موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
عندما يصبح المذنب بريئاً

د. صلاح جرّار :

لا يسقط الذنب عن المذنب مهما طال الزمن ومهما كثر الواقفون خلفه والداعمون له والمتواطئون معه من الفاسدين والحاقدين والحاسدين وشهود الزور، لأنّ الذنب، ولا سيّما إذا كان عن سابق إرادة وتصميم، يبقى ندبة سوداء في تاريخ الشخص المذنب لا تمحوه حملات إعلامية ولا حتّى قرارات قضاة ولجان ومحاكم، لأنّه مرض مزمن يقيم في أعماق ضمير الشخص المذنب يذكّره بفعله المشؤوم بين الحين والحين.

إنّ تحوّل المذنبين إلى أبرياء أمرٌ كثير الحدوث في المجتمعات التي ينتشر فيها الفساد وتشيع فيها الرشوة الماديّة أو المعنوية وتقلّ فيها العدالة وتغيب فيها قيم الأمانة والإخلاص في العمل وإتقانه، وكم من مذنب كان ذنبه واضحاً وضوح الشمس قد أصبح بريئاً في غمضة عين! وكم من مجرم تقوم أدلّة وشواهد لا تحصى على إجرامه أصبح يتجوّل في ساحات جرائمه حرّاً طليقاً! وكم من مظلوم مسلوب الحقوق لم ينصفه أحد! إنّ الخطر في تبرئة المذنب ليس في ضياع حقّ المظلوم فقط، بل الخطر الأكبر يكمن في تشجيع هذا المذنب على ارتكاب مزيد من الجرائم واقتراف مزيد من الذنوب ممّا يشكّل تهديداً لأرواح الناس وحقوقهم.

والخطر الأكبر من هذا وذاك أن نجاح الشخص المذنب في الإفلات من العقاب والمساءلة سوف يشجّع غيره من الأشرار على ارتكاب مثل تلك الجرائم واقتراف مثل تلك الذنوب وهم مطمئنون إلى إمكانية الإفلات من العقاب.

وقد أثبتت ذلك كثير من الجرائم الفردية التي وقعت في عدد من المجتمعات حيث جرت تبرئة المجرم سواءً أكان قاتلاً أم سارقاً أم محتالاً تحت ذرائع مختلفة وحجج واهية وأسباب مختلفة وملفّقة أو نتيجة تدخّل أصحاب نفوذ لتغيير الحقائق وتغطية الوقائع وحرفها عن مسارها. كما أثبتت ذلك بعض الأحداث الدموية الخطيرة في بلدٍ أو أكثر من بلدان العالم، حيث كان نجاح من يرتكبون الجرائم الكبيرة والإبادة الجماعية في الإفلات من العقاب مشجّعاً لسواهم من المتعطشين للدماء لارتكاب جرائم مماثلة أو أشدّ فظاعة ودمويّة.

إن تبرئة المذنب تحت أيّ ذريعة ولأيّ سبب كان هو بحدّ ذاته جريمة إضافية ويشكّل خطراً بالغاً على الأفراد والجماعات، ويتساوى في ذلك سرقةٌ صغيرة جدّاً وإلقاء قنبلة من طائرة على سوق شعبيّ.

ومهما أفلت المذنبون من العقاب والمجرمون من تبعات جرائمهم فإنّ التاريخ لا يرحم أحداً، وعند الله تجتمع الخصوم.

(االرأي الأردنية)