موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ مايو / أيار ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: أحد العنصرة 2020

المطران بييرباتيستا بيتسابالا :

 

نستمع في عيد العنصرة إلى مقطع من إنجيل يوحنا يُعيدنا إلى مساء الفصح (يوحنا ٢٠: ١٩-٢٣). في الواقع، يزور يسوع القائم تلاميذه المُنغلقين على أنفسهم في العلية، ويمنحهم روحه والحياة الجديدة التي تلقاها من الآب، ويشاركهم إياها في الحال. وهذا بالتحديد هو السبب الذي جاء لأجله إلى العالم واختبر الموت، محققًا بذلك عمل الآب.

 

ليس ذلك فحسب، بل حينما يمنح الرب القائم من بين الأموات روحه للتلاميذ، يرسلهم فورًا في مهمة ويمنحهم القدرة لأن يكونوا شهودًا له. تقودنا هذه الآيات من إنجيل يوحنا إلى جوهر الحياة الجديدة وحياة المرسلين والشهود.

 

نجد في جوهر هذه الآيات هبة الروح التي تعطي القدرة لكل ما يسبقها وما يتبعها.

 

ما يسبقها هو هذا الإرسال بالتحديد.

 

لقد خَصّصت الأناجيل الإزائية حيزًا كبيرًا لإرسال التلاميذ والطريقة التي يجب القيام به (لا تحملوا للطريق شيئا، لا عصا ولا مزودا ولا خبزا ولا مالا…) بالمقابل يتم في هذا المقطع من يوحنا تلخيص الإرسال في جملة واحدة، وبالتحديد في كلمة "كما": "كَما أَرْسَلَني الآب أُرسِلَكُم أنا أيضًا" (يوحنا ٢٠: ٢١). لا يشعر يوحنا بالحاجة إلى كتابة أي شيء عن متطلبات هذه المهمة، فكلمة "كما" كافية.

 

إن رسالة التلاميذ عليها أن تكون مماثلة لرسالة الابن. كما ويترتب عليهم تبنّي مواقفه ومشاعره ونواياه وأفكاره ذاتها. وبالنسبة ليوحنا، يمكن تلخيص كلمة "كما" بعمل واحد قام به يسوع ليلة العشاء الأخير، أي غسل الأرجل.

 

ما يأتي بعد هبة الروح هو دعوة الرب القائم من الأموات لمغفرة الخطايا (يوحنا ٢٠: ٢٣). هذا هو المحتوى الوحيد للرسالة والذي يحرص يوحنا على تدوينه.

 

نستطيع القول إن نَفَس يسوع الذي نفخه في تلاميذه ونقل من خلاله الروح لهم هو بمثابة حركة خلق جديد مماثل لما قام به الله، في بداية الزمن، حينما نفخ في الإنسان نسمة حياة (راجع تكوين ٢: ٧).

 

إلا أن الحياة التي يتلقاها الإنسان هنا هي حياة الله ذاتها، حياة القائم من بين الأموات والقادر على الانتصار على الموت والخطيئة. إنها حياة جديدة تصالحت مع الله من خلال موت يسوع، وهي حياة نالت المغفرة، وعليه فهي قادرة على المغفرة.

 

لا يمكن لمحتوى هذه المهمة أن يكون سوى تلك الرحمة غير المحدودة، التي كشف عنها الله للجميع على الصليب، ذلك لأن المغفرة هي الطريق الوحيد للانتصار على الشر.

 

وعليه، فإن المغفرة هي الإعلان العظيم عن الملكوت. لا يمكن لرسالة التلاميذ، الذين يشاركون في رسالة المسيح الفريدة، أن تكون غير الإعلان عن مغفرة الله لنا. وهو يواجه شرنا لا بإدانتنا أو عقابنا بل بمغفرته لنا، أي بتقديمه بداية جديدة في كل مرة. لهذا يُعد إعلانًا عظيمًا للأمل وهو الإعلان الحقيقي الوحيد لذلك.

 

ذلك لأن "الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (يوحنا ٣: ١٧)، وكذلك الكنيسة وكل مؤمن، يتم إرسالهم لنفس الهدف، تمامًا كما أرسل يسوع.

 

وإن كان مكان مغفرة يسوع هو الصليب الذي هو مكان "اللإدانة" و"اللاحكم"، فذلك يجب أن يكون لجميع تلاميذه. المغفرة تعني، بطريقة ما، الصعود على الصليب من أجل شخص آخر وأن يتم في المكان الذي تم فيه إبطال الشر واحتواؤه، من أجل الآخر.

 

لا يوجد أية مغفرة أو شهادة مسيحية لا تعبر من هنا. كما ليس ثمة جماعة مسيحية متحدة لا تمرّ عبر هذا الدرب الضيق كما فعل يسوع من أجلنا.

 

إن رسالة الكنيسة وصورتها تعتمدان بصورة كبيرة على هذا الأمر وعلى وصول كل شخص إلى تلك الحياة الجديدة، التي أعاد الروح تشكيلها على صورة المغفرة غير المشروطة للمسيح. وعليه كلنا مدعوون للمشاركة في هذه الهبة.