موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٤ يوليو / تموز ٢٠١٩
في الثقافة الإعلامية والتربية الإعلامية

ذوقان عبيدات :

بدأت حملة الاهتمام بالإعلام تحقق ثمارها. فقد شكلت الحكومة لجنة للتربية الإعلامية – بعد سلسلة من المقالات الصحفية – كما صرنا نشهد ندوات تلفزيونية عن الموضوع آخرها الندوة التي تألقت فيها بيان التل في قناة رؤيا. كما لاحظت اتصالات بين معهد الإعلام والمركز الوطني للمناهج بشأن الموضوع. وبحدود علمي يتبنى المركز الوطني للمناهج فكرة المفاهيم العابرة للمواد الدراسية، وهي مجموعة من المفاهيم والمهارات والاتجاهات التي يفترض ان تنتشر عبر جميع المواد. وكانت مفاهيم البروتوكول والتفكير الناقد وحقوق الانسان وفلسطين والتربية الاعلامية والقانونية والبيئية أبرز هذه المفاهيم، ومع اعتقادي بأن المسؤولين، في المناهج لن يتمكنوا من قيادة مثل هذا العمل المهم من الناحية الفنية وناحية الرغبة إلا أن موضوع الإعلام يستحق المثابرة والإصرار.

(1) الثقافة الإعلامية

يقصد بها مجموعة المعارف والحقائق ذات الصلة بالإعلام مثل: مفاهيم الخبر والتحرير والنشر والتوزيع ومفاهيم الإعلان والدعاية والإرسال والاستقبال والإشاعة وغسل الدماغ وغيرها. ولذلك يجب أن يمتلك كل طالب مثل هذه المفاهيم، ويكون ملما بها كي يعي ما يدور حوله. كما تشمل الثقافة الإعلامية معلومات عن أهمية الإعلام ودوره. ومتطلبات قيامه بالدور الإيجابي ومعلومات عن خصائص الإعلامي وكفاياته وبرامج تدريبه، وبالأدوات الإعلامية المختلفة عبر تطورها الزمني.

هذه الثقافة قد تكون مهمة لكنها لا تحتل أولوية في خطط التعليم ومناهجه. بل وعلينا أن نحرص على إبعادها عن المنهج وعن المدارس. ويكفي أن نقول أن مناهجنا مليئة بالفكر النظري والمعلومات المتنوعة. ولذلك يجب أن نغلق الباب أمام دخولها إلى مناهج التعليم!!.

لكن غيابها يجب أن لا يبعدنا عن مفهوم التربية الإعلامية، وهي بناء مهارات واتجاهات وقيم إعلامية. ومرة أخرى، تجيب الثقافة الإعلامية عن اسئلة: ماذا؟ من؟ أين؟ متى؟ وهذا تمامًا ما يفعله التعليم فالتعليم ينقل الأخبار: أخبار الناس والأحداث السابقة والمعلومات والحقائق، كما ينقل إشاعات وروايات وأخبارا عديدة فالتعليم يغطي الإعلام ويغطي الثقافة الإعلامية:

المعلم هو المذيع ومقدم النشرة والمعلومات. وواضع المناهج هو المخرج الذي يرتب الأدوار. والكتاب هو الرسالة التي أعدّها المؤلف. والصف هو المسرح الذي تجري عليه الأحداث. واللوح هو الهارد ديسك والبور بوينت. والطالب هو الهدف المستهدف والمستمع الكريم والمشاهد الدايم!! وذاكرته هي ال USB. والأهل والمجتمع هم شهود الزور.

هذا هو مكان التقاء الساكنين: التعليم والإعلام ومن يخرج عن هذا المسرح مثل الطالب الذي سأل سؤالا او شك في معلومة أو أراد برهانا على مزاعم معلم يعتبر خارج المسرح تماما مثله كمثل إعلامي كشف سرا أو توصل الى سبب أو غرض كلاهما مرفوض. فالثقافة الاعلامية هي ركود، قد يكون بعضه هدوءا وكثيره لغو وحشو لا قيمة له، تماما كمعظم المنهاج ومسرحياته.

فإذا أردنا ثقافة اعلامية، فهي موجودة بغزارة كما أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، فما في السوق من معلومات يكفي تماما!! أما إذا اردنا تربية إعلامية فهذا أمر آخر مختلف جداً.

(2) التربية الإعلامية

لمعرفة التربية الإعلامية، علينا أن نوضح أولا ما ليس بتربية إعلامية.

ليس بتربية إعلامية أي مادة دراسية توضع في كتاب مقرر للطلاب، وليس بتربية إعلامية أي موضوعات معنونة عن الإعلام مثل: أهمية الإعلام فوائده أنواعه. الخ.

وليس بتربية إعلامية كل عملية تتم بالتلقين ويطلب حفظها والامتحان فيها!. وليس بتربية إعلامية تلك التي يطالب بها بعض رجال الإعلام فما التربية الاعلامية إذن؟

إنها كيف تعد رسالتك وفق هدفك. وكيف توصل رسالتك وكيف تجذب الآخر لرسالتك، وكيف تدرك أن رسالتك مجرد رسالة وليست أوامر ونصائح وتوجيهات واستعلاء على جمهورك.

إنها كيف تدرب قدراتك على الاستماع إلى رسائل الآخرين والتفاعل معها بعد فهمها وتمحيصها.

إنها مهارتك لقراءة ما بين سطور الرسالة الإعلامية. فالوعي هو أنك تدرك ما لا تقوله الرسالة وما تخفيه وما مبررات ذلك وأن تعي من أعد الرسالة وما نواياه وما قيمه، وما تسريباته.

إنها مهارتك في أن تكون صادقا وأن تنسجم كلماتك مع لغة جسدك، فلغة الجسد هي الأكثر صدقا وهي الأكثر ما يصل إلى الطرف الآخر.

إنها مهارتك في أن تستمع جيدا وتسجل ملاحظات عما تسمع، أن تشاهد وأن لا تبدي ردود فعل آنية تعتذر عنها بعد لحظة.

إنها مهارتك في الاستماع الى آخر الرسالة فآخر الرسالة مهمة كعنوانها، والرسالة لا تقرأ من عنوانها!!

إنها مهارتك في إعطاء لنفسك فرصة التحقق من صدق ما ترى وما تسمع وحتى ما تشارك فيه فلا تقبل فرضية دون اثبات ولا مسلمة دون فحص ولا خبرا دون تأمل.

إنها مهارتك في أن تقول الحقيقة – لا بهدف اقناع الآخر – بل لتقدم له نموذجا أخلاقيا في التفاعل والحوار والرأي والرأي المختلف.

إنها مهارتك في الحوار لا في التلقين، مهارتك في كسب احترام الجمهور قبل كسب تأييده.

إنها مهارتك في احترام ذاتك قبل احترام جمهورك فاحترام الذات يقودك الى الجمهور.

إنها مهارتك في تطوير رسالتك بطريقة ابداعية تقوم على الحفز وعلى نفي افتراضاتك وافتراضات الجمهور، بل وعكسها وتشويهها بحثًا عن حقيقة ضائعة.

إنها مهارتك في أن تقف على مسافة واحدة من فئات المشاهدين دون تحيز أو تعصب.

هذه ملامح خطوط عامة للتربية الإعلامية، وهي بدقة تعني تعليم التفكير الناقد، وبناء الذات، وهذا ما نتمناه من لجنة التربية الإعلامية، ولست متفائلاً.

لست متفائلاً إذا مالت اللجنة إلى السهل، وطالبت بمنهج أو مادة دراسية جديدة لا هدف لها، سوى مزيد من حشو المعلومات.

لست متفائلاً إذا لم تركز اللجنة على أن التربية الإعلامية ليست موضوعاً يدرسه مختص بالإعلام. بل سلسلة تفاعلات يقودها كل المعلمين وعبر كل المواد.

لست متفائلاً إذا كان هدف اللجنة تشغيل مئات الخريجين من قسم الإعلام في جامعاتنا.

لست متفائلاً، ما لم يسع القائمون على اللجنة إلى إعداد دليل عملي في التربية الإعلامية، ينفذه جميع المعلمين لا معلم مادة “التربية الإعلامية”.

(نقلا عن الغد الأردنية)