موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٠ يوليو / تموز ٢٠٢٠
كتاب جديد للأب د. ريمون جرجس الفرنسيسكاني حول الحياة المكرّسة في الكنيسة الكاثوليكيّة
"أبونا" يهنئ الصديق الأب جرجس على هذا الانجاز الجديد الذي يضاف إلى سلسلة مؤلفاته حول القانون الكنسيّ
غلاف الكتاب الجديد: "الحياة المكرّسة في الكنيسة الكاثوليكية على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني"

غلاف الكتاب الجديد: "الحياة المكرّسة في الكنيسة الكاثوليكية على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني"

أبونا :

 

سيصدر قريبًا كتاب جديد الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسيسكاني، المتخصص في القانون الكنسيّ، يحمل عنوان: "الحياة المكرّسة في الكنيسة الكاثوليكية على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني"، ليُضاف بذلك إلى سلسلة مؤلفاته القيّمة التي أغنت المكتبة المسيحيّة، وخاصّة القانونيّة، باللغة العربيّة.

 

ويعتبر الكتاب الجديد (1500 صفحة) دراسة لاهوتيّة وقانونيّة، تُقدّم لأوّل مرة باللغة العربية، وتتناول تحليل 176 قانونًا من قوانين الكنيسة اللاتينيّة، و166 من قوانين الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، مع عدة قوانين مشتركة أو ذات الصلة. وسيتم طباعة الكتاب في جزئين.


 

وفيما يلي نص مقدّمة الكتاب الجديد:

 

الكنيسة عمل المسيح التأسيسيّ الفريد والحصريّ الَّذي يضمن ثبات هويَّتها وهيكليتها على الرغم من تعاقب الأشخاص والأجيال. فالمواقف التاريخيَّة والتغييرات الثقافيَّة والأجيال لا ولن تؤثّر في هويَّة الكنيسة. والكنيسة حقيقة واحدة مركّبة، ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ، «تشكلّت ونُظّمت كمجتمع»، من خلال عمل الرُّوح الواحد. وهذا يُظهر جسد المسيح الاجتماعيّ ووحدته العضويَّة في أداء الوظائف المختلفة الَّتي منحها كهبة للحيويَّة والنمو الرُّوحيّ للكنيسة بأكملها. لهذا، لدى الكنيسة، الجانب العضويّ الاجتماعيّ المرئيّ وجانب الوجود الإلهيّ غير المرئيّ، وهما في علاقة حميمة أحدهما مع الآخر، يمكن مقارنتهما بسرّ المسيح نفسه. لذلك، فإنَّ العلاقة المتبادلة الحميميَّة للعنصرين تعطي الكنيسة طابعها السرّيّ، وبفضله تتجاوز حدود أي منظور اجتماعيّ.

 

لم يبتعد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني عن فكرة الكنيسة القانونية، بل كرَّر كثيرًا، خصوصًا في الدستور العقائديّ «نور الأمم»، أنَّ الكنيسة مُنظَّمة عضويًّا بفعل الإرادة الإلهيَّة. نقرأ على وجه الخصوص: «المسيح، الوسيط الواحد، قد أقام على هذه الأرض كنيسةً مقدّسةً، شركة إيمان ورجاء ومحبَّة، هيكلًا عضويًّا منظورًا، وهو يسندها على الدوام، ويفيض بها على الجميع الحقيقة والنعمة. بيد أنّ هذا المجتمع المجهّز بأعضاء ذوي سلطات، جسد المسيح السرّيّ، الجماعة المنظورة والشركة الروحية، كنيسة الأرض والكنيسة الغنيّة بنعم السماء، يجب ألاّ يعدّ حقيقتين، بل هو حقيقة واحدة مركّبة، ذات عنصرّين بشريّ وإلهيّ. ومن ثمّ فليس من قبيل العبث في القياس أن يشبّه بسرّ الكلمة المتجسّد. فكما أنّ الطبيعة التي تدرّع بها الكلمة الإلهيّ يستخدمها أداةً حيّةً للخلاص متّحدةً به اتّحادًا لا ينفصم، كذلك أيضًا المركب العضويّ المجتمعيّ الَّذي تتألّف منه الكنيسة يستخدمه روح المسيح، الَّذي يحييه، سبيلًا إلى نموّ الجسد (أف4: 16)». إذن، أسّس السيّد المسيح الكنيسة «شركة روحيَّة» بالإيمان والرجاء والمحبَّة، وفي الوقت نفسه، مجتمع أرضي يتمتّع بأجهزة تراتبيَّة، وهاتان الحقيقتان -الكاريزماتيّة والمؤسَّساتيّة- لا تنفصلان على الإطلاق. وهذا التلازم هو الَّذي يضمن للشَّرع الكنسيّ هويته وهدفه، لأنَّه في شعب الله على وجه التحديد. وضّح القديس البابا يوحنَّا بولس الثّاني ذلك: «بما أن البنية الاجتماعية للكنيسة في خدمة سرّ أعمق من النعمة والشركة، يجب أن يُنظر إلى القانون الكنسيّ - بالتحديد كقانون الكنيسة، ius ecclesiae - على أنَّه فريد من حيث وسائله وغاياته». أثبت هذا أنَّه ذو أهمية كبيرة لتأسيس القانون الكنسي في سرّ الكنيسة، وكذلك لفهم أفضل للبعد الاجتماعي لتلك «الهبات التراتبيّة والكاريزماتيّة المختلفة» الممنوحة من الروح إلى الكنيسة. إنَّه، كما أوضح البابا يوحنَّا بولس الثّاني، «قد يساهم في تطوير تفكير كنسيّ سليم، وأيضًا بطريقة عمليّة بشكل أساسي، في الأداء السليم من مختلف الهيكليات التي تسمح للمؤمنين بالاستجابة لدعوتهم الفائقة الطبيعة والمشاركة الكاملة في رسالة الكنيسة». وحسب المرسوم الرَّسولي «Sacrae Disciplinae Leges» حيث من خلاله اصدر البابا يوحنَّا بولس الثّاني مجموعة القوانين للكنيسة اللاتينية لعام 1983: «إنَّ المجموعة لا تتوخّى بأي شكل من الأشكال أن تكون بديلة للإيمان والنعمة والمواهب، أو بديلًا لمحبَّة المؤمنين في حياة الكنيسة، ذلك أن غايتها هي خلق مثل هذا النظام في المجتمع الكنسيّ، الَّذي يُعطي الأولوية للمحبَّة والنعمة والمواهب، ويُسهّل في الوقت نفسه نموها التنظيمي في حياة المجتمع الكنسيّ، كما في حياة الأفراد المنتمين إليه». لذلك، ضرورة تكيف التشريع الكنسيّ مع مفهوم الكنيسة المعلن من المجمع الفاتيكانيّ الثّاني تم تنبيهه مباشرة وأعلنه المجمع في القرار «التنشئة الكهنوتية»: «وكذلك في تعليم الحقّ القانوني والتاريخ الكنسيّ، يجب الرجوع إلى سرّ الكنيسة وفقًا للدستور العقائدي «نور الأمم» الَّذي أعلنه المجمع»(رقم، 16). في الواقع، الشَّرع الكنسيّ اللاتينيّ لعام 1983 يجب أن يأخذ الوجه الجديد للكنيسة كسرّ باعتباره الصورة المركزيَّة للتعبير عن واقع الكنيسة. أنا لا أتحدث فقط عن السرّ فقط لكن مؤسَّسة أيضًا التي تؤسس واقع الكنيسة، وهذا يوضّح الجانبَين الإلهيّ والإنسانيّ، الهبة والهيكليَّة العضويّة.

 

يبدأ الدستور العقائديّ «نور الأمم» بوصف الكنيسة بأنَّها علامة سرّ وأداة للوحدة الحميمة مع الله ووحدة البشرية جمعاء. لذلك، البُعد السّريّ والشركة في الكنيسة يساعداننا على الفهم اللاهوتي لحقيقة الكنيسة ورسالتها ويجعلاننا نكتشف أساس بعدها القانوني. لذلك، هناك علاقة عضوية بين قانون الكنيسة والحياة الكنسيّة الداخليَّة، وهذا وحده فقط يعطي معنى للنظام القانونيّ في الكنيسة. كلّ نشاط تشريعيّ في الكنيسة يخدم على نقل الإيمان، والتوجّه نحو تحقيقه. ويشكّل القانون أداة للتذكير بالمسؤوليات الاجتماعية التي يتحمّلها المؤمنون من خلال قبول الإيمان. سواء المفهوم العقائديّ لحقيقة الإيمان سواء المفهوم التشريعيّ لحياة الكنيسة، يبقيان في حالة ثانويَّة بعلاقتهما مع الإيمان والحياة. كلا المفهومين هما صورة للنقل، بحيث يعتقد أنَّ الحياة الكنسيّة، أي الممارسة الكنسية للإيمان، معترف بها في الأنظمة القانونية، بحيث يتم تطبيق هذه الممارسة. والتعايش بين البعد الاجتماعيّ ورسالة حكم شعب الله والمسؤولية المشتركة لجميع المؤمنين في تحقيق هدف الكنيسة، قد يخلق ضرورة مبدأ النظام الاجتماعي الَّذي من خلاله يمكن أن يخلق توازنًا ملائمًا وفقًا للعدالة؛ يتم التعبير عن هذا المبدأ من خلال قانون الكنسي، والذي يمكن اعتباره النظام الاجتماعيّ العادل لشعب الله. لذلك، من خلال هذا النظام المحدّد، الكنيسة الكاثوليكية نظّمت نشاطها لتحقيق احتياجاتها الدينية والروحية؛ لتحقيق ملكوت الله والغاية خلاص النفوس.

 

في الواقع، ذكر البابا بنديكتوس السادس عشر في خطابه أمام روتا الرومانيَّة في عام 2012 أنَّ «القانون الكنسيّ يجد أساسه ومعناه الخاص في حقائق الإيمان». والسبب بسيط لأنَّه، أضاف البابا، «قانون السلوك لا يمكن إلاّ أن يعكس قانون الإيمان». بهذه الطريقة «من أجل فهم المعنى الصحيح للقانون، من الضروري النظر دائمًا إلى واقع يجب تنظيمه [...] الَّذي يحتوي دائمًا على نواة من القانون الإيجابيّ الطبيعيّ والإلهيّ، وأن يكون فيه كلّ معيار متناغمًا لكي يكون عقلانيًّا وحقيقيًّا قانوني». من منطلق هذا «المنظور الواقعي» في العمل الكنسيّ هو الَّذي قادنا في تحليل قوانين الحياة المكرَّسة. وبما أنَّ الشَّرع الكنسيّ أمرٌ ضروريّ للغاية بالنسبة للكنيسة، بسبب طبيعتها العضويَّة وبنيتها الاجتماعيَّة والمرئيَّة، وكذلك الروحيَّة والإلهيَّة، فإنَّ الحياة المكرَّسة تحتاج إلى بنية تشريعيَّة تسمح لها بالتعبير عن نفسها وتطويرها وتنميتها وللعمل، حسب طبيعتها وسبب وجودها داخل الكنيسة، شعب الله، وهذه البنية التشريعيَّة مضمونة بشكل كاف في المقام الأوّل من خلال أنظمة الشَّرع. لذلك، العلاقة بين البنية التشريعيَّة والكاريزما يجب فهمها وعيشها كضرورة أساسيَّة.

 

لقد سلّط المجمع الفاتيكانيّ الثّاني الضوء، في الواقع، على صورة الكتاب المقدّس لشعب الله كتعبير عن البُعد الاجتماعيّ للكنيسة. فوضّح الطبيعة التأسيسيّة للكنيسة: «من يوم العنصرة، هناك أناس جدد في العالم، ينشّطهم الرُّوح القدس، يجتمعون في المسيح للوصول إلى الآب (أفسس 2، 18). يستدعي العالم جميعهم أعضاء هذا الشعب ويندمج بعضهم مع بعض في هذه الوحدة الحميمة إلى درجة لا يمكنهم ببساطة شرح أنفسهم بأي شكل اجتماعيّ: لأنَّها تحتوي على جانب جديد متأصل فيه يتجاوز النظام الإنساني». ويشارك جميع الأعضاء من العلمانيين ورعاة وكهنة، وفقًا لطريقتهم الخاصَّة، في الطبيعة المقدسة للكنيسة؛ وبالمثل، يجب أنَّ يكون كلّ واحد، بحسب دوره، علامة وأداة للاتحاد مع الله وخلاص العالم. بالنسبة للجميع، للدعوة جانبان: أ) الدعوة إلى القداسة؛ ب) الدعوة إلى العمل الرسوليّ. لذلك فقط في هذا المنظور الساميّ يمكن تفسير العلاقات المتبادلة بين مختلف أعضاء الكنيسة بشكل صحيح. والعنصر، الَّذي تقوم عليه أصالة هذه الطبيعة، هو وجود الرُّوح القدس ذاته. في الواقع، إنَّه حياة وقوة شعب الله، يكفل لها وحدة الشركة والخدمة الرّوحية، يجهّزها ويقودها بمختلف المواهب، مواهب السُّلطة ومواهب المنّة، ويزيّنها بثماره. بالتالي، العناصر الَّتي تفرّق بين مختلف الأعضاء بعضهم عن بعض، والهبات، أي الوظائف والمهامّ المختلفة، تشكّل أساسًا نوعًا من المكمل المتبادل ويتم ترتيبها في الواقع في شركة واحدة ورسالة للجسد نفسه. وحتى في الكنيسة، هناك رعاة، علمانيّون أو رهبان، «تسودُ مساواةٌ حقّة في الكرامة والعمل المشترك بين كلّ المؤمنين لبنيانِ جسدِ المسيح». و«لأنَّ الجميع مدعوّ إلى الخلاص، فالكنيسة «في طبيعتها المتجوّلة رسوليّة، لأنَّها تصدر عن رسالة الابن، وعن رسالة الرُّوح القدس، وفاقًا لِقَصْدِ الآب... من هنا، يقع على الكنيسة واجب نشر إيمان المسيح وخلاصه، من حيث الأمر الصريح الَّذي انتقل من الرسل بالوراثة إلى سلك الأَساقفَة الَّذين يُعاونُهم الكهنة، متحدين بخليفةِ بطرس راعي الكنيسة الأعظم، ومن حيثُ الحياة الَّتي يبعثها المسيح في أعضائه هو «الَّذي منه ينال الجسد كلّه التنسيقَ والوحدة، وبتعاون جميع المفاصل، على حسب العمل المناسب لكلّ عضو، يُنشئ لنفسه نموًًا ويُبنى في المحبَّة (أف4: 16)، فرسالة الكنيسة تتمّم بالعمل الَّذي تجري فيه على أمر المسيح، وتتحرّك فيه بنعمة الرُّوح القدس والمحبَّة، فتكونُ حاضرةً حضورًا فعليًّا وكاملًا لدى جميع البشر وجميع الأمم».

 

لذلك، تحقق الكنيسة رسالتها بدعوة الجميع إلى محبَّة الله، وتجعلهم يعيشون كأبناء الله، لمحبَّة الله الأب وتبحث عن مجده، راغبة في المشاركة في خلاص الجميع. وبذلك تنجز الكنيسة، بفعل عمل محبَّة الله، هدفها في جمع جميع البشر في شركة مع الله وفي ما بينهم: «الكنيسة هي، في المسيح، سرّ بطريقة ما. وهذه هي علامة وأداة الاتحاد الحميم مع الله ووحدة الجنس البشري كله». والكنيسة «تستلم مهمة إعلان وإقامة بين كلّ الشعوب ملكوت المسيح والله، وعلى هذا الملكوت تشكل البذرة والبداية على الأرض». فالكنيسة، هي محبَّة فعّالة لحضارة العدالة ومحبَّة المسيحيّين، مما يجعل ملكوت الله حاضرًا. في الحقيقة كلّ مؤسّسة أو جمعيَّة كنسيَّة، أنشأتها السُّلطة الكنسيَّة المختصَّة، تنطلق بفعل الرُّوح من أجل المساهمة في المهمة الَّتي أعطاها السيد المسيح إلى كنيسته. وبالتالي، فإنَّ كلّ مؤسّسة تفي بمهمتها في خدمة الكنيسة وفي جملة أمور الإنسانيَّة، وفقًا لإلهامها الأصلي. المهمة هي جزء من الغاية الخاصّة الَّتي نشأت المؤسّسة من أجلها؛ وهذا هو لتلبية متطلبات الكنيسة والعالم. في حالة مؤسّسة علمانية، تكون الغاية الأساسيَّة هي الوجود في العالم والعمل على خلاصه. مهمتها الخاصّة هي وظيفة تقديس العالم والشهادة على «حب المسيح» في ظروف الحياة العاديَّة. فهناك تشابه قويّ بين البُعد الاجتماعيّ للكنيسة ومؤسّسات الحياة المكرَّسة.

 

الكنيسة هي التي تُنشئ مؤسّسات الحياة المكرَّسة، المبنية على اعتناق المشورات الإنجيليَّة، والتي هي بدورها متجذّرة في المعموديَّة، والَّتي تعبّر بطريقة واضحة عن توق الكنيسة لتتوافق مع حياة مؤسّسها، حياة العفة، الفقيرة والطّاعة. فالمؤسّسات الرَّهْبانيّة هي «كنيسة»، تشارك في العناصر الهيكليَّة والتأسيسيَّة للكنيسة الأم والَّتي تحمل الطبيعة الكاريزماتيَّة والمؤسّساتيَّة. تمامًا كما تنتمي الكنيسة إلى الإرادة التأسيسيَّة للمسيح. كذلك، الحياة الرَّهْبانيّة هي أيضًا مؤسّسة إلهيّة لأنَّها تجد جذورها في الأساس المشترك في سر المعموديَّة. وهذا يوضّح مكانة الحياة المكرَّسة في الكنيسة، فهي لن تتغيّر، حتى إذا تغيّرت الأشكال التاريخيَّة والقانونيّة في حياة الكنيسة.

 

ننوي، من هذا الكتاب، معالجة موضوع الحياة المكرَّسة من وجهة النظر اللاهوتيَّة والقانونيّة، ودراسة القضايا والمسائل المتعلقة بالجوانب الكنسيَّة -القانونيّة بشأن العيش والعمل (الروحيّ والرعويّ والإرساليّ وما إلى ذلك) للمكرّسين وجماعاتهم ضمن حدود أبرشيَّة، إقليم كنسيّ. وهذه الدراسة تقوم على أساس دراسات المتخصّصين القانونيّين في مجال الحياة المكرَّسة. والمنظور الَّذي أنوي استخدامه هو المنظور اللاهوتيّ الأساسيّ الوارد في المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الَّذي أعلن عن الجوانب التأسيسيَّة لها، كواقعة كنسيَّة. بواسطة تعاليم المجمع المذكور، سأحاول تسليط الضوء على جانبين: أ) تأصيل الحياة المكرَّسة في حياة الكنيسة كبُعد أساسي للتكريس؛ ب) الحياة المكرَّسة جزء لا يتجزأ من الكنيسة، وبالتالي ضروريَّة، وإن كانت غير تأسيسيَّة، جزءًا من البنية الأساسيَّة للكنيسة. لذلك، من الضروريّ العودة إلى وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثّاني لتفسير قوانين الكنيسة اللاتينية لعام 1983، وقوانين الكنائس الشَّرقيَّة الكاثوليكيَّة، الَّتي لا تتوقف على تأكيد تعابير كلاميَّة وردت في المجمع؛ بل سيكون من واجبنا الذهاب إلى أبعد من كلمات المجمع والتركيز على تحليل القوانين، مع الحفاظ على العناصر العقائديّة والقانونيّة الَّتي قدّمها المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، كي يتسنّى لجميع المؤمنين بالمسيح، وخصوصًا الأشخاص المكرَّسين في الحياة المكرَّسة بمختلف أشكالها، معرفة عميقة كي تعزّز أهميَّتها في حياة الكنيسة وتجعلها خدمة رعويَّة خاصّة. والمعرفة أمر ضروريّ لكلّ شخصّ مكرَّس، سواء أكان مسؤولًا عن قيادة جماعة رهبانيَّة أو علمانيَّة أو عضوًا فيهما، بحيث تصبح خدمته التي يقدّمها كافية وفعّالة. فكي نقدّم هذه الدراسة التحليليَّة المعمّقة لمؤسّسة الحياة المكرَّسة القانونية، يجب الإشارة بالضرورة إلى الدراسة المتأنّية للمصادر التشريعيَّة الصادرة عن السُّلطة الكنسيّة العُليا والتي تتضمن العديد من الوثائق، بما في ذلك: أ) قواعد الشَّرع العامّ الصادرة عن الكرسيّ الرسوليّ والواردة أساسًا في الشَّرع الكنسيّ العامّ. ب) قواعد القانون الخاصّ، الصادرة عن الكنائس المتمتعة بحكم ذاتيّ والتي هي مؤسّسات فرديَّة ومختلفة؛ ج) القواعد الأساسيَّة أو الواردة دستوريًّا في  «النظام الأساسيّ» أو الدساتير، الَّتي وضعتها هيئات جماعيَّة واعتمدتها السُّلطة المختصَّة في الكنيسة؛ د) المعايير المتبقّية الَّتي وضعتها السُّلطة المختصَّة لكلّ دير أو مؤسّسة.

 

يكتب صاحب الغبطة البطريرك يوسف العبسي كمقدّم لهذا الكتاب: "الكتاب في الواقع وصف للحياة المكرَّسة من خلال القوانين التي ترعاها لأنَّ هذه القوانين التي وُضعت على مرّ الزمن انبثقت من حاجات تلك الحياة ومن تطوّراتها وتقلّباتها المتلاحة والمتغيّرة بحيث يستشفّ القارىء خلف كلّ قانون ما استدعى وضعه وبحيث يسعنا القول إنَّ هذا الكتاب هو تاريخ الحياة المكرّسة في الكنيسة الكاثوليكيَّة بنوع خاصّ لا سيّما أنَّه مقرون بدراسة تحليليَّة كما ورد في العنوان. من فصل إلى فصل يتبيّن لنا أنَّ القانون هو الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل، هو الدليل على حركة التطوّر في حياة الكنيسة، هو الشريط السنمائيّ الذي نشاهد في حركة الحياة المكرَّسة على مرّ الأيام منذ نشأها إلى اليوم".

 

إنَّه كتاب جديد ليغنيّ المكتبة المسيحيَّة وخاصّة القانونيَّة باللغة العربية. يحتوي على ألف وخمسمائة صفحة.