موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٤ مايو / أيار ٢٠١٣
عبدة الشيطان: هوس الأكثرية وحيرة الأقلية

ابراهيم غرابية :

نقلا عن الغد الاردنية

"إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" (النور، الآية 15).

برأت محكمة أمن الدولة مجموعة الطلبة الجامعيين الذين اتهموا بأنهم من "عبدة الشيطان". فبعد أشهر من الاعتقال و"البهدلة" والإهانة والتجريح، تبين أنهم مواطنون عاديون بعضهم متدين. والمعطيات والأدلة التي قدمت ضدهم تصلح لاتهام ملايين المواطنين الآخرين بأنهم عبدة شيطان!

هل يوجد بالفعل جماعة اسمها عبدة الشيطان؟ نعيش حالة من الهوس والتفكير الإشاعاتي لا تلائم أبدا مجتمعات مدينية وجامعات. وأعتقد أنها حادثة خطيرة ومهمة، يجب التوقف عندها طويلا!

بالطبع، ليس المطلوب هو غض الطرف عن الإساءة إلى الأديان أو الدعوة إلى الفتنة، وهذا تكييف مختلف عن تهمة عبادة الشيطان. في الحالة الأولى، هناك أفعال وأقوال يعتقد مواطنون أنها تسيء وتخالف القانون، وتنظر فيها المحكمة على هذا الأساس. ولكن أن تجري مبالغة في تحميل الأفعال والأقوال، وأن تحول الإشاعات والأفكار غير الدقيقة أو غير الصحيحة إلى حالة من التهييج والحشد الاجتماعي والإعلامي والعاطفي والغرائزي؛ فهذا أمر خطير جدا، ويمكن أن يقع لأي مواطن، إذا جرت حوله حملة من الأقاويل والإشاعات والاتهامات والحشد، ولكن أحدا لا يعلم إلى أين يمكن أن تمضي بنا هذه الإشاعات والأقاويل. وما نزال في عجلون نعيش منذ 35 سنة مأساة لم تتوقف ولم تُنس بعد، بدأت بحالة من التهييج والحشد، وبمقولة (ربما تكون صحيحة أو خاطئة) عن تمزيق المصحف ورميه في القاذورات، وعن الإساءة الى الدين والإساءات المتبادلة، ثم حدثت في هذه البيئة من الهياج جريمة قتل ذهب ضحيتها مواطنان.

كم يعيش بيننا من العرب والمسلمين والمسيحيين، وسائر الثقافات والملل والأفكار، الذين بنيت حولهم أفكار واشاعات مسيئة غير صحيحة، لا يتقبلها عقل ولا يمكن تصديقها، أو على الأقل قائمة على مصادر غير موثقة وغير صحيحة! وقد تم حرق مبنى في الكرك لأن طائفة "البهرة" تستخدمه، بدون معرفة بهذه الطائفة وأفكارها وتاريخها.

هناك فئات اجتماعية من العرب حافظت على العروبة بثقافتها وسلوكها كما كانت قبل مئات السنين. ولكن لأن العرب جميعا تغيروا إلا هم، صار يُنظر إليهم على أنهم مختلفون وضالون، وكل ما في الأمر أنهم لم يتغيروا وتغير العرب. وهناك مجموعات تعبر عن الآرامية بنقائها وفكرتها الأساسية كما كانت قبل ألفي عام؛ ينظر إليهم كثير من الناس بعدائية مشحونة بالإشاعات والقصص الخرافية.
يمكن بالطبع، ويجب مواجهة الأفكار والمظاهر السلوكية والاجتماعية السيئة أو المسيئة، ليس بالمحاكمات والاتهامات، ولكن بالحوار والجدال والحجة!

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo