موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢
في عيد ميلاد رسول السلام والمحبة... ما أحوج العالم الى السلام والمحبة

راجح أبو عصب :

نقلاً عن جريدة القدس الفلسطينية

يحتفل المسيحيون من الطوائف الغربية في فلسطين وشتى اقطار العالم هذه الايام بعيد الميلاد المجيد وعيد رأس السنة الميلادية , ولهذين العيدين في فلسطين مكانة خاصة , ذلك ان فلسطين هي مهد السيد المسيح , رسول المحبة والسلام . ففي بيت لحم ولد , وفي القدس والناصرة نشأ وترعرع وبشر برسالته وعلم تلاميذه الذين حملوا رسالته من بعده وبشروا بها ونشروها في كافة ارجاء العالم , حيث ان الديانة المسيحية تشكل ديانة اغلبية سكان هذه المعمورة .

والمسيح - عليه السلام – رسول المحبة والسلام , ولذا فان هذه الارض المقدسة التي فيها ولد وشب وبشر برسالته هي ارض المحبة والسلام . فافئدة المسيحيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم واعراقهم في العالم كافة تهفو الى هذه الديار المقدسة وتسعى الى زيارتها والتبرك بها , وزيارة كنيسة المهد في بيت لحم و حيث مذود السيد المسيح – عليه السلام – وزيارة كنيسة القيامة , قبر السيد المسيح واضاءة الشموع فيها والصلاة والدعاء فيها الى الله العلي القدير ’ والسير في درب الآلام والمراحل الست عشرة لدرب الصليب ’ من المدرسة العمرية في حي الواد الى طريق الالام ثم الى حارة النصارى انتهاء بكنيسة القيامة , وذلك ترسما لآلام السيد المسيح الذي سار في هذه الطريق , حاملا صليبه يعاني من الآلام والعذاب.

في كنيسة المهد في بيت لحم وضعت مريم عليها السلام السيد المسيح , وعند ذاك ذهب الملاك الى الرعاة في البرية يبشرهم بميلاد رسول المحبة والسلام , ويبشرهم ايضا بنشيد الفرح , نشيد الميلاد المجيد , الذي تردده حناجر الملايين من المسيحيين في أقطار المسكونة كل عام في مثل هذه الايام : " المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام , وبالناس المسرة " . ولذا يعتبر عيد الميلاد المجيد ثاني اهم الاعياد المسيحية بعد عيد القيامة .

وعيد الميلاد المجيد ليس عيدا خاصا بالاخوة المسيحيين , بل هو عيد وطني فلسطيني , لان الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه اخوة , آلامهم وآمالهم واحدة , ومشاعرهم وافراحهم واحدة , ولذلك فان القيادة الفلسطينية , وتجسيدا لهذه الاخوة بين ابناء الشعب الواحد , جعلت من عيد الميلاد عيدا وطنيا فلسطينيا تعطل فيه كافة الدوائر الرسمية والخاصة والمحلية , وذلك لاننا في هذه الارض المقدسة كلنا مؤمنون بالله الواحد وبالرسالات السماوية كافة .

والرئيس محمود عباس بصفته قائدا لهذا الشعب الفلسطيني , فانه يحرص كل عام على حضور احتفالات عيد الميلاد المجيد , ليشارك أبناءه المسيحيين احتفالاتهم بليلة عيد الميلاد المجيد في كنيسة المهد ., ويصحبه في ذلك كبار المسؤولين , حيث يقدم الرئيس التهاني شخصيا لبطريرك اللاتين وكبار معاونيه , وكذلك يفعل خلال احتفالات الطوائف الشرقية بعيد الميلاد المجيد .

وفي ذات الوقت فان قناة فلسطين الفضائية تقوم بنقل احتفالات ليلة عيد الميلاد المجيد ببث مباشر من كنيسة المهد الى كافة انحاء العالم , ليشاهد المسيحيون في اقطار العالم كافة هذه الاحتفالات الرائعة بعيد الميلاد المجيد .

كما ان شجرة عيد الميلاد المجيد تضاء في العديد من مدن الضفة الغربية ,خاصة في مدينة بيت لحم , وذلك تعبيرا عن البهجة والسعادة الغامرة في هذا العيد المبارك , وللتأكيد على ان الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين يتشاركون في افراحهم وأعيادهم , كما يتشاركون في أحزانهم وآلامهم .

ان احتفالات الفلسطينيين بعيد الميلاد المجيد تؤكد العمق الحضاري لهذا الشعب الفلسطيني العظيم , والذي اختار الله أرضه لتكون من الديانات السماوية الثلاث , ولذا فان هذا الشعب الذي اختاره الله سادنا لهذه الارض المقدسة المباركة , هو اكثر شعوب الارض توقا للسلام والمحبة والاخاء والتعاون والتسامح , لآن رسالتي الاسلام والمسيحية رسالتا محبة وسلام واخاء وتعاون , وبعد عن التعصب والطائفية والعنصرية البغيضة . فمن هذه الارض المباركة , ومن بيت لحم بالذات بزغ نجم المسيح عليه السلام .

ان المسيح عليه السلام جسد في دعوته روح السلام والمحبة , ولهذا فان طفل المذود – عليه السلام – ألا نتغنى بالسلام بل نصنع السلام ’ حيث قال : " طوبى لصانعي السلام , لانهم ابناء الله يدعون ". وانه مما يملأ النفوس حزنا وحسرة , رغم الفرحة بعيد الميلاد المجيد , ان ارض السلام ما زالت ظمآى للسلام , حيث ما زال هذا السلام الذي ينشده الجميع بعيدا بعيدا , رغم دعوات كل المخلصين للسلام والمحبين له , وما زالت الارض المقدسة تفتقد المحبة والمسرة , اللتين هما رسالة الميلاد المجيد .

ويجيء عيد الميلاد هذا العام بنكهة ومذاق خاصين , حيث يحتفي شعبنا هذه الايام بميلادين جديدين : ميلاد السيد المسيح – عليه السلام – وميلاد الدولة الفلسطينية , حيث أصبحت فلسطين دولة بصفة مراقب في الامم المتحدة , وهذا انجاز كبير , جاء ثمرة جهود شاقة وموصولة من الرئيس محمود عباس , الذي أصر على التوجه للامم المتحدة شخصيا حيث قدم طلب عضوية فلسطين في المنظمة الدولية الى امينها العام " بان كي مون " , والقى خطابا بعد تقديم الطلب جاء معبرا عن طموحات واماني الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967. وناشد الرئيس ابو مازن في خطابه التاريخي ذاك قادة وزعماء دول العالم المساعدة على انهاء معاناة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ اكثر من ستة عقود , ودعاهم الى التعاون من اجل احلال السلام في أرض السلام وفي مهد الديانات السماوية الثلاث , وأكد صدق التوجه الفلسطيني نحو السلام العادل والشامل , ولانه خاطب العقول والعواطف معا , فقد قوبل خطابه بعاصفة مدوية من التصفيق , وكان ان صوت اغلبية اعضاء الامم المتحدة الى جانب الطلب الفلسطيني .

ويجيء عيد الميلاد المجيد هذا العام , والعالم ابعد ما يكون عن السلام , فالصراعات الدموية والنزاعات والحروب الاهلية تجتاح العديد من دول العالم , خاصة في المنطقة العربية . فسوريا ما زالت تعيش منذ أكثر من عشرين شهرا حربا أهلية مدمرة حصدت ارواح عشرات الالاف وجرحت كذلك الالاف ’ هذا عن المهجرين داخل سوريا وخارجها , وقد تحول هذا الصراع الى نزاع طائفي , يهدد بتمزيق نسيج المجتمع السوري , وهناك متطرفون يدعون انهم اسلاميون يرتكبون المجازر ضد الاقليات , خاصة الطائفة المسيحية , علما أن كنائس سوريا من اقدم كنائس العالم , والوجود المسيحي السوري يعود الى ازمان سحيقة بعيدة , وكذلك تعيش ليبيا وتونس والبحرين ومصر حالة من عدم الاستقرار , ونحن الشعب الفلسطيني انطلاقا من شعورنا بوحدة المصير , فاننا ندعو الله - سبحانه وتعالى - ان يسود السلام والوئام والمحبة بين الاشقاء والعرب , خاصة في سورية .

ونحن –الفلسطينيين - ندعو مع البابا بندكتس السادس عشر : " فليتم السلام من اجل الشعب السوري الجريح والمنقسم على نفسه , بسبب نزاع لم ينج منه حتى العزل ويحصد الضحايا الابرياء " كما اننا مع النداء الذي وجهه في خلال اعطاء بركته , بمناسبة يوم الميلاد وذلك يوم الثلاثاء الماضي , ذلك النداء الذي وجهه من اجل وقف اراقة الدماء وتسهيل اغاثة النازحين واللاجئين في سوريا والبحث عن حل سياسي للنزاع من خلال الحوار " ذلك ان الحرب كما قال , والقضاء على ارواح بشرية وتدمير بنى تحتية لا يأتي بالحل الفعلي ".

وبالنسبة لنا نحن - الشعب الفلسطيني – فاننا نرحب بنداء البابا بندكتوس السادس عشر في بركته , الذي وجهه الى الفلسطينيين والاسرائيليين لكي يسلكوا بتصميم طريق المفاوضات , كما نرحب بنداء المطران فؤاد الطوال بطريرك اللاتين في القدس من اجل العمل على ارساء السلام في منطقة الشرق الاوسط , ونؤيد كل ما قاله البطريرك الطوال في ندائه الذي وجهه من كنيسة مهد السيد المسيح عليه السلام والذي قال فيه: من هذا المكان المقدس ادعوكم الى مشروع مصالحة تشمل وطننا فلسطين وارضنا المقدسة وشرقنا الاوسط بكل بلداته " .

وقد اكدت القيادة الفلسطينية انها ترحب بنداءات السلام , خاصة وان شعبنا الفلسطيني اكثر شعوب الارض تعطشا لهذا السلام الذي حرم من سنوات طويلة , كما ان الرئيس عباس اكد وما زال يؤكد استعداده للعودة الى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة , شريطة تحديد موعد زمني لها , وشريطة الالتزام بمرجعيات واتفاقات وتفاهمات السلام .

ان الارض المقدسة التي تهفو اليها قلوب المؤمنين في كل انحاء العالم , تستحق من قادة وزعماء العالم , وخاصة الدول الكبرى , وفي مقدمتها الولايات المتحدة ان يسعوا بجد من اجل احقاق السلام الذي تفتقده ارض السلام والمحبة.

اننا نصلي من اجل ان يسود السلام ربوع بلادنا وكذلك العالم أجمع , وان تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة , وان تكون القدس الشرقية عاصمة هذه الدولة, وستكون مدينة مفتوحة امام اتباع جميع الديانات , يمارسون فيها شعائرهم الدينية ويصلون اليها بكل راحة وحرية . وان يتمكن الجميع من الوصول الى الاماكن المقدسة بيسر وسهولة ودون حواجز ودون تصاريح .

واننا اذ نهنىء الاشقاء المسيحيين من ابناء الوطن بعيد الميلاد المجيد وعيد رأس السنة , لنضرع الى الله العلي القدير ان يعيد علينا هذا العيد , عيد الميلاد المجيد وكذا عيد رأس السنة وقد تحقق السلام في ارض السلام وان يتمكن الجميع من حرية الوصول الى بيت لحم والقدس من الاخوة المسيحيين في الضفة الغربية , وقطاع غزة , وننتهز مناسبة هذه الاعياد المباركة لنهنىء مسيحيي فلسطين والعالم كله مرددين معهم ترنيمة عيد الميلاد المجيد «المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام , وفي الناس المسرة».

وكل عام والجميع بخير والله الموفق.