موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
قراءة في الوثيقة الختامية للسينودس الشباب (2)

القاهرة - الاب هاني باخوم :

يقوم المكتب الاعلامي للكنيسة الكاثوليكية بمصر بترجمة الوثيقة الختامية لسينودس الاساقفة والذي كان موضوعه "الشباب، الايمان وتمييز الدعوة" والذي اختتمت اعماله ال28 من اكتوبر الجاري. والى ان تتم الترجمة كاملة (غير رسمية) للنص، نقوم بنشر اجزاء الوثيقة. (المقدمة + الجزء الاول)

تقدمة

حَدَثُ السينودُس الذي عِشناه

1. «اُفيضُ مِن روحي على كل البشر فيتنبأ بنوكُم وبناتُكُم وَيرَى شُبّانُكُم رؤًى ويحلم شيوخُكُم أحلاما» (أع 2: 17؛ راجع غل 3: 1). هذه هي الخبرة التي مررنا بها في هذا السينودس، سائرين معًا وواضعين أنفسنا في إصغاءٍ لصوت الروح الذي أذهلنا بِغِنَى مواهبه وغَمَرَنا بشجاعتِهِ وقُوَّتِهِ لِحَملِ الرّجاءِ إلى العالَم.

فَسِرنا مع خليفة بطرس، ولقد ثَبَّتَنا في الإيمان وعَزَّزَنا في حماسة الرسالة. وبالرغم من قدومنا من إطارات مختلفة من وِجهتَيّ النَظر الثقافيّة والكَنَسِيّة، فقد لَمَسنا وِفاقًا رُوحِيًّا منذ البدء، وروحَ حوارٍ وتضامُنًا حَقًّا. لقد عَمَلنا مَعًا وتشاركنا بالأكثر بما هو من القلبِ، وتواصَلنا بِهُمومِنا، ولَم نُخْفِ تَعَبَنا. ولقد وَلَّدَت فينا مُداخَلاتٌ عديدة تأّثُّرًا وتَعاطُفًا إنجيلِيًّا، وأحسَسنا أنّنا جسدٌ واحد يتألّم ويفرح. لِذا نرغب في التشارُك مع الجميع بالنِعَم التي عِشناها وأن ننقل إلى كنائِسِنا والعالَم أجمَع فَرَحَ الإنجيل.

ولقد سَجَّلَ حضورُ الشبابِ سَبقًا جديدًا؛ ودَوَى في السينودُس عبرَهُم صَدَى جيلٍ بأكملِهِ. وسَيرًا معهم حُجّاجًا إلى قبرِ بطرس، اكتشفنا أنَّ التقارُب يخلق الظروف المواتية لِجَعلِ الكنيسةِ مساحةٍ للحوار وشهادةٍ على أُخُوّة مُدهشة، وإنَّ قوّة تلك الخبرة تتخطَّى كُلَّ تَعَبٍ وضُعف. ومازالَ الرَّبُّ يُكَرِّرُ لنا: لا تخافوا، أنا معكم.

مسار التحضير

2. استخلصنا فائدة كبيرة من إسهامات الأساقفة، وما أتَى بِهِ الرُعاة والرهبان والعلمانيّون والخُبراء والمُعَلِّمون وآخرون كثيرون. وقد انخرطَ الشباب منذُ البِدءِ في مسار السينودُس؛ في أسئلة الاستبيان على الانترنت، وبِكثيرٍ من الإسهامات الشخصيّة، وخصوصًا في جلسة ما قبل السينودُس التي كانوا هُم العلامة البليغة فيها. وقد كان ما أتَى بِهِ الشباب جَوهَرِيًّا، كما في قِصّة الأرغِفة والأسماك؛ فلقد تَمَكَّنَ يسوع مِن القيام بالمعجزة بِفَضلِ كَرَمِ شابٍ قَدَّمَ بسخاءٍ كًلَّ ما كانَ لَهُ (راجع يوحنا 6: 8-11).

وتَمَّ تلخيصُ جميع الإسهامات في ورقة العمل، التي شَكَّلَت أساسًا ثابتًا للمقابلات خلال أسابيع انعقاد السينودُس. بينما تَجمع هذه الوثيقة الختامية ناتج ذاك المسار وتقذفه نحو المستقبل؛ ويُعَبِّر عَن ذلك ما فَسَّره آباء السينودُس واختاروه في ضوءِ كلمة الله.

الوثيقة النِّهائِيّة لجلسات السينودُس

3. من المُهِمّ توضيح العلاقة بين ورقة العمل والوثيقة النهائية. فالأولى هي الإطار المَرجَعِيّ للوحدة والتجانُس عبرَ سنتين من الاستماع؛ والثانية هي ثمرة التمييزِ الذي تَمَّ تحقيقُهُ وتحتوي على نواة المواضيع المُتوَلِّدة التي خَصَّها آباء السينودُس بتركيزٍ قَوِيٍّ شغوف. لذا نعترف بتَمايُز وتكامُل هَذين النَصَّين.

ويَتِمُّ تقديمُ هذه الوثيقة للأبّ الأقدَس (راجع فرنسيس، وثيقة الشركة الأسقفيّة، 18؛ Istruzione، 35 §5) كما لِكُلِّ الكنيسة كَثمرةِ هذا السينودُس. بينما لَم ينتهي مسار السينودُس بعد، ومِن المُنتظر فترة التطبيق (راجع الشركة الأسقفيّة، 19-20)؛ وسوف تكون الوثيقة النهائية خريطةً لِتوجيه الخطوات القادمة المدعوةٌ إليها الكنيسة.

* في هذه الوثيقة ومرّةً بعدَ مَرّة يُفهَم من مصطلح السينودُس كامِلُ مسارِ عَمَلِ السينودُس أو الجلسة العامة المُنعَقِدة بين 3 و28 أكتوبر / تشرين الثاني 2018.

تمهيد

يسوع يمشي مع تلميذَيّ عِمّاوس

4. لقد تَعَرَّفنا في قِصّة تِلميذَيّ عِمّاوس (راجع لو 24: 13-15) على نَصٍّ نَموذَجِيّ لِفِهمِ الرسالة الكَنَسِيّة فيما يَخُصُّ الأجيال الشابّة. وهذه الصفحة تُعَبِّرُ جَيِّدًا عَمّا اختبرناه في السينودُس وما نرغب أن تعيشه جميعُ كنائِسُنا المُعيّنة فيما يتعلّق بالشباب. يمشي يسوع مع هذين التلميذين اللذين لم يفهما ما حدث له وكانا يمضيانَ مُبتَعِدانَ عَن أورشليم وعَن الجماعة. ولِكَي يُرافِقُهُما يمضي معهما على الطريق. فيسألهما ويصغي بصبر لروايتهما عن الوقائع ليساعدُهُما على التَّعَرُّف على ما يعيشانه. ثُمَّ بعاطفةٍ وطاقة يُعلِن لَهُما الكلِمة، فيقودُهُما لتفسير الأحداث التي عاشاها على ضوء الكتابات المُقَدَّسة. ويقبل دعوتهما له أن يبقى معهما بعد حلول المساء، فيدخل في لَيلِهِما. وبينما كانا يستمِعونَ لَهُ كانت قلوبهما تَتَّقِد وتستَنيرُ عُقولُهُما، وعِندَ كَسْرِ الخُبزِ انْفَتَحَت أعيُنُهُما. فقَرَّرا بأنفُسِهِما مُعاوَدة المَسير بلا إرجاء في الاتِّجاه المُعاكِس، للعودة إلى الجماعة، لَكَي يتشارَكا فيها بِخِبرة اللِقاءِ بالقائم.

واتِّساقًا مع ورقة العمل تنقَسِم الوثيقة النهائية إلى ثلاثة أجزاء مُتَعَلِّقة بهذه القِصّة مِنَ الانجيل. الجزء الأوّل عنوانه «كان يمشي معهما» (لو 24: 15) ويسعى لإلقاء الضوء على ما اعترف به آباء السينودُس عَن الإطار الخاص بالشباب، بالبُرهانِ على مواقِعِ القوّة فيه والتَّحَدِّيات التي يطرحُها. والجزء الثاني، «انفتحت أعينهما» (لو 24: 31)، لَهُ خاصِّيّة تفسيريّة ويُشَكِّل بعض مفاتيح القراءة الأساسيّة حولَ موضوع السينودُس. والجُزءُ الثالث بعنوانِ «رحلا بلا إرجاء» (لو 24: 33 [فقاما في تلك الساعة نفسها ورجعا إلى أورشليم])، تحتوي على ما تَمَّ اختياره للتَّحَوُّلِ الروحيّ والرَّعَوِيّ والإرساليّ.

الجُزء الأوّل

«كان يمشي معهما»

5. «وإذا باثنين منهم كانا ذاهبان، في ذلك اليوم نفسه، إلى قرية اسمها عِماوُس، تبعُد نحو ستّينَ غلوةً من أورشليم، وكانا يتحدثان بكل تلك الأمور التي جرت، وبينما هما يتحدثان ويتجادلان، إذ يسوعُ نفسُهُ قد دنا منهما وأخذ يسيرُ معهما» (لو 24: 13-15).

في هذا المقطع يُصوِّرُ كاتب الإنجيلِ حاجة المُسافِرَين للبحثِ عَن معنى للأحداث التي عاشاها، ويُبرِز موقف يسوع الذي يبدأ في السَيرِ معهما. يُقَرِّر القائم السَيرِ مع كل شاب، مُتَلَقِّيًا تَطَلُّعاتِهِ، حتَّى إن كانت مُخادِعة، وآمالِهِ وإن كانت غير لائقة. يسوع يمشي ويستمع ويتشارَك.

القسم الأوّل

كنيسةُ مُستَمِعة

الاستماع والرؤية المتعاطفة

قيمةُ الاستماع

6. الاستماع هو لقاءٌ حُرّ، يتطلّب تواضُعًا، وصبرًا، واستعدادًا للفهمِ، والتزامًا بصياغةٍ جديدة للأجوِبة. والاستماع يُحَوِّل قلوب من يعيشونه، خصوصًا حين يتمّ بتناغُمٍ داخِلِيّ وعذوبةٍ للروح. إذًا فهو ليس فقط تجميعًا للمعلومات، ولا استراتيجيا للوصولِ إلى هدفٍ، بل هو الهيئة التي يأتي بها الله بنفسه إلى شعبِهِ. ففي الواقع يرَى اللهُ مِحنةَ شعبِهِ ويستمع لصراخِه، ويتعَطَّف فينزِل لتحريرِهِ (راجع خر 3: 7-8). وعبر الاستماع تدخل الكنيسةُ بالتّالي في حركة الله الذي يأتي في الابنِ للقاءِ كُلِّ إنسانٍ.

الشباب يرغبون أن يُسمَعوا

7. الشباب مدعوون باستمرار للقيام باختياراتٍ تُوَجِّه وُجودَهُم؛ ويُعَبِّرونَ عَن الرغبة في أن يُستَمَعَ لَهُم، وأن يتمّ التَّعَرُّف عليهم والاعتراف بهم ومُرافَقتهم. ويختبر الكثيرون أنَّ صوتهم لا يُعَدُّ مُلفِتًا للاهتمام ولا مُفيدًا في الإطارين الكَنسِيّ والاجتماعيّ. وفي مجالاتٍ عديدة يُسَجَّلُ اهتمامٌ شحيحٌ بِصُراخِهِم، وخصوصًا الأكثر فقرًا وتَعَرُّضًا للاستغلال، وأيضًا غيابُ بالغين مُستَعِدّين وقادرين على الاستماع.

الاستماع في الكنيسة

8. لا تنقص الكنيسة مبادرات وخبرات مُشتركة يمكن للشباب أن يختبروا من خلالها ترحيبًا وإصغاءً وإسماعًا لصَوتِهِم. ويعترف السينودُس مع ذلك بأنّ الجماعة الكَنَسِيّة لا تتمكن دائمًا من إظهار موقف القائم نحو تلميذَيّ عِمّاوس، فهو قبل أن ينيرهم بالكلمة سألهم: «ما هذا الكلام الذي يدور بينكما وأنتما سائران؟» (لو 24: 17). وتغلُب أحيانًا نزعةٌ لتشكيلِ إجاباتٍ محفوظة ووصفاتٍ جاهزة، دون السماح بإبراز أسئلة الشباب في حداثتها وتَلَقّي ما تثيره.

والاستماع يسمح بتبادل العطايا في إطارٍ من التعاطُف؛ ويسمح للشباب أن يعطوا إسهامهم للجماعة، لمساعدتها على تَلَقِّ حساسِيّة جديدة وأن تطرح على نفسها أسئلة غير مسبوقة. وفي الوقت ذاته يُهَيِّئ ذلك الظروف لإعلان الإنجيل كَي يَصِل حَقًّا إلى القلب، على نحوٍ قاطع وخَصب.

استماع الرُعاة والعلمانيين المؤهلين

9. يُمَثِّل الاستماع لحظةً هامّة مِن خدمة الرُعاة، والأساقفة في المقام الأوّل، الذين يجدون أنفسهم في كثيرٍ من الأحيان مُرهَقون بالتزاماتٍ كثيرة، ويَصعُبُ عليهم إيجادُ وقتٍ لائق لهذه الخدمة التي لا غِنَى عنها. وكشف الكثيرون عَن ندرةِ أشخاصٍ خُبراء ومُكَرَّسين للمُرافَقة. والإيمان بالقيمة اللاهوتيّة والرَعَوِيّة للاستماع يفرض إعادةَ النظر لتجديد الأشكال التي تَتَّخِذُها عادةً الخدمة الكهنوتِيّة والتَّحَقُّق من أولَوِيّاتِها. وإلى جانب ذلك يعترف السينودُس بضرورة إعداد مُكَرَّسين وعلمانيّين، رجال ونساء، مؤهلين لمُرافَقة الشباب. وموهبة الاستماع التي يُقيمُها الروح القُدُس في الجماعات يُمكنُها أيضًا أن تحصُل على شَكلٍ من الاعتراف المؤَسَّسِيّ بها من أجلِ الخدمة الكَنَسِيّة.

تَنَوُّع الإطارات والثقافات

عالمٌ مُتَعَدِّد

10. أظهرَ تشكيل السينودُس نفسُهُ حضورَ وإسهامَ مُختَلَفِ مناطق العالم، مُبَرهِنًا على جمالِ كَونِ الكنيسةِ جامعة. وبالرغم من إطار العَولَمة المُتَنامي، طَلَبَ آباء السينودُس التَحَقُّق من الاختلافات الكثيرة بين الأُطُر والثقافات، حَتَّى في داخِلِ البلد الواحد. فإنّه يوجد تعدُّد في عوالِم الشباب، ولِذا في بعض البلاد يُستَخدَم مصطلح الشباب بصيغة الجمع. وأيضًا فإنَّ المجموعة العُمرِيّة (16-29) التي خَصَّها السينودُس الحالي بالاهتمام لا تُمَثِّل مجموعًا مُتَماثِلاً، بل هي مُكَوَّنةٌ من مجموعاتٍ تعيشُ كُلٌّ منها أحوالاً خاصّة بها.

وجميع تلك الاختلافات تؤَثِّرُ بِعُمقٍ على الخبرة الملموسة التي يعيشها الشباب؛ فهي تتعَلَّق بالفعل بمُختَلَفِ مراحل النمو العُمرِيّة، وَصِيَغِ الاختبار الدينيّ الشخصيّ، وبُنيان العائلة ودَورِها الخاص في نقلِ الإيمان، والعلاقات فيما بين الأجيال -كما على سبيل المثال الدور الذي يَضطَلِع بِهِ المُسِنّون والاحترام الواجب نحوهم، وأنماط المُشارَكة في الحياة الاجتماعيّة، والموقف من المستقبل، والمسألة المسكونِيّة والعلاقة بين الأديان. ويعترف السينودُس بِغِنَى الاختلافات الثقافيّة ويحتضنها ويضع نفسه في خدمة شَرِكة الروح.

تَغَيُّرات جارية

11. وتوجد أَهَمِّيّةٌ خاصة للاختلاف النسبيّ في الديناميكِيّة الديموغرافِيّة بين البلدان التي لها مُعَدَّلُ مواليدٍ مُرتَفِع، حيثُ يُمَثِّل الشباب شريحةً سُكانية ملحوظة ومُتَنامِية، وبين تلك التي يتناقَص فيها وزنُهُم. وينبُع اختلافًا آخر من التاريخ، الذي يُغَيِّر البلاد والقارات ذات التقاليد المسيحية العريقة، والتي تحمل ثقافتها ذِكرًا لا يجب إهدارُهُ، وعَن تلك التي تتميَّز بتقاليدٍ أخرى وحيث الوجود المسيحيّ فيها أقلّيّة وأحيانًا حديث العهد. وفي بقاعٍ أخرى تكون الجماعات المسيحية وشبابها مَوضِع اضطهاد.

الإقصاء والتهميش

12. وأيضًا بين الدول وفي داخل البلد الواحد اختلافاتٌ اجتماعيّة واقتصادِيّة تفصِل على نحوٍ حاد جدًّا أحيانًا بين مَن يُتاحُ لهم كَمٌّ متزايد من الفُرَص التي تُقَدِّمُها العَولَمة، وبين مَن يعيشون على هامِشِ المجتمع أو في البقاع الريفيّة ويُعانونَ من أشكالِ الإقصاء والتهميش. وأنذرت مُدخلاتٌ عديدة بضرورة اصطفاف الكنيسة بشجاعة إلى جانِبِهِم وأن تُشارِك في إنشاء بدائلٍ لإزالة الإقصاء والتهميش، عبرَ تعزيز الترحيب بهم ومُرافقتهم وإدماجهم. ولذلك من الضروريّ التَّنَبُّه لِموقف عدم الاكتراث الذي يسلكه أيضًا كثيرٌ مِنَ المسيحِيّين، كَي يَتِمُّ تخطّيهِ بالتَّعَمُّق في البُعد الاجتماعِيّ للإيمان.

رجال ونساء

13. ولا يمكن إغفال الاختلاف بين الرجال والنساء من حيث المواهب الخاصّة بكلا منهما، والحساسيّة الخاصّة من العالم واختبارات كلاهما فيه، حيث يمكن لذاك الاختلاف أن يُشَكِّل إطارًا تولَد فيه أشكالٌ للتَّسَلُّط والإقصاء والتمييز على المجتمع والكنيسة نفسها التَّحَرُّر منها.

يُقَدِّمُ الكتابُ المقدّس الرجل والمرأة كشُركاءٍ متساوين أمام الله (راجع تك 5: 2)؛ ولذا أي تَسَلُّط أو تمييز قائم على الجنس هو انتهاكٌ لكرامة الإنسان. كما يُقَدِّم الاختلاف بين الجنسين أيضًا كَسِرٍّ بَنّاءٍ للإنسان بِقَدْرِ استعصائِهِ على النَّمَطِيّة. وإنَّ العلاقة بين الرجل والمرأة تُفهَم في صيغة دعوة للعَيشِ معًا في ظِلِّ احترامٍ متبادل وحوار، في الشَرِكة والخصوبة (راجع تك 1: 27-29؛ 2:351-25) في جميعِ إطاراتِ الخبرة البشريّة؛ كحياة الزوجين والعمل والتربية وغيرها. ولقد عَهَدَ اللهُ بالأرضِ إلى تحالُفِهِما.

الاستعمار الثقافيّ

14. وأشار العديد من آباء السينودُس الآتون من إطارات غير غربيّة إلى قيام العولمة في بلادهم بِجَلبِ أشكالٍ من الاستعمار الثقافي تقتلع الشباب من الانتماءات الثقافيّة والدينيّة الذين يأتوا منها. ومن الضروريّ أن تلتزم الكنيسة بمرافقتهم خلال هذا العبور فلا تختفي آثار هَوِيَّتِهِم الثمينة.

وظهرت تفسيرات مسار العَلمَنة مُتَعَدِّدة. فبينما يعيشها بعض الأساقفة كفُرصةٍ ثمينة للتَطَهُّر من التَّدَيُّن الطبيعيّ أو ذاكَ القائم على هَوِيّةٍ عَرَقِيّة أو قوميّة، تُمَثِّلُ العَلمنة عَقَبةً أمام نقل الإيمان. وفي المجتمعات المَدَنِيّة تُناصِرُ أيضًا إعادة اكتشاف الله والروحانيّة. ويُمَثِّل ذلك حافِزًا للكنيسة لاسترجاع أهمِيّة الديناميكيّة الخاصّة بالإيمان والإعلان والمُرافَقة الرَعَوِيّة.

نظرةٌ أولَى على كنيسةِ اليَوم

الالتزام التربويّ للكنيسة

15. مناطق ليست بقليلة تلك التي يتصوَّر شبابُها الكنيسة كواقعٍ حَيَوِيّ وتَشارُكِيّ، ولها دلالة أيضًا لَدَى أقرانِهِم غير المؤمنين أو من دياناتٍ أُخرَى. فإنَّ المؤسسات التربويّة المسيحيّة تسعَى لِتَلَقِّ جميع الشباب، دون النظر لاختياراتهم الدينيّة أو الإطار الثقافيّ الذين يأتوا منه أو الأحوال الشخصيّة والعائليّة والاجتماعيّة. وهكذا تمنح الكنيسة للشباب إسهامًا أساسِيًّا للتربيّة الشاملة في أكثر مناطق العالم اختلافًا. ويتحقَّق ذلك عبر التربية في المدارس من جميع الأنظمة والمستويات ومراكز التكوين الاحترافيّ وفي الكليّات والجامعات، وأيضًا في مراكز الشباب والمعاهد؛ ويتحقق ذاك الالتزامُ أيضًا من خلال استقبال اللاجئين والمُهاجرين والنشاط المتعدد في الحقل الاجتماعيّ. وبحضورها في جميع تلك المجالات توحِّدُ الكنيسة بين العمل التربويّ والدفاع عَن حقوق الإنسان والشهادة على الإنجيل وإعلانِهِ. وحين تُستَلهَم نحو الحوار بين الثقافات والأديان، ويُقَدِّرُ غير المسيحيّين أيضًا عَملَ الكنيسة التربويّ كشكلِ أصيلٍ للدفاع عَن الإنسان.

أنشطة رعويّة الشباب

16. برزت في مسار السينودس ضرورة تأهيلٍ رَعَوِيّ الشباب فيما يتعَلَّق بالدعوات، باعتبار جميع الشباب مُستَهدَفين من خدمة تلك الرَعَوِيّة. وتمَّ التشديدُ أيضًا على ضرورة تطوير مسارات رعويّة كاملة، تحمل الأشخاص منذُ الطفولة إلى حياة البالغين وتُدمِجهم في الجماعة المسيحيّة. كما وُجِدَ أنَّ العديد من المجموعات الرعويّة والحركات والروابط الشبابيّة تُحَقِّقُ مسارًا فعّالاً لمُرافَقة الشباب وتكوينِهِم في حياة الإيمان.

اليوم العالميّ للشباب - والتي وُلِدَ بِحَدْسٍ نَبَوِيٍّ للقدّيس يوحنا بولس الثاني، الذي باتَ نقطةً مَرجَعِيّة لشباب الألف الثالث - واللقاءات المحليّة والأبرشيّة تلعب دَورًا هامًّا في حياةِ كثيرٍ من الشباب لأنّها تُتِيحُ اختبارًا حَيَوِيًّا للإيمان والشركة، ممّا يُساعِدُهُم في مواجهة تَحَدِّياتِ الحياة واتِّخاذ مواقِعِهِم بمسؤوليّة في المُجتَمع وفي الجماعة الكَنَسِيّة. وتلك التَجَمُّعات يُمكِنُها أن تُؤَدّي هكذا إلى المُرافَقة الرَعَوِيّة الطبيعيّة للجماعات، حيث ينبغي التَّعَمُّق في استقبال الإنجيل وترجمته إلى اختيارٍ حياتِيّ.

ثِقَلُ الأعمال الإداريّة

17. وأبدَى العديد من الآباء مُلاحظتهم لأنَّ ثِقَلَ الواجبات الإداريّة يمتَصُّ طاقة كثيرٍ من الرُعاة على نحوٍ مُفرَط وخانِق أحيانًا؛ ويُمَثِّل ذلك أحد الدوافع التي تُصَعِّب اللقاء مع الشباب ومُرافَقَتَهُم. وللتشديد على الأولويّة الخاصّة بالالتزامات الرَعَوِيّة والروحيّة، يُصِرُّ آباء السينودُس على ضرورة إعادة التفكيرِ في أنماطٍ ملموسة لِمُمارَسةِ الخدمة.

حالة الرعايا

18. برغم بقاء الرعيّة كالشكلِ الأوّل والأساسِيّ لكيان الكنيسة في المنطقة، أشارت أصواتٌ عديدة إلى معاناة الكنيسة لِتصبح مكانًا ذا دلالةٍ للشباب، وكيف أنّه من الضرورِيّ إعادة التفكير في الدعوة الإرسالِيّة؛ فإنَّ أَهَمّيَّتُها المُنخَفِضة في المناطق الشعبيّة، وقصور ديناميكيّة المُقتَرَحات، بالإضافة إلى التَّغَيُّرات المكانيّة-الزمانيّة لأنماط الحياة، جميعُها تستدعي التطوير. وبالرغم من تعدُّد محاولات التطوير، فكثيرًا ما يَصُبُّ نهر الحياة الشبابيّة إلى هامش الجماعة، دون لقائها.

الإدخال إلى الحياة المسيحيّة

19. وأشار الكثيرون إلى أنَّ مسارات الإدخال المسيحيّ لا تنجح دائمًا في تقديم الشباب والمُراهقين إلى جمال خبرة الإيمان. فحين تتأسَّس الجماعة كمكانٍ للشَرِكة وعائلةٍ حَقّة لأبناء الله، فإنّها تُعَبِّرُ عَن قوّةٍ مُوَلِّدة تنقل الإيمان؛ أمّا حين تُترَك لثقافة التفويض ويسود فيها التنظيم البيروقراطي، يُفهم الإدخال المسيحيّ كدورة تعليميّة دينيّة تنتهي غالبًا بِسِرِّ التثبيت. لذا مِن المُلِحّ إعادة النظر في صياغة الكرازة والرابط بين نقل الإيمان في العائلة وعبر الجماعة، استنادًا على مسارات المُرافَقة الشخصيّة.

تكوين الإكليريكيّين والمُكَرَّسين

20. الإكليريكيّات ودور التكوين هي أماكنٌ ذات أهميّة كبيرة يتعمّق فيها الشباب المدعو للكهنوت والحياة المُكَرَّسة في اختيارهم الشخصيّ للدعوة وينضجون في سياقها. وأحيانًا لا تولي تلك الأماكن الاعتبار اللازم للخبرات السابقة للمُرَشَّحين، ويتمُّ الاستخفافُ بأهميّتِها. وذلك يعوق نمو الشخص و يُعَدُّ مُخاطَرة بالتسبُّب في اتِّخاذِ سلوكيّاتٍ رسميّة بحتة، بدلاً من تنمية عطايا الله وتَوبة القلب عميقًا.