موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السادس والعشرين للزمن العادي، السنة أ

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

متى ٢١، ٢٨-٣٢

 

إن الإطار العام للمقطع الإنجيلي لليتورجيا هذا الأحد (متى ٢١: ٢٨-٣٢) يختلف كثيرًا عن إطار الآحاد الماضية. في الواقع، يروي متى في بداية هذا الفصل دخول يسوع إلى أورشليم، مع كل ما يتبعه: يدخل ويطرد "جميع الذين يبيعون ويشترون في الهيكل" (متى ٢١: ١٢)، وفي الصباح التالي، أثناء عودته إلى المدينة، يلعن شجرة التين الّتي لم يجد عليها ثمرا، فتجف الشجرة.

 

وبعد هذه الأحداث، تحرص السلطات اليهودية على التساؤل عن السلطة التي يتسلح بها يسوع ليقوم بمثل هذه الحركات. ومن هنا يبرز جدل، يروي يسوع في بدايته ثلاثة أمثال: الأول هو الذي نسمعه اليوم، والثاني هو المثل الخاص بالكرامين القتلة (متى ٢١: ٣٣-٤٤)، والثالث هو مثل المدعوين الذين لا يلبون الدعوة إلى وليمة العرس (متى ٢٢: ١-١٤).

 

إن السياق العام مهم لفهم هذا المقطع، وقد وصلنا الآن إلى نهاية رسالة يسوع، وأصبح جليا الرفض الذي أبداه الرؤساء والكهنة والفريسيون تجاهه.

 

الأمثال التي يرويها يسوع هي محاولة أخيرة لارتدادهم، كي يتيحوا لبشرى الملكوت الوصول إليهم؛ وهذا شيء مستحيل إن لم يكن الإنسان يعرف ما في قلبه وما يسكن هذا القلب.

 

ماذا يسكنه؟ وما هو الشيء الضروري المطلوب للدخول في الملكوت؟

 

هناك، في قلب الإنسان، كلمة نعم كما أن هناك كلمة لا. هناك القبول كما أن هناك الرفض، هناك الخير كما أن هناك الشر. نجد الغموض والازدواجية في كلتا الحالتين الواردتين في المثل.

 

لا تسكن كلمة "نعم" في قلب الإنسان وحدها، كما لا تسكن كلمة "لا" وحدها.

 

حسنًا، من أجل الدخول إلى الملكوت، الخطوة الأولى هي إدراك هذا التناقض الذي يقيم فينا. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد لدى أي إنسان إخلاص غير متزعزع، و"نعم" وفيّة.

 

لا يدخل الإنسان الملكوت بفضل أمانته الشخصية؛ وكما رأينا في مثل الأحد الماضي، ليس العمل في الكرم منذ الساعة الأولى ضمانًا للقاء حقيقي ومؤكّد مع الرب ومع خلاصه.

 

إذاً، ما هي الطريق للدخول في الملكوت؟

 

إن الطريق هي في كلمة واحدة يردّدها يسوع مرتين في الآيات المذكورة اليوم، أي في كلمة "توبة" (متى ٢١: ٢٩ و٣٢).

 

هناك رفض أوّلي مبدئي، بدافع عفوي مفاده: لا أرغب. وهذا الرفض موجه لأب، وهو، مثل أي أب، يطلب عملا ما لمجرد أنه أعطى الكثير الكثير.

 

غير أن الشيء المهم هو هذه التوبة.

 

لا يذكر المثل كيف نشأت التوبة، بل يقول فقط أنها حدثت، لأن الندامة، في نهاية المطاف، هي أيضًا هبة. وانطلاقاً من هذه الهبة فقط يمكننا أن نتخذ الخطوة التالية، وهي محاولة قول نعم، مع العلم أنها لا تأتي بقوتنا الذاتية وحدها.

 

ومن المثير للاهتمام أنه في المرتين اللتين تتكرر فيهما عبارة "ندامة"، تشير الأولى إلى الابن الذي قال لا في البداية، ثم ندم. بينما لا تشير الثانية إلى العشارين والخطأة، كما هو منطقي، وكما كان يتوقع مستمعو المثل. لا يشير يسوع إليهم في اقتباسه في الآية ٣٢، بل إلى محاوري يسوع أنفسهم، إلى الفريسيين وقادة الشعب. يشير يسوع إلى أولئك الّذين، في الظاهر على الأقل، قالوا "نعم" على الفور، وبالتالي فإنهم لا يحتاجون إلى الندامة. 

 

وذلك يعني أنه مهما كانت نقطة البداية، فإن خطوة الندامة والتوبة مطلوبة من الجميع.

 

ولكن الندامة عن ماذا؟

 

إنها ليست بالضرورة مسألة ندامة عن خطيئة كبيرة لا نعرف مدى جسامتها، بل العودة إلى اختبار رحمة الرب، ووضع منطق التطويبات في قلب حياة الإنسان، والاستسلام لهبة حب غير مشروط.

 

يجب السماح لهذا الحب، كما ذكرنا في مثل الأحد الماضي، بأن يُمنح للجميع، بغض النظر عن استحقاق الفرد.

 

وربما لا يحدث هذا فقط مرة واحدة في الحياة. ولا يُستبعد أن نقول "لا" مرة أخرى، ثم نندم مرة أخرى.