موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السابع والعشرون من الزمن العادي، السنة أ
المسيح هو الثمرة الناضجة التي لطالما ترقّبها الآب

المسيح هو الثمرة الناضجة التي لطالما ترقّبها الآب

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

دعونا نُصغي اليوم إلى المَثَل الثاني من الأمثال الثلاثة (متى ٢١: ٣٣-٤٣) التي يسردها يسوع في الهيكل مخاطبًا عظماء الكهنة وشيوخ الشعب (متى ٢١: ٢٣) بعد دخوله المهيب إلى أورشليم.

 

يروي يسوع أن رجلًا زرع كرمةً في حقله وأجرها لكرّامين كي يَحرثوا الأرض لتحمل ثمارًا، ثم سافر. حينما حان وقت القِطاف، أرسل خُدّامه ليأخذوا ثَمرها.

 

نتوقف هنا أولًا لأن هذه الآيات الأولى تُغنينا ببعض الأمور الهامة عن سلوك الله.

 

الأمر الأول هو أن الله، على غرار صاحب الكرمة، يُعطي ويترقّب أن يأخذ بالمقابل، ويترقّب بالتحديد أن يأخذ ثمر ما كان قد أعطاه، أي ما ينتج من عمل الإنسان بدءًا بالهبة التي منحها إياه.

 

يمكننا القول إن الله يُعطي ولكنه يطالب أيضًا، وأن الحب لا يمكنه أن يكون إلا على هذا النحو، حبا يَمنح ذاته ويترقب التبادلية.

 

يمكننا إعادة قراءة تاريخ الخلاص انطلاقًا من هذا التبادل أو ربما الأفضل انطلاقًا من هذه الرغبة لدى الله الذي ينتظر دائمًا جوابا لحبّه. إلا أن انتظاره عادة ما يذهب سدى.

 

يترقب الله بوادر تكشف ما في قلب الإنسان، وينتظر علامات تدل على اعتراف الإنسان بالهبة التي تلقاها وامتنانه ليسوع المبادر في العطاء. ومن هذه البوادر مثلا ألا يمد الإنسان يده لقطف ثمار شجرة ما، وأن يستريح يوم السبت وأن يُبقي ذكرى العهد في جسده وأن يعيش طقوس العيد. هذه الأمور الصغيرة هي دائما مليئة بالمعنى.

 

وفي وجه هذه الترقب، يبدو الله منزوع السلاح. ولا يسعه الا الانتظار.

 

يرسل الله بالتأكيد علامات تُذكّر الإنسان أنه في حال رغب في البقاء داخل إطار علاقة العهد معه، فعليه أن يقوم بخطوة وأن يبادر بشيء ما. ولكنه لا يطلب أكثر من ذلك.

 

يتوقف كل شيء على الثقة، التي نراها في المَثَل تنمو ويبدو من الصعب على الله التصديق بعدم إمكانية الحصول على الجواب المرتقب.

 

في الواقع، يرسل صاحب الكرمة في نهاية الأمر ابنه ويضعه تحت رحمة الذين رأى منهم العنف والرفض.

 

يرسله علامة للثقة المتجددة والإمكانية الجديدة التي يقدّمها للكرامين. يقوم بإرساله وكله أمل أن الابن سيتمكن من الحصول على بادرة الحب المرتقبة منهم، هذه البادرة التي تجعلهم أشخاصا أهلا للثقة، أشخاصًا حقيقيين.

 

لا نجد في المثل تحقيقا لهذه الأمنية. وها إن الابن يعاني نفس مصير الآخرين، ولا يتم النظر إليه كابن صاحب الكرمة.

 

غير أن المَثَل لا ينتهي هنا.

 

تتمثل المفارقة هنا في كون تضحية الابن هي الجواب المنتظر والتي ستردّ الثمر المرجو بأكملها للآب.

 

يحب الابن كرْمَة أبيه حبًا شديدًا لدرجة أنه يضحي بحياته من أجلها وهذا الأمر يغيّر التاريخ ويترك علامة عبور: المسيح هو الثمرة الناضجة التي لطالما ترقّبها الآب والتي أعيد تسليمها في النهاية بين يديه.