موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ مارس / آذار ٢٠١٣
عقد على الغزو الأميركي.. مسيحو العراق يهجرون أرض الأجداد

بغداد - أور نيوز :

يقلب المونسنيور بيوس قاشا صفحات كتاب يتناول الهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد، محاولاً تذكّر أسماء ضحايا جريمة سرعت في هجرة المسيحيين من بلاد تقلصت أعدادهم فيها إلى الثلث منذ اجتياح العام 2003.

ويقول راعي كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك في مكتبه داخل الكنيسة الواقعة في منطقة المنصور في غرب بغداد أن هذا الهجوم شكل "كارثة حلت بالمسيحيين وقصمت ظهر وجودنا في هذا البلد وأدت إلى إفراغ البلد" من المسيحيين. ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية "ربما سنتبع إخواننا اليهود" الذين كان يبلغ عددهم نحو 120 ألفاً وغادروا العراق بعد قيام الدولة العبرية عام 1948.

وفي 31 تشرين الأول 2010 اقتحم عدد من المسلحين كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك الواقعة في منطقة الكرادة وسط بغداد وقتلوا 44 من المصلين بالإضافة إلى كاهنين وستة من عناصر الأمن. وتبنى تنظيم "دولة العراق الإسلامية" الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، الهجوم الذي نفذ خلال القداس قبل أن يحكم على ثلاثة أشخاص بالإعدام إثر إدانتهم بالتورط في الهجوم. وشكل هذا الهجوم الدامي حلقة من سلسلة هجمات استهدفت المسيحيين منذ بداية الاجتياح العسكري للعراق على أيدي قوات التحالف.

وتشير أرقام كنسية إلى أن نحو ستين كنيسة من بين عشرات الكنائس ودور العبادة استهدفت في العراق منذ 2003، فيما أدت هذه الهجمات إلى مقتل أكثر من 900 مسيحي عراقي وإصابة نحو ستة آلاف بجروح.

ويقول بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو "كانت هناك 300 كنيسة في العراق ولم يبق منها سوى 57، وحتى المتبقية فهي معرضة للاستهداف".

وساهمت هذه الهجمات وخصوصاً جريمة سيدة النجاة في دفع المسيحيين الذي يشكلون 2 بالمئة من أعداد السكان نحو الهجرة إلى الخارج بعيداً عن بلاد يحكم شوارعها العنف اليومي العشوائي منذ حوالي عشر سنوات.

ويرى قاشا أن "أوضاع المسيحيين منذ 2003 وحتى الآن تتجه نحو الضياع"، مشدداً على أن "أهم أسباب المعاناة هي الظروف الأمنية والبطالة" التي تقارب الـ11 بالمئة وفقاً للإحصاءات الرسمية لعام 2011 وإلى 35 بالمئة بحسب أرقام غير رسمية، مضيفاً "كانت لدينا 1300 عائلة في كنسيتنا، ولم يبق اليوم سوى 400 إلى 500 عائلة فقط".

وتوضح من جهتها وزيرة الهجرة والمهجرين السابقة باسكال وردا أن "الكثير من الشباب المسيحيين يريدون الهجرة وعندما اسألهم لماذا، يقولون وفروا لنا العمل لنعيش والأمان لنبقى، هنا أصمت وأعجز عن الإجابة".

ويتوزع المسيحيون على محافظات بغداد ونينوى وكركوك، وكذلك دهوك وأربيل في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، وتتواجد أعداد محدودة منهم في محافظة البصرة في جنوب العراق.

ويقول رئيس "منظمة حمورابي لحقوق الإنسان" وليام وردا إن "السنوات العشر الأخيرة كانت الأسوأ على مسيحيي العراق لأنها شهدت أكبر حالة نزوح وهجرة لهم في تاريخ العراق".

وأكد وليام وردا أن عدد المسيحيين انخفض من حوالي مليون و400 ألف في 2003 إلى قرابة نصف مليون حالياً، ما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم.

وكان تقرير نشرته منظمة حمورابي نهاية عام 2011، تحدث عن نزوح 325 ألف مسيحي من منازلهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد خلال الفترة ذاتها. وفي البصرة، يؤكد عماد عزيز أحد مسؤولي الكنيسة الكلدانية في المدينة الجنوبية، أنه لم تبق في البصرة سوى 450 عائلة مسيحية بعد أن كان عددها 1150 عام 2003.

ويقيم المسيحيون في العراق مع باقي مكونات المجتمع علاقات طيبة تمتد إلى مئات السنين، ويمثلهم وزير واحد في الحكومة العراقية وخمسة نواب في البرلمان المؤلف من 325 نائباً.

وتشير وثائق تاريخية إلى أن المسيحيين كانوا من الأوائل الذين عاشوا في العراق، وبحسب حنا فإن المسيحيين موجودون في بلاد ما بين النهرين منذ نهاية القرن الأول ميلادي وبداية القرن الثاني.

ولا يرتبط قلق المسيحيين في العراق بما يحدث في البلاد فقط إذ يثير مخاوفهم تصدر الإسلاميين المشهد السياسي في عدد من هذه الدول العربية، وكذلك بوادر صراع كبير بين السنة والشيعة.

وكان راعي خورنة مار يوسف في بغداد الأب سعد سيروب حنا قال لفرانس برس أن "السنوات القادمة ستكون صعبة جداً على الجماعات المسيحية في الشرق الأوسط والوطن العربي إذ أن الجميع أمام تحد يكمن في مدى المحافظة على هذه الجماعات وصون حقوقها وخصوصيات دياناتها وتقاليدها".

وأوضح "لا أعرف كم من النضوج متوفر لدى قادتنا وسياسيينا وأصحاب ثورات الربيع العربي حتى يتفهموا هذا التحدي ويجعلوه ممرا لخير وبناء الوطن".