موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٣ مايو / أيار ٢٠٢٠
كاهن أردني يكتب من منطقة الحجر في البحر الميت: "المغناطيس الأردني"
الأب عماد علمات، أحد كهنة البطريركية اللاتينية، يتابع دروسه منذ أعوام في روما، ولمّا ساءت الأحوال في إيطاليا بسبب الجائحة، كان الخيار الوحيد هو أميركا، عند الأهل والأقارب، وحين أتيحت الفرصة، عاد قبل أيام إلى الأردن، والتزم أسوة بالمواطنين العائدين، في فترة الحجر في البحر الميت، وها هو اليوم يكتب عن خبرته، وعن "المغناطيس الأردني" الجاذب لجميع أبناء الأردن، من أية "ديرة" كانوا. تحيات للأب عماد، ولجميع المقيمين حاليًا في منطقة الحجر، وتحية لكل مسؤول ينظم عودة الأهل والأحبة من الخارج.

الأب عماد علامات :

 

في رحلة الطيران المنطلقة من مدينة سان فرانسيسكو إلى مطار شيكاغو، اجتمع الطلاب الأردنيون الدارسون في الولايات المتحدة، في السادس من أيار الحالي، لينطلقوا معًا إلى أرض الوطن في رحلة فريدة، وبخاصة بعد أن سمحت الحكومة الأردنية بعودة هؤلاء الطلاب كما غيرهم من أقطار أخرى، بعد أن أُغلقت المطارات والجامعات والمدارس بسبب الجائحة. رحلةٌ خاصة بكل ما في الكلمة من معنى: فظروف تلك البلدان بعد تفشي وباء كورونا، أصبحت مقلقة للطلاب كما لأهلهم. شاءت الظروف ذاتها وبعد تردي الأوضاع في إيطاليا –مكان إقامتي للدراسات العليا– أن أسافر الى سان فرانسيسكو لأكون مع العائلة هناك، حيث أن مطار الأردن كان قد أغلق أبوابه منذ بدايات الأزمة ممّا جعل وجهة سفري الممكنة هي هناك.

 

التقيت في مطار سان فرانسيسكو -بطريق العودة- بسبعة شبان أردنيين من ضمن العشرين مسافرًا إلى شيكاغو. من اللحظة الأولى للقاء ورغم فارق العمر بيننا وعدم المعرفة المسبقة والإختلاف الديني جَذَبنا "المغناطيس الأردني"، فبدأنا الحديث والمشاركة بكل عفوية عن الإقامة والدراسة وغيرها، وكان القاسم المشترك بين الجميع، الإشتياق للقاء الأهل والأحباء وكِبَر معزّة الأردن، مشاعرٌ مشتركة ضربت بعرض الحائط المخاطر التي قد يسبّبها السفر في هذه الظروف، وهنا "مربط الفرس": فالحريّة النسبيّة في الولايات المتحدة في هذه الظروف لم تمنع هؤلاء الشبان من خيار الرجوع إلى بلدهم، رغم شدّة الإجراءات فيه، فمن تابع عن بُعدٍ ما يجري في الأردن في هذه الأوقات، تولدت لديه القناعة أنّ الأمان هناك، وأن التكافل هناك، وأن لقاء الأهل والأحبة سيكون له طعمٌ خاص.

 

وصلت الطائرة إلى عمان، إلى مطارٍ خالٍ، فلم يكن الأهل في الإستقبال، إلا أنّ وجوه أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وكوادر الطيران والصحة والخدمة العامّة في المطار، كانت وجوه أهلٍ وأحبّة تُشعّ نورًا أردنيًا مضيافًا يضفي على الأجواء راحةً وطمأنينة، فتجد عندها على وجوه هؤلاء الشباب القادمين من الإغتراب دمغةَ سلامٍ وتهليل.

 

من هنا أريد أن أسلط الضوء على هذا "المغناطيس الأردني" الذي يجعلنا نلتقي بلغةِ حبٍ عفويةٍ مشتركة، ويجعل الأردنيين -ذوي الإرادة الصالحة- ينظرون في وجه من كان في الإستقبال من كوادر الأجهزة المختلفة، فيرون وجه الأخ العزيز والأخت العزيزة، الذي يخدمُ ويهللُ ويرحب، بكل ودٍ ونخوةٍ ومروءة.

 

إنّ أصالة مجتمعنا الأردني تكمن في هذا "المغناطيس" القيَمي، وخلاص علاقاتنا الإجتماعية الجميلة -التي شابها حينًا بعض الغضون– تكمن في إحياء تلك الأصالة بتعظيم قيم العفوية والودّ والنخوة والمروءة. فالتعصّب والتصنّع والإنطواء هي رذائلٌ ليست في قاموسنا، لأنّها تُفسِد فعالية "المغناطيس الأردني".

 

تحية محبّة لهولاء الشبّان السبعة، فاللقاء كان قصيرًا لكنّه عميق، وتحيّةٌ عطرة لكل من التقيته في هذه الرحلة الفريدة، أمّا الإخوة والأخوات كوادر الأجهزة المختلفة، فأشكرهم على حسن الإستقبال والخدمة والكريمة.

 

رسالتي للشباب الأردني الحالم بمستقبل واعد وجميل: أذكروا حيثما حللتم وفي أيةِ ديرةٍ وُجدتم، أنّ هناك "مغناطيسًا أردنيًا" عناصره الودّ والنخوة والمروءة، وأنّ البيت الأردني سيبقى دائمًا بيت عزٍ وكرامة.