وبالتالي وجودهم ضعيفا لا بل وجودهم هامشي وتأثيره المحدود علي الأقباط، ومن جانب آخر كانوا متمسكين بما تمسكت به كنيسة روميا وأنطاكيا، ولذلك كانت كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك هي التي يقترب عليها القادمون من كنيسة روما وغيرها، حيث أنها الكنيسة التي تتفق معهم في العقيدة عند الانقسام بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما وأنطاكيا، انقسم الأقباط إلى فريقين، فريق يتبع بطريرك الإسكندرية الأرثوذكسي، وهم الأغلبية، وأقلية ظلت تتبع فكر كنيسة روما، أي تتبع قرارات مجمع خلقدونيا، وسميت هذه الأقلية بالملكيين، لأنهم كانوا يتبعون البطريرك يعين من قبل الملك في روما»( راجع، رفيق حبيب، محمد عفيفي، تاريخ الكنيسة المصرية، القاهرة، 1958، ص84- 95).

تسرد المؤرخة إيديث لويزا فلوير بوتشر أن في شهر فبراير لسنة 1193 «وكان قد مضى زمن طويل على الكنيسة الملكية في البلاد المصرية بدون بطريرك نائب عنها حتى آلت الظروف إلى قرب تلاشي حقوق تلك الكنيسة في مصر واشتد الخطب على أتباعها المتفرقين. ولما أنس كبار الإكليروس في القسطنطينية علامات السلام والأمان في ديار مصر على عهد الوزير بهاء الدين وتأكدوا أنه لم يعد علة وجود بطريركيتهم في مصر ولدواع سياسية رأوا ضرورة إعادة فرع كنيستهم المصرية ثانيا بقدر الإمكان. فرسم بطريرك القسطنطينية رجلا يدعي مرقص بطريركا على فرع الكنيسة الملكية(...) فلما حضر مرقس إلى مصر وأسس كرسي بطريركيته صار يرسل خطابات غريبة لبطريرك القسطنطينية هن حالة أتباعه المصريين الذين مضي عليهم زمن طويل لم يسمع عنهم شيئا. ومن جملة ما أدهش البطريرك مرقص كتب عنه مراسلاته أنه وجد طريق الصلاة وخدمة القداس هي الطريقة القديمة المعروفة باسم طريقة مار مرقس واستفسر بطريرك القسطنطينية عن السماح بممارستها أو إبطالها فأجابه البطريرك بأن كل شيء من الرسوم الدينية يلزم أن يكون حسب طقوس الكنيسة الملكية ويلزم إبطال طريقة مار مرقس وإبدالها بطريقتي القديسين يوحنا فم الذهب وباسيليوس. وباقي الطقوس الخاصة بإسكندرية كتب عنها مرقس أيضا وقال إنها طقوس قديمة جدا وتختلف عن الطقوس التي تمارس وقتئذ بالقسطنطينية فأجابه بتتغيرها أيضًا وبالإجمال أمره كل الطقوس والرسوم التي كان يستعملها المصريون» (راجع، إيديث لويزا فلوير بوتشر، المرجع السابق، المجلد الرابع، ص152و153). وأما مرقس الثاني بطريرك الإسكندرية للملكيين فيعرف من الأسئلة (الأربعة والستين) التي ألقاها في شهر فبراير من سنة 1195م: على العلامة القانوني الشهير ثيؤوذورس بلسمون الثالث البطريرك الأنطاكي (1185-1203م) المعاصر له وتلك الأسئلة تبين حالة الكنيسة الإسكندرية في ذلك الزمان وترينا ما كانت عليه من الضعف الشديد وكيف كانت تعيش بضنك شديد فيما بين الهراطقة وغير المؤمنين. (راجع، الآباء اليونان، مجلد 138، عمود 951 وما بعده).

ولعل ذلك جعل أنافورا القديس باسيليوس تنتشر في مصر ولكن لم يرضوا الأقباط الكاثوليك التابعين للكرسي الرسولي بتغيير ليتورجيتهم التي كانوا يقدرونها لكاروز الديار المصرية القديس مرقص الرسول فعدد لا بأس به من الأقباط الكاثوليك ذهب ليصلي لدي الكنيسة القبطية اليعقوبية (الأرثوذكسية) وعلي أثر ذلك نجد أولئك المنضمين للكنيسة عينها أخذوا تراثهم الكنسي الخاص بهم وصلّوا به في كنائسهم بالإضافة لتراث هذه الكنيسة فنجد من ضمن هذا التراث الذي أدخل علي تراث الكنيسة القبطية اليعقوبية هو نص لحن تبكيت يهوذا الذي يقال بعد قراءة الإبركسيس في باكر خميس العهد في أسبوع الآلام فقد قيل هذا اللحن لأول مرة في الكنيسة القبطية اليعقوبية من جماعة الأقباط الكاثوليك المنضمين لهذه الكنيسة عينها في باكر خميس العهد الموافق 4 برمودة لسنة 911 للشهداء أي 30 مارس لسنة 1195 وأخذ يلحن هذا اللحن بكلماته المعروفة حتى دون لأول مرة في المخطوط رقم 106/ طقس بمكتبة دار البطريركية الخاص بطقس الميرون سنة 1374 وذلك في عهد البطريرك غبريال الرابع (1370-1378) (لمن يريد أن يتحقق من ذلك راجع، مخطوط أبسالا السويد شرقي فهرس 486"قديم et 127"، مخطوط باريس، المكتبة الوطنية عربي 203، مخطوط فاتيكان عربي 623).

ومن خلال هذا الصراع بين الكنيسة البيزنطية والرومانية، بدأ ظهر أثر التميز والانفصال بينهم، في مثل. فقد حاول بطاركة الأقباط الكاثوليك تغيير الطقس السكندري إلى الطقس البيزنطي. وهي محالة تعني أنهم أرادوا ضم الكاثوليك، إلى كرسي بيزنطة، وإبعاده عن كرسي روما. وتجسد ذلك خاصة، في القرن الثالث عشر. فقبل هذا التاريخ، كان بطاركة الأقباط الكاثوليك بيزنطيين، دون أن يثير ذلك مشكلات. ولكن بعد ذلك، دخلت الكنيسة الكاثوليكية في مصر، داخل حلبة الصراع بين كرسي بيزنطة وكرسي روما. وأمام هذا الموقف التاريخي كان رفض الأقباط الكاثوليك للطقس البيزنطي وصراع بيزنطة وروما، بداية انتهاء الوجود الرسمي للأقباط الكاثوليك (راجع، رفيق حبيب، محمد عفيفي، تاريخ الكنيسة المصرية، القاهرة، 1958، ص86).

فتمسك العدد الباقي من الأقباط الكاثوليك بطقوسه وعقيدته. وكانوا تابعين روحيين لكرسي القديس بطرس الرسول هامة الرسل منذ 1216م (راجع، وليم سيدهم اليسوعي (الأب)، «كتاب الأقباط والقومية العربية»، لمؤلفه أبي سيف يوسف، مجلة المشرق (68)، بيروت، تموز/كانون الأول، 1994، ص504). والذي يدهش في ذلك أن ما بعد رفضوا الأقباط الكاثوليك أنافورات الطقس البيزنطي وتمسكهم بطقسهم وقد جدنا في إحدى المخطوطات أنهم كانوا يصلون بالثلاثة قداديس وهي القداس الأول للقديس باسيليوس الكبير أسقف قيصرية كبادوكية (329-379م) والقداس الثاني للقديس غريغوريوس النازينزي أسقف القسطنطينية(330-390م) والقداس الثالث المنسوب لكاروز الديار المصرية مرقص الإنجيلي (21ق.م-68م) ثم نسب فيما بعد علي حسب التقليد الكنسي لخليفته القديس كيرلس الإسكندري (340-444م) ونري ذلك الحدث في المخطوطات اليونانية في دير القديسة كاترينا بسيناء.( وكشاهد عيان على ذلك هو المخطوط الفاتيكاني اليوناني رقم 2282(1207)) ويسطّر المطران نقولا أنطونيو مطران الروم الأرثوذكس وهو يؤرخ عن ليتورجية القدّاس الكيرلسي في هذه الحقبة التاريخية: «وقد حافظت الكنيسة القبطية الكاثوليكية على أن يكون القدّاس الكيرلسي هو القدّاس الرئيسي في خدماتها»(راجع، نقولا أنطونيو (المطران)، خدمة القداس الإلهي للقدّيس مرس الإنجيلي مؤسس الكرسي الإسكندري المقدّس، القاهرة، 2014، ص13). وعلاوة على ذلك يخبرنا الكاتب محمد عفيفي بأن الكنيسة القبطية الكاثوليكية ظلت محتفظة بالطقس الإسكندري وارتباطها بكنيسة روما وقرارات المجمع الخلقدوني حتى مجيء الرهبان الفرنسيسكان لمصر ليقوموا برعايتهم كراعية بلا بطريرك (لمن يهمه الأمر راجع محمد عفيفي وآخرون، تاريخ الكنيسة المصرية، القاهرة، 1994، ص 86-87). وتسرد لنا مجلة معهد الدراسات القبطية عن هذا الحدث الآتي: «وقد استعملت الكنيسة الملكية (الأقباط الكاثوليك) في القطر المصري هذه الثلاثة قداسات المصرية أيضًا بعد الانفصال إلى القرن الثاني عشر» (راجع، «مجلة معهد الدراسات القبطية»، القاهرة، 1958، ص58). ويسطر الأب لويس شيخو اليسوعي عن هذا الحدث: «ثم انفصل الأقباط الكاثوليك بعد ذلك في القرن الثالث عشر وأبوا الخضوع لبطاركة الإسكندرية لما وجدوا فيهم من الذل والانقياد إلى مطامع كنيسة القسطنطينية لكنهم حفظوا أنافور القديس باسيليوس وأنفوا لم يعدوا إلى ليترجيتهم بعد إن بطل عندهم استعمالها وألفوا ما سواها من الطقوس»( راجع، لويس شيخو اليسوعي(الأب)، «نبذة في الليترجية القبطية الحديثة والقديمة»، مجلة المشرق (18: 2)، 15 أيلول 1899، بيروت، ص818و 819) وهذا دليل على وجود الأقباط الكاثوليك في هذا القرن ومن هذه الشهادة نستلهم أنه كانوا يصلون بالثلاثة القداسات. ولكن يضيف الأنبا الكسندروس اسكندر: «ولكن هذه الأحداث دفعت بالأقباط الكاثوليك الذين ظلوا متمسكين بالكرسي الرسولي أن يهجروا نهائيا الملكية لكونها أصبحت يونانية»( راجع، الكسندروس اسكندر (الأنبا)، تاريخ الكنيسة القبطية، الجزء الثاني، ص51) وقد أثبت الشيخ الصفا بن العسال العالم القبطي من الجيل الثالث عشر في كتابه «نهج السبيل»: «ولفظة بكر الخلائق في تلاوة العراقيين النساطرة فأما نحن والملكية المصريين فليست مكتوبة عندنا»( راجع، الشيخ الصفي أبي العسال ابن الشيخ فخر الدولة أبي الفضل المعروف ابن العسال، «نهج السبيل في تخجيل محرفي الإنجيل»، 1643 للشهداء(1927ميلادية)، مطبعة عين شمس، القاهرة، ص15 ). فهذا يعزز ما قلناه عن مصرية الكنيسة اليونانية وأن أتباعها كانوا مصريين أقباط وإلا كانوا أجانب فمستحيل أن تكون كنيسة مصرية ومن المعلوم أن الكنيسة المصرية الأصلية كان أتباعها من الأقباط واليونان والرومانيين ودعيت يونانية لأن طقوسها كانت يونانية وإلى الآن نحن الأقباط نمارس بعض هذه الطقوس أي الصلوات وجمل يونانية في طقسنا القبطي ولا ننسي أيضًا أن آبائنا أثناسيوس وكيرلس وغيرهم كانوا لا يعرفون إلا اللغة اليونانية وكتبوا بها مؤلفاتهم التي ترجمت إلى القبطية والعربية فيما بعد.

إن الأقباط الكاثوليك شعروا من جراء هذه الأحداث المؤلمة باستياء كبير وانضم عدد منهم إلى الأقباط اليعاقبة ومن الصعب علينا أن نعرف بالتحديد عدد الكاثوليك المصريين الذي ظلوا تابعين لروما وعدد الذين انشقوا مع البيزنطيين. (راجع، يوحنا كابس (الأنبا)، المعلم غالي وعصره دوره في الكنيسة القبطية الكاثوليكية، القاهرة، 1976، ص46).

وكحجة واضحة كالشمس لجذور الأقباط الكاثوليك: هو أن أوّل كتاب طقسيّ يُطبع للكنيسة القبطية الكاثوليكية هو: «كتاب صلاة السواعي» (أيّ الأجبيّة)، وقد طُبعت في نهار يوم الثلاثاء الموافق 12 من شهر سبتمبر لسنة 1514م (في يوم 2 توت 1230 للشهداء) وهي ختم المعلم غريغوريوس بن غريغوريوس من مدينة البندقية في عهد البابا لاون العاشر (1513- 1521م) وصفحات هذه الأجبيّة في 211 ورقة، طُبعت في المطبعة العربيّة الذي سعى بإنشائها البابا يوليوس الثاني (1503- 1513م) في أوائل القرن السادس عشر والذي وكّل أمرها إلى الطبّاع غريغوريوس جرجس البندقيّ.

وكشهادة تاريخ البطاركة بوجود قس قبطي كاثوليكيّ قبل ظهور المعلّم غالي: وكان بمدينة القدس قس قبطي كاثوليكي يُسمى أثناسيوس (1725- 1766م) فرسمه البابا مطرانًا على مصر غير أنّه لم يتمكن من الحضور إليها وكان ذلك نحو منتصف القرن الثامن عشر في أيام البابا الإسكندري مرقس السابع (1754- 1769م) (راجع، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروفة بسير البيعة المقدسة لساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين، الجزء الأول، الطبعة الثانية، القاهرة، 2011، ص32).

وفي حبرية قداسة البابا إقليمنضس الثالث عشر (1758- 1769م) قد اعتمد في يوم 19 من شهر ديسمبر لسنة 1761م مراسيم وقوانين رهبان القدّيس أنطونيوس الأقباط المقيمين بدير القديس إسطفانوس بروما لمن يهمه الأمر طالع كتاب De Martinis Juris pontificii de propag. Fide, الجزء الأول، المجلد الربع، ص68 و69 (راجع، أندراوس غطّاس (الأنبا)، لمحات تاريخية طائفة الأقباط الكاثوليك في عصرها الحديث الأنبا روفائيل طوخي، المرجع السابق، ص279).