موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث والعشرون من الزمن العادي، السنة أ، 2020

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

النص الإنجيلي لهذا اليوم (متى ١٨: ١٥-٢٠) هو جزء من خطاب يسوع الرابع الوارد في إنجيل متى. يُدعى خطاب يسوع "الكنسي" لأنه يتعلق بحياة الكنيسة ونمط حياة الجماعة المدعوّة لعيش الإنجيل في خطى يسوع.

 

دعونا نبدأ ببعض الملاحظات قبل التطرق إلى المقطع نفسه.

 

الخطاب الكنسي في الفصل الثامن عشر هو أول الخُطَب التي يُلقيها يسوع بعدما أنبأ تلاميذه عن موته، كما رأينا في الأحدين الماضيين. نستطيع القول إن متى أدخل هذا الخطاب عن قصد بين نبوءات يسوع عن موته، إذ يسبقه نبوءتان (متى ١٦: ٢١؛ ١٧: ٢٢- ٢٣) بينما تليه نبوءة واحدة (متى ٢٠: ١٧- ١٩).

 

وعليه يمكننا القول إن الخطاب الرابع يسري على الذين يتتلمذون للرب يسوع ويشاركونه أسلوبه الخاص في المحبة وبذل الذات، ويدفعون حياتهم ثمن الحُب حتى النهاية. يُقدّم يسوع للذين يتبنون هذا النهج ويعيشون التطويبات نموذجا اجتماعيا وأسلوب حياة مشتركة، تعكس في جوانبها المختلفة جمال العلاقات بين الإخوة بحيث يكون الآخر بمثابة أخ يستحق التقدير وبذل الذات.

 

الملاحظة الثانية: لا يبدأ الفصل الثامن عشر بموضوع النصح الأخوي. لا يستهل يسوع كلمته إلى جماعة تلاميذه بالنصح وإصلاح الآخرين، القريبين منا، بل يتطرق لذلك لاحقا. ثمة ثلاثة نصوص تسبق هذا الموضوع.

 

في النص الأول يقيم يسوع طفلا بين جماعة التلاميذ (متى ١٨: ٢). ليس الأكبر والأعظم من يكون رئيسًا ولديه مسؤولية ما، بل المحتاج ومن يعاني كثيرًا، ويشير إليهما الطفل الصغير.

 

يتعلق النص الثاني، والذي يسبق الصلح الأخوي، بموضوع إثارة الشكوك والعثرات (متى ١٨: ٦- ٧). يقول فيه يسوع إننا قد نكون بمثابة حجر عثرة لأحد من أخوتنا. غير مطلوب منا النظر إلى ما ينقص الآخرين، بل النظر إلى ما نحتاجه نحن من تغيير واهتداء.

 

أما النص الثالث والمهم فيتعلق مباشرة بموضوع الإصلاح. قبل أن نُقّدم النصح والإصلاح للآخرين، لا بد للإنسان أن يفحص حياته ويرى فيها النواقص والزوائد. يضع يسوع في الاعتبار، في الآيتين ٨ و٩، أعضاء الجسم المزدوجة وخاصة القدمين واليدين والعينين، ويدعو الإنسان إلى بتر أحدهما حينما يكون حجرة عثرة.

 

ما معنى ذلك؟

 

يمكننا القول إنه حينما تصبح الازدواجية رياء، فعلينا أن نضع حدًا لها ونعاود اكتشاف وحدة القلب والحياة.

 

إن الأعضاء "المزدوجة" الوحيدة التي لا يدعونا يسوع إلى قطعها هما الأذنان، ربما لأن الإصغاء يتطلب استخداما كاملا للقدرة المتوفرة لدينا. فمن خلال الإصغاء إلى الكلمة يستطيع الإنسان أن يجد وحدة القلب الضرورية لعيش علاقات أخوية جديدة وبناء الوحدة.

 

مَن هو منقسم على ذاته ويَملك قلبًا "مزدوجًا" لا يمكنه إلا أن يخلق انشقاقًا حوله. أما الذي قلبه موحّد فانه يزرع الوحدة.

 

وفي هذا السياق يأتي النصح الأخوي. فقط الإنسان الذي تمكن من "بتر أو قطع" جزء من ذاته يعرف حجم الألم الذي ينتج عن هذه العملية، ويعرف كيف يقوم بها برفق وعناية، وسيتجنب تقطيع أوصال الأخ الذي يعيش بجواره لأنه سيجد في داخله حيّزًا رحبًا لاستقباله والصلاة له وحلّ العقد النفسية التي سببها الألم والخوف في حياته من دون أن يتشكك من ضعفه.