موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد التاسع والعشرون من الزمن العادي، السنة أ، 2020
المطران بيتسابالا يترأس القداس الإلهي في الكونكاترائية البطريركية اللاتينية في القدس، بمشاركة أساقفة تنسيقية الأرض المقدسة، 13 كانون الثاني 2020 (Mazur/cbcew.org.uk)

المطران بيتسابالا يترأس القداس الإلهي في الكونكاترائية البطريركية اللاتينية في القدس، بمشاركة أساقفة تنسيقية الأرض المقدسة، 13 كانون الثاني 2020 (Mazur/cbcew.org.uk)

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

في نهاية الأمثال الثلاثة التي سمعناها في الآحاد السابقة والتي يحث فيها يسوع المستمعين على التفكير في انغلاق القلب إزاء ملكوت الله الذي صار وشيكا، لا يستسلم الفريسيون لا بل ها هم يبحثون عن طريقة لإحراج يسوع وأن يصطادوه بكلمة.

 

مع هذا النص تبدأ مجموعة من النقاشات بين يسوع وخصومه تتخلل الفصل الثاني والعشرين من إنجيل متى. بعد المقطع الإنجيلي لهذا اليوم، نجد مجادلة حامية مع الصدوقيين (متى ٢٢: ٢٣-٣٣) وأخرى مع معلم للشريعة (متى ٢٢: ٣٤-٤٠) وفي النهاية مجادلة أخرى مع الفريسيين (متى ٢٢: ٤١-٤٦). تتباين المواضيع التي يتناولها النص إلا أنها وبطريقة ما تتطرق إلى موضوع تفسير الكتب المقدسة.

 

في النص الإنجيلي لهذا اليوم (متى ٢٢: ١٥-٢١)، يرسل الفريسيون تلاميذهم إلى يسوع برفقة الهيرودسيين. وبعد محاولة تملق سخيفة لا فائدة منها يسألونه عن أداء الجزية: "أَيَحلُّ دَفْعُ الجِزيَةِ إلى قَيْصَر أَم لا؟" (متى ٢٢: ١٧). 

 

هذه المجادلة تبدو بسيطة لكنها شائكة جدا وتلمس عدة مواضيع.

 

يقوم الأول، كما قلنا، على تفسير الشريعة. يتطرق المستمعون إلى هذه المسألة عبر سؤالهم إن كان يحل لهم دفع الجزية أي إن كانت الشريعة تسمح بذلك أم لا. نجد التعبير نفسه في متى ١٤: ٤ حينما قال المعمدان لهيرودس أن زوجة أخيه لا تحل له.

 

أما السبب الثاني الذي يجعل هذه المجادلة أمرًا شائكًا فهو مرتبط بالمال، الذي لطالما كان موضوعًا حساسًا، حتى في زمن يسوع.

 

أما السبب الثالث فيعود إلى أننا ندخل هنا حقلا ملغوما مرتبطا بالسياسة لأننا نتكلم عن شعب يعيش تحت احتلال أجنبي.

 

وعليه يعتبر الدين والمال والسياسة ثلاثة عناصر حسّاسة، وكم بالأحرى حينما يجتمعون سويًا.

 

كيف يجيب يسوع؟

 

يُجيب يسوع، كما يبدو لي، بقوله إنه ثمة ثلاث طرق للعيش في العالم.

 

تتمثل الطريقة الأولى بمنح قيصر السلطة المطلقة وبالتالي دفع الجزية له باعتبار كونه إلهًا. في الواقع، إن نشر الرومان للقطع النقدية التي تحمل صورة قيصر في الأراضي الخاضعة للإمبراطورية لم تكن طريقة لممارسة السيادة فحسب، بل أيضًا لتعزيز عبادة الإمبراطور.

 

أما الطريقة الثانية فتتمثل في إنكار سلطة قيصر وعدم الاعتراف بها، وبالتالي عدم دفع الجزية وخرق القانون وتأجيج الثورة.

 

وثمة طريقة ثالثة ألا وهي الاعتراف بسلطة قيصر على الأشياء وسلطة الله على الحياة، مع العلم أن قيصر والله يمارسان سلطتهما بطريقة تختلف عن الأخرى. 

 

يبدو أن يسوع يقول إن الثورة الحقيقية ليست في المقام الأول ثورة الذين لا يدفعون الجزية المجحفة، بل ثورة الذين لا يتواطؤون مع السلطة ولا يستعملونها لخدمة مصالح شخصية.

 

لكن هذا بالتحديد ما سيقوم به الكهنة والفريسيون ورؤساء الشعب بشكل عام، حينما يستعملون سلطة قيصر، من أجل إعدام يسوع، إذ يضعونه تحت رحمة تلك السلطة بالذات التي تسبب لهم الكثير من المتاعب.

 

الثورة الحقيقية هي الحرية الداخلية التي يتمتع بها أولئك الذين يعرفون أن الله هو مصدر حياتهم، ويضعون هذه الحياة بين يديه. وعليه لا تخشى هذه الثورة أية سلطة زمنية ولا حتى سلطة الاستعمار الأجنبي العنيف، لأن الإنسان الحر يعلم أن السلطة على الحياة لا يملكها أي شخص سوى مَن نمنحه إياها.

 

لا تستطيع السلطة المؤقتة، حتى وإن كانت صالحة، أن تكون الأفق الأخير والمطلق للإنسان. لا تمنح هذه السلطة الحياة ولا تستطيع أن تأخذها، إلا إن منحناها القدرة على القيام بذلك، بتخلينا عن حريتنا.