موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٧ يوليو / تموز ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السادس عشر من الزمن العادي، السنة أ

:

 

(متى ١٣، ٢٤-٤٣)

 

هناك عنصر متكرر في كل من الأمثال الثلاثة الّتي نستمع إليها في المقطع الإنجيلي لهذا الأحد (متى ١٣، ٢٤-٤٣)، ألا وهو الوقت.

 

في المثل الأول، يتم زرع بعض القمح الطيب في حقل ما، غير أن عدوه يأتي سرّا ويزرع  يعض الزؤان. وعندما ينبت كلاهما، يعبّر مزارعو الحقل عن رغبتهم في اقتلاع الزؤان، ولكن صاحب الحقل يدعوهم، عوضًا عن ذلك، إلى التحلي بالصبر: ينبغي أن ينمو كلاهما. فعندما يكون القمح والزوان صغيرين، فإنهما يبدوان متشابهين، وهناك مخاطرة في الخلط بين الواحد والآخر. في آخر المطاف فقط سيصبح التمييز بينهما ممكناً. ومن ثم سيتمكن الناس من جمع القمح والتخلص من الزوان (متى ١٣، ٢٤-٣٠). هناك حاجة للوقت.

 

في المثل الثاني، يأخذ رجل حبة خردل ويزرعها في حقله. تبدأ هذه البذرة بداية بسيطة جدًا، فتكون شديدة الصغر، بل أصغر البذور. ولكن تكبر البذرة، يوماً بعد يوم، وتصبح شجرة كبيرة، أكبر من جميع أشجار الحقل، بحيث تتمكن الطيور من وضع أعشاشها بين أغصانها (متى ١٣، ٣١-٣٢)، وكما في المثل السابق، هناك حاجة للوقت.

 

وأخيراً، يروي يسوع مثلاً ثالثًا، وهو مثل ربة بيت تأخذ خميرة، كي تعمل الخبز، تخلطها مع الطحين، فتخمّر الخميرة العجين كله تدريجيًا (متى ١٣، ٣٣). هنا أيضًا تحتاج العملية إلى الوقت.

 

نحن، ببساطة، بحاجة إلى الوقت كي نكون ما نحن عليه، كي نحمل الثمار الّتي من أجلها قد أتينا إلى العالم. يحتاج القمح إلى الوقت كي يتم التعرف عليه كقمح، وكي لا يتم الخلط بينه وبين أي شيء آخر.

 

يستغرق الأمر وقتًا لنصبح ما نحن عليه، كي نعطي تلك الثمار التي أتينا من أجلها إلى العالم. يحتاج القمح إلى وقت ليتم التعرف عليه على أنه قمح، وكي لا يتم الخلط بينه وبين أي شيء آخر. لقد تم زرعه في الأرض، ولكنه ليس الوحيد هناك، والوقت وحده قادر على التمييز بين البذور التي تحمل ثمارا جيدة، عن غيرها.

 

بالفعل لدى بذور الخردل كلّ الإمكانيات لأن تصبح شجرة، ولكن هذا لا يكفي: فإن إمكانيات البذور، إذا لم تقبل قانون النمو الصبور، سوف تضيع. وكذلك هو حال الخميرة.

 

في المثل الّذي يفتتح الفصل الثالث عشر من بشارة متى، استمعنا، يوم الأحد الماضي، إلى مثل الزارع، وأنواع الأرض الّتي تسقط البذور عليها، وكان هناك أيضاً حضور للمنطق نفسه: البذر الّذي لا يقع في العمق، بل يدعي حمل الثمار، سرعان ما يخفق في الوصول إلى مرحلة النضوج.

 

وهكذا، يتم منحنا الوقت لقبول الهبة الإلهية الّتي كانت قد أعطيت لنا بالكامل.

 

ليس الرب في عجلة من أمره، والوقت هو سر صبره ورحمته، وهو ينتظر أوقات نمونا، ويأمل أن نؤتي الثمار.

 

نحن، بالأحرى، نافذو الصبر، مثل الخدام في مثل الزوان. يدّعون بالفعل أنهم قادرون على تمييز ما هو صالح وما هو ضار. لكن الرب يحذر من هذه الطريقة الأصولية إلى حد ما: إذا تصرفنا بهذا الشكل، ففي آخر المطاف، لن يبقى لنا أي شيء، لا القمح ولا الأعشاب. ولن يتم خلاص أي منا...

 

وستأتي لحظة لن يكون لدينا أي متسع من الوقت: في شرح مثل الزوان (متى ١٣، ٣٧-٤٣) يتوقف يسوع عند ساعة الحصاد، عند وقت النهاية.

 

هناك سترى ماذا نضج في حياة الناس، وما هي الثمار التي ولدت فيها، وما الذي يأتي حقًا من الربّ، وما الذي لا يأتي منه: لن يكون هناك مجال للشك، لأن ما يأتي من الرب "سوف يشرق كالشمس" (متى١٣، ٤٣)، بينما سيضيع كل شيء غيره، لن يبقى منه شيء، مثل الأعشاب الضارة التي تحترق في النار (متى ١٣، ٤٠).

 

إن الثمار الّتي نحن مدعوون إلى حملها، هي المحبة، التي تولد من الاستماع إلى كلمة الرب.

 

ولكنها ليست ثمرة يحصل عليها الإنسان بسرعة. فقط من لديه الصبر على الموت، كحبة القمح، ويتقبل الحياة في كل يوم من يدي الرب، هو الذي يثمر، في آخر المطاف، ثماراً صالحة.