موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٢٧ مايو / أيار ٢٠١٩
في الغربة: احتدام الخلاف والعنف الأسري والطلاق

فانكوفر – نبيل جميل سليمان :

أضحت الخلافات الزوجية والعنف الأسري وحالات الإنفصال والطلاق اليوم واقعاً مؤلماً في داخل الوطن وخارجه وبلغت أرقاماً عالية تجاوزت الثلاثون في المائة في المجتمعات العربية المتواجدة في بلاد الإنتشار. وهذه النسبة مقلقة وتشير إلى تفكك أسري يذهب ضحيته الأطفال أولاً وأخيراً، بعد أن إزدادت في الآونة الأخيرة هجرة ملايين من العراقيين والسوريين وغيرهما، وإن تعددت أسباب إغترابهم. فالغربة تفرض حقيقتها عليهم وإنسحبت على حياتهم وإستقرارهم، وأحدثت فجوة كبيرة بين ما عاشوه في بلادهم وبين واقعهم الحالي.

وهذه الهوّة بين الحياتين، وتغيير البيئة وضمور العلاقات والألفة الأجتماعية، ورجحان التعامل المادي على المشاعر، فضلاً عن متغيرات أخرى في غاية الأهمية تتعلق بالمرأة. خاصة مساندة القوانين لها ووجود منظمات تعنى بشؤون المرأة، وخروجها للعمل وإستقلالها الأقتصادي. وما تلعبه المدارس إن كانت للأبناء أو لذويهم من دور بارز في كشف العديد من مظاهر العنف الأسري. وسهولة تحقيق الرغبات ومغريات الحياة الكثيرة؛ وتقليد لبعض من سلوكيات ومواقف المجتمع الغربي ... هذه وغيرها الكثير من اللمحات المشجعة أدت وتؤدي إلى النفور العاطفي بين الزوجين. بل وما يزيد من تفاقمه هو عدم وجود من يسعى للخير كي يصلح بينهما من الأهل والأقرباء، أو هناك مَن يتدخل ليزيد الطين بَلّة! فتتصاعد وتيرة المشاكل لتصل إلى طريق مسدود يؤججها الواقع المعيشي المتواضع وحالة العوز الدائم لأن المغترب يعيش عيشة الكفاف في بلد الأغتراب.

وبحسب علاقاتنا الكثيرة وإتصالاتنا المتعددة وما يصلنا من حالات، وأيضاً ما تؤكده تجارب جاليتنا العربية في عدد من بلدان الإغتراب بأن حالات الإنفصال أو الطلاق في أغلب الأحيان يكون الرجل السبب الأول فيها لتأثره المتسارع بالإنفتاح الحضاري والحرية والتمسك بسلبيات مجتمعه الجديد. لذا تراه يدمن على الملذات والعديد من السلوكيات السيئة وبعلاقات غير مشروعة على حساب أسرته، ومن ثم التخلي عن إلتزاماته الزوجية مما يؤدي إلى نفور الزوجة بمرور الوقت. فتستحيل الحياة بينهما وتضطر الزوجة اللجوء إلى القانون لحمايتها وحماية أطفالها من هكذا زوج غير ملتزم عائلياً ودينياً وبالنتيجة يكون الحل هو الطلاق. وبالمقابل لا نستثني المرأة من تجاوزاتها اللامسؤولة أيضاً وإنصياعها لمغريات ما يعرضه القانون الغربي من تضامن كامل وضمان كافة الحقوق لها. فتكفي مكالمة هاتفية لطلب المساعدة من الشرطة، بطرد الزوج من البيت خلال أقل من نصف ساعة! لذا ففي أحيان كثيرة يتم إستغلال القانون من قبل بعض الزوجات اللائي لم تعد تروق لهن سيطرة الزوج ونفوذه على حياتهن، سيما حريتها الشخصية والمادية. وما يجره المجتمع الغربي من تحرر على حساب مسؤولياتهن الزوجية، وشعورهن بالإستقلالية وعدم حاجتهن للزوج في حياتهن. مما يؤدي إلى نتائج كارثية نهايتها القتل لأزواج غاضبون من تصرفات وسوء معاملة زوجاتهن وطلبهن الطلاق بقوة القانون والإستحواذ على حضانة الأطفال.

ومن خلال نظرتنا للأمور وما تعيشه غالبية العوائل العربية في الغربة، تبرز ثلاث أنماط أجتماعية فيها:

1- يتمثل في السيطرة الأبوية التامة: وهذا ما نراه في محاولة الزوج لخلق مجتمع مشابه لمجتمع بلاده الأصلي والأستمرار بهذا النمط دون الإنتباه لطبيعة المجتمع الجديد والقوانين التي تعطي الجميع حق المشاركة في بناء العائلة، بالمقابل نرى إنحسار دور الزوجة والأبناء، بالرضوخ والقبول بكل سلبيات الزوج.

2- أما النمط الثاني فيتمثل بصعوبة التأقلم والإندماج في المجتمع الغربي: وخاصة صعوبة إتقان اللغة وعدم توفر فرص العمل المناسبة، مما يبرز دور العامل الأقتصادي المهم والرئيسي في حصول الطلاق. وبالأخص الحالة النفسية المتأزمة للزوج نتيجة تواجده الدائم في المنزل بلا عمل ما يؤثر سلباً على وضعه النفسي وعلاقته بزوجته.

3- اما النمط الثالث ففيه يتقبل الزوجين الوضع الجديد ويتكيفون معه بشكل إيجابي يضيف لخبرتهم وثقافتهم الجيد والنافع.

وبما أن العادات والتقاليد في المجتمع الغربي تختلف عما في الوطن، لذا نرى بأن المرأة الشرقية الضعيفة تتقوى في ظل الدعم القانوني لها، وتصبح موضع قوة مع ضعف الرجل في التحكم فيها. الأمر الذي يدفع باللواتي كنَّ يعانين الظلم أو الإستبداد، إلى الخروج من لباس الخوف وطلب الإنفصال أو الطلاق. ربما قد تكون بعض حالات الطلاق إنسانية، أو كردّة فعل على تراكمات سابقة، أو صرخة في وجه تقاليد بالية كبّلت المرأة في المجتمع الشرقي عموماً، أو هي محاولة للتخلص من عنف وسيطرة الرجل عانتهما في مجتمعها الرافض لحرية المرأة، أو هناك حالات قد تتبع لمزاج الزوجين وأنانية وتعند أحدهما ... إلا أن المرأة في الوطن لا تجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوات التي تؤثر في حياتها كاملة، لأنها قد تُحرم من أولادها، وتصبح عالة على أسرتها التي ربما لا تتمكن من حمل أعبائها. بالإضافة إلى تأثير السمعة، حيث إن أسم "مطلقة" غير محبب وصفة معيبة ..! وكل هذا يدلُّ على أن الطلاق ليس وليد اللحظة، بل هو تراكمات الماضي لعدم التوافق والتفاهم كنتاج لزواج تقليدي أو لسوء الأختيار. لذا تسعى المرأة لنيل حريتها، لما تحمله من عبء زواج ليست راضية عنه، بعدما تهيأت الظروف المساعدة للإنفصال، وخاصة إنها ستكون الحاضنة الأولى لأولادها.

تقول الدراسات: "بأن الخلافات بين الأزواج مفيدة للصحة، والنقاش والجدال وحتى الشجار".. وهذا يعني أن العلاقة بين الزوجين مازالت حيّة، ومازالت هناك رغبة في التعايش والأستمرار. فالشجار رغم بشاعته، يمكنه أن يحل المشاكل وينظف الأجواء العائلية، إذ فيه متنفساً للتوتر والضغوطات. ولكن عندما يتحول الشجار إلى خصام وتسود "لغة الصمت" بين الزوجين وتطول مدتها، ينتقل الحال من الغضب إلى الحزن ثم يتطور ليكشف كل من الزوجين عن مساوئ الآخر. فتتولد مشاعر سلبية بعيدة عن أصل المشكلة، وتتسع الفجوة بينهما، ويتحول الغضب إلى حقد، وينتهي بقطيعة تسد الأبواب. فالمعاملة الصامتة - أو القطيعة - هي أقسى أنواع الحالات التي تمر على الزوجين. فالشخص الذي يمتنع عن الكلام يكون غاضباً ومتكبراً، أما الشخص الذي يتلقى المعاملة الصامتة فهو "معاقب" من الطرف الأول، مما يشعره بالإحباط والذل. فالعديد من الأزواج لا يعرف الطرق المثلى للصلح والمسامحة، والبعض منهم يعرف ولكنه يكابر ويعاند. مما يدفع أحد الطرفين بالإعتقاد أن الآخر هو المخطئ، وأن عليه هو أن يقدم الأعتذار أولاً، وبالتالي يؤخر عملية الصلح، فتتضخم المشكلة ويطول الخصام وتستمر القطيعة. فأغلب المشاكل تبدأ بسيطة تافهة ثم - إن تركت - تتضخم لتسبب ألماً كبيراً. لهذا ننصح بأن لا تطول مدة الخصام، فكلما طالت صعب الصلح، ونعطي دائماً للحب فرصة، ونترك الباب موارباً للحوار والنقاش في جو يسوده التفاهم، بشرط أن لا يتجاوز باب منزل الزوجين، وكلامي هذا من واقع تجربة، فكل نقاش وحوار يخرج عن حدود منزل الزوجية لن يجد الحل أبداً، بل يزداد سوءاً وتعقيداً.

وأخيراً لا ننسى بأن الخلافات الزوجية هي "ملح الحياة".. حيث يقول عالم النفس السويسري بول تورنيير: "أن لدى كل زوجين مشكلات وهذا شيء حسن، فالذين يبدون أنهم أكثر الناس نجاحاً في الزواج هم أولئك الذين تعاملوا مع مشكلاتهم سوياً وتخطوها". فبات من البديهي معالجة الخلافات الناشئة في الأسرة بشيء من الوعي والعقلانية والهدوء والإنصات إلى الآخر، وهذا ما يعرف بـ "التوافق مع الأزمة" .. فالعلاقة الزوجية الناجحة هي عندما يتغافى الزوجين عن الهفوات ويتجاوزا الألم بأعتذار، بأبتسامة، بلمسة حانية، بباقة ورد، بضمة قلب وقبلة في الجبين.