موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأحد، ٢٧ يناير / كانون الثاني ٢٠١٣
قراءة في «مَنجاة الأمّة: مقالات مختارة» للحسن بن طلال

يوسف عبدالله محمود :

نقلا عن الراي الاردنية

«القدرة على تعقل الأشياء، لا تنمو وتنضج بمعزل عن القيم الإنسانية» (الحسن بن طلال)

سموّ الأمير الحسن بن طلال واحد من أبرز المثقفين والمفكرين العالميين المعاصرين. يُشهد له عربيًا وعالميًا بالعلم الغزير والعمق المعرفي والثقافي. يقرأ الواقع العربي والعالمي بذكاء لماّح، مستكشفًا ومستبصرًا. «الهاجس» الذي يشغله على الدوام «أمن وسلامة العالم».
متى يمتلك قادته ورموزه السياسية وذوو «الرأي» والفكر فيه، الفكر الناقد» الذي يضيء لهم معالم الطريق، فلا يستهويهم «غرور العظمة»، فيخرجهم عن «الوقار» ولا «بريق السلطة»، فيمارسوها استبدادًا وتغوّلاً، وكأنها «مغنم» من المغانم أُحِلَّ لهم، لا مسؤولية إنسانيـــة ووطنية سَيُسألون عنـها يومًا أمام الله - سبحانه-، ولا «جاهًا» زائفًا يتباهون به، بينما شعوبهم تئن تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان!

وأعترف هنا أن كتابات وحوارات الحسن بن طلال تشدُّني إليها «بمفرداتها الممتلئة» وأناقة لغتها والتي إذا ما تناولت همًا عربيًا أو عالميًا، تناولته بعمق واستنارة وتفحُّص. تقرأ «التاريخ» بتجاربه الماضية والمعاصرة. تستلهم منها «رؤى إنسانية»، تطرحها بشفافية ومصداقية وُصولاً إلى مستقبل إنساني واعد، هو بحق «مطمح» كل إنسان على أرض هذا الكوكب.

قبل فترة وجيزة، اختار «منتدى الفكر العربي» بعمّان مجموعة من مقالات الحسن بن طلال التي نُشرت له في صُحف عربية وعالمية مرموقة، ومن ثم تناولتها وسائل إعلامية مختلفة، هُنا وهناك ؛ فقام مشكورًا بنشرها في كتاب حمل عنوان إحدى مقالات الكاتب، فكان الاختيار «منجاة الأمّة».

تذرع صفحات الكتاب فتقع على «رؤىً تستشرف المستقبل العربي دون أن تقللُ من الأخطار التي تهدد هذا «المستقبل»، إذا لم ينتبه إليه الحُكام العرب فينأوا بشعوبهم عنها، لا بالخطب والشعارات فحسب، بل بالفعل والممارسة.

في إحدى مقالات الكتاب يتطرق الأمير الحسن بن طلال، إلى ما وُصف «بالربيع العربي» فيدعو إلى تبني «ميثاق» يحميه من العثار. ميثاق أو وثيقة تصون وتحمي مطالب من أوصلوا شعوبهم إلى مرحلة تاريخية جديدة، وأعني الثوار والحراكيين الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم وهم يفتحون «كوّة نور بدّدت ظُلمة الاستبداد». ما يخشاه سموّه على هذا «الربيع العربي» هو ما يخشاه كل مواطن غيور على صالح هذه الأُمة التي تواجه تحدّيات خارجية تريدها أن تظل حبيسة «التخلّف»، لا تخرج من «عنق الزجاجة»!

«إنّ المراقب الحَصيف لما تمرُّ به بلادنا العربية ليدرك أننا ما زلنا في بداية الطريق، وأن ربيعنا العربيّ لم تتفتح براعمه بعد، وما هو إلاّ بداية فجرٍ جديد، وأننا بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى استشراف المستقبل بموضوعية وجرأة.» (المرجع السابق ص24)

هذه «الموضوعية» هي التي ما زلنا كعرب نفتقرُ إليها. نُراوغ في التعامل معها! ننظُر لها دون أن نُقاربها في تصرفاتنا وعلاقاتنا العربية العربية، تحكمنا أو تحكم الكثيرين منا - مسؤولين وغير مسؤولين- «العاطفة» أكثر من «العقلانية».

والريبة أكثر من الثقة تغيب عنّا «المواطنية»، وتشدنا إليها «القطريّة» التي لا ترى غير نفسها! كم عانينا من هذه «القُطريّة» وما زلنا نعاني. إنها - وكما أرى - هي المُبدّده لأحلامنا وأمانينا العربية، في بناء التضامن العربي، الذي بات - مع الأسف- الحديث عنه مجرد «شقشقة» لسان! باتت طموحاتنا القومية نحوه مُجرْد تمنيات..!

في مقالات الحسن بن طلال إشارات إلى أمراض عربية تعاني منها البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي أمراض وعلل لن تزول إلا إذا خلصت لدينا النوايا، وباتت إنسانية المواطن العربي في كل قطر من أقطارنا العربية والإسلامية هي هاجس الحُكام والمسؤولين. حتى الآن - مع الأسف الشديد - ما زالت هذه «الإنسانية» «مُضارَة» في كثير من بلداننا. تُنتهك قدسيتها، يُنالُ من عِفتها! ما زلنا نفتقر «إلى التوافق العربي الرسمي على الحدود الدنيا من الجوامع.»

ما زال الإنسان العربي مُهمّشًا، مُستصغَرَ الشأن، غير متاح له إلى يومنا هذا أن يلعب دورًا فاعلاُ في «صياغة المستقبل العربي». لَعبُ هذا «الدور» من «المحرّمات»! ما أكثر مُحرّماتنا العربية!

وبعد أعترف إنني في هذا المقال القصير، لا أستطيع أن أُعرّج على كل محاور الكتاب، فهي تستحق وقفة أطول.

فالقضايا التي تناولها الحسن بن طلال هي قضايا عربية وإنسانية مُلِحّة، طالما تحدّث عنها في حواراته العربيّة والعالميّة، وحّذرّ من تجاهلها. إنها القضايا التي إن لم تنمّ معالجتها بشفافية وإنسانية، فلن ينعم عالمنا بالسلام والأمن المنشودين.

سيظلّ عالمًا يعيشُ على حَدّ السيف! وما أمرَّ حياةً تُعاشُ على حدّ السيف! ما أمرَّ حياةً يفتقرُ فيها الإنسان، أينما كان، إلى التمتع بقيم النُبل الإنساني، إلى أن نُلبي احتياجاته الأساسية التي ترفع عنه العوز والذلّ!.