موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٢٠ ابريل / نيسان ٢٠١٩
عما يجمع أحفاد إبراهيم على اختلاف قراءتهم لقيامة السيد المسيح

بشار جرار - واشنطن :

حبا الله الأردنيين وحدة الأعياد، مسلمين حيث لم تفرق فتاوى المذهبيين بين أعيادهم كما هو الحال في بعض دول الجوار، ومسيحيين حيث توافقت الطوائف شرقية وغربية -على تنوعها- على توحيد الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي والفصح المجيد (عيد القيامة) حسب التقويم الشرقي.

وبطاقة المعايدة هذه التي أبث من خلالها أشواقي للوطن مهد القداسة وكنفها ومحراب الطهر ومذبحه، وهيكل النور ومنارته، بطاقة المعايدة هذه أرسلها عبر فضاء إلكتروني يجمع في أميركا بين زمن وآخر أعيادًا أخرى تجمع بين الفصحين المسيحي واليهودي لدى بعض الطوائف، وتفرّق بين الطوائف المسيحية واليهودية فيما بينها لدى ما يربو على ستة آلاف طريقة ومدرسة للتعبير عن حب الله وإجلاله، كل حسب دينه وطائفته ومدرسته الدينية والفكرية.

وقد ابتلينا نحن العرب -مسلمين ومسيحيين- بهرطقات المتطرفين الذين يمعنون في تكبير ما يعكس التنوع ليضعوه في صورة مشوهة للاختلاف الذي "يفسد للود قضية". وقد ساقتني الأقدار إلى حوار أخوي بين ثلة من الأصدقاء المتنورين بينهم مؤمنون بأتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث. المسلم منهم يؤمن بأن المسيح كلمة الله ويتفق في كل شيء مع أخيه المسيحي باستثناء الصلب. واليهودي يختلف مع أخويه المسيحي والمسلم حول ألوهية أو نبوة السيد المسيح لكنه يقر بأنه "معلّم" (راباي) صلب حقًا لكن منكرًا قيامته.

الأمران الاستثنائيان اللذان اتفق عليهما الأصدقاء – الأخوة الثلاثة من أحفاد إبراهيم كان يوم الأحد المعروف بأحد الشعانين ويوم الخميس في حدثيه المترابطين عضويًا: غسل الأقدام والعشاء الأخير. لم ينكر أحفاد إبراهيم هذين الحدثين من الناحية التاريخية على اختلاف الدلالات، كل من وجهة نظر اعتقاده الديني.

وإن اختلف الثلاثة في سر العشاء وتنوع التعبير المسيحي في الفهم والأداء اللاهوتي والطقسي (الليتورجي) لتناول جسد المسيح ودمه فيما يعرف بسر المناولة، فإن المسيحيين واليهود والمسلمين لا بل وحتى الملحدين لا يملكون إلا الانحناء أمام جلال الموقف وعظمة صاحبه. فهذا هو الرب (في الإيمان المسيحي) وكلمة الله (في الإيمان الإسلامي) والمعلم (في الإيمان اليهودي) يجثو على ركبتيه ليغسل أقدام تلاميذه، مرسيًا قواعد الخدمة والمحبة في أسمى صورها، صورة ما زالت تبهر العالمين وتتحدى المدعين والمتكبرين والمكابرين قديمًا وحديثًا وإلى أبد الآبدين.

ويلح على قلبي سؤال يتردد في حجراته الأربع الأذنين والبطينين كلما شهدت هذه الصورة الخالدة: لم لا نخلع نعالنا -كما فعل كليم الله موسى- وننفض غبار الطريق وتجاربه عن أقدامنا، فنعطي "عشر" طاقتنا المصروفة على بث الفرقة لصندوق (العشار أو الزكاة أو الصدقات) المكرس لمحبة خلق الله كلهم وخدمتهم جميعهم. لم لا يشمر أحفاد إبراهيم عن سواعدهم للتعبير عن إيمانهم فيما يغسل أقدام (عيال الله) من أوساخ الطرق وأشواك الدروب.

طريق الحق واحدة وكذلك طرق المؤمنين والخيّرين كافة، لنغسل أقدام أطفالنا بحمايتهم من الحروب والإرهاب والعنف المنزلي وتزويج القصر والتزويج القسري. لنغسل أقدام أحداثنا ويافعينا من سموم الإرهاب والمخدرات. لنغسل أقدام كبارنا ومسنّينا من وحشة الوحدة وقهر المرض والحاجة "على كبر".

و"حبة بركة" أرصّع فيها بطاقة معايدتي الإلكترونية هذه أخصّ بها غير المسيحيين في أرض الله الواسعة: ليت محبي المسيح والمسيحيين -ملح الأرض- يحسنون المعايدة فإن لم تكن المعايدة على نحو: المسيح قام – حقًا قام، فلتكن فصحًا مجيدًا يا "قرابة" فكلنا شئنا أم أبينا -بحسب شجرة العائلة والشيفرة الوراثية- "قرابة"!