موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثامن والعشرين للزمن العادي، السنة أ

المطران بييرباتيستا بيتسابالا :

 

العنصر الأول البارز في المثل الّذي نسمعه في المقطع الإنجيلي لهذا اليوم (متى ٢٢: ١-١٤) يدور حول وليمة عرس، غير أن العروسين ليسا أبطال الرواية، انما هم المدعوون. يتحدث المثل بأكمله عنهم، وعن الاهتمام بهم، وعن سلوكهم، أي رفضهم أو قبولهم الدعوة.

 

وإلى جانبهم نجد والد العريس، الملك، الذي لديه اهتمام كبير، ورغبة قوية لأن يُبهج من خلال مأدبة العرس المُعدّة لابنه، أكبر عدد ممكن من الناس، وأن يكون منزله مفتوحاً ومتسعا للآخرين.

 

يقوم الملك بتنظيم وليمة العرس، يجهّز الدعوات، يرسل غلمانه لدعوة المدعوين، يبدّل الخطط، ويبذل ما باستطاعته كي تكون ردهة العرس ممتلئة، ويدخل إلى صالة العرس كي يرحّب بالمدعوين. 

 

لا يوجد ذكر للعروسين، فأبطال الوليمة هم المدعوون: يبدو وكأن الوليمة ممدودة من أجلهم. 

 

ينتمي المدعوون إلى مجموعتين: المجموعة الأولى، محدودة، تتكون من أشخاص معروفين ومن أصدقاء. وإلى المجموعة الأخرى، وهي أوسع من الأولى، ينتمي ببساطة كلّ الآخرين.

 

المجموعة الأولى ترفض، بالإجماع، الذهاب إلى العرس الذي دُعوا إليه منذ بعض الوقت، ويُقصون أنفسهم من الوليمة.

 

لا يريد أحد منهم الخروج من عالمه الصغير، ويختلقون الأعذار بأشكال مختلفة، توحّدهم عدم الرغبة في التنازل عن برامجهم الخاصة وعاداتهم الشخصية، وعدم الرغبة في الانفتاح على الوليمة والبهجة، وعلى فرح أكبر.

 

إنهم يتخلون عن وليمة العرس من أجل الذهاب إلى العمل، والبقاء في أمورهم الخاصة، كما لو كانت أكثر أهمية لحياتهم.

 

إنهم لا يقترفون أيّ شر، وكل ما في الأمر أنّهم يواصلون القيام بما يقومون به دون أن يُدركوا بأن ساعة الوليمة قد حانت، ودون التعرف على الهبة الكبرى، والكرامة الخاصة التي تأتيهم من كونهم مدعوين.

 

وعندما يصرّ الملك، فإنهم ينزعجون من اهتمامه بهم لدرجة قتل كل المفوّضين بإيصال الدعوة لهم. هم لا يريدون أن تكون لهم أي علاقة بهذا الملك وبهذا الحدث. أي أن إمكانية مواصلة القيام بما كانوا يفعلونه دائمًا، دون الانفتاح على تحقيق الهبة، تُصبح أولوية مطلقة بحيث يجب القضاء على كل من يحاول اقتراح أي بديل.

 

وبالتالي يظلّ المدعوون من عداد المدعوين مدى الحياة، لكنهم لا يدخلون إلى الوليمة أبدًا.

 

ولهذا السبب، يتبدّل متلقو الدعوة.

 

لكن الملك لا يقبل بالهزيمة، ولا يمكنه أن يخسر كل ما أعدّه، ويقوم، بكل بساطة، بتوسيع قائمة المدعوين. وهكذا فإن "الآخرين" يجدون أنفسهم فجأة مدعوين لحضور وليمة العرس.

 

يُبرز النص كلمة "كلّ" مرتين (متى ٢٢: ٩ و١٠).

 

إذا كان المدعوون في البداية قليلين، فقد أصبح كل الناس مدعوين، الجميع، أي كل الموجودين في الطريق.

 

وبما أن الضيوف يتغيّرون، فإن وجه الوليمة يتغير أيضاً، إذ لم تعُد مخصّصًة لعدد قليل من المحظوظين، بل هي وليمة عرس للجميع.

 

يُغيّر الاحتفال وجهه، ويصبح مُتاحا ليس فقط لبعض الناس، بل للجميع.

 

وقد حرص النص على تحديد هوية المدعوين الجدد. يرسل الملك خدمه لدعوة كل من يلتقون بهم في الطريق، الصالحين منهم والأشرار (متى ٢٢: ١٠).

 

وهؤلاء، بغض النظر عن حياتهم الأخلاقية، وبغض النظر عن إيمانهم، يصبحون مستحقين للمشاركة في وليمة العرس، على عكس الأولين، الذين لم يكونوا مستحقين: "الوليمة معدة ولكن المدعوين غير مستحقين" – (متى ٢٢: ٨).

 

وبالتالي، فإن المستحق هو، بكل بساطة، ذاك الّذي يقبل الدعوة، أي ذاك الذي يتخلى عن تحقيق أهدافه الشخصية وينفتح على جِدّة الملكوت الذي يظهر فجأة.

 

ولكن هناك خطرا ما، حتى بالنسبة لهؤلاء "الآخِرين". فكما أن الأولين ظلّوا خارج الوليمة، فقد يحدث هذا أيضًا للآخرين.

 

في الواقع، أولئك الذين يدخلون إلى وليمة العرس، ولكن لا يتأقلمون مع الهبة المعطاة، ولا يسمحون لأنفسهم بأن يلبسوا الحلة المناسبة وبأن يتحولوا بفضل الجمال الممنوح لهم، وأولئك الذين لا يجعلون من هذا الاحتفال حياة لهم، هم، عمليا، في حكم الذين بقوا في الخارج، وهناك مقدّر لهم أن يعودوا.

 

لا يدعونا الرب لكوننا صالحين، ولكن، بدعوته لنا يجعلنا صالحين.

 

وبالتالي، فإن رفض المشاركة في وليمة العرس يتخذ أشكالًا مختلفة. الشكل الأكثر وضوحًا هو موقف المدعوين الأوائل، وأقل وضوحا هو موقف المدعو الذي دخل بدون الثياب المناسبة. بالنسبة لكليهما، فإن الأمر لا يخلو من العواقب: الأوائل يُقتلون وتدمّر مدنهم (متى ٢٢: ٧)؛ والثاني يُلقى خارجاً في الظلمة البرانية (متى ٢٢: ١٣)

 

إنها ليست مجرد مسألة مشاركة في وليمة، بل هي مسألة الدخول في الحياة الحقيقية.