موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
عارٌ علينا أن يُكتب أنه في زماننا انتهت المسيحية المشرقية

بيروت - حبيب افرام :

فيما يلي نص كلمة التي ألقاها السيد حبيب أفرام، رئيس الرابطة السريانية في لبنان وأمين عام اللقاء المشرقي، في المؤتمر الدولي الثاني حول الاضطهاد المسيحي، وذلك في العاصمة المجريّة بودابست، من 26 إلى 28 نوفمبر 2019:

أخطر ما يصيب المسيحية المشرقية أنها تتعرض لابادة، لالغاء، لتطهير عرقي، لقتل مبرمج، لهضم حقوق، ولا أحد يريد تسمية الأمور بأسمائها، بلْ يحاول الكثيرون اللعب على الالفاظ والكلمات في هروب مشين من مواجهة الحقيقة - ماذا نسمي خطف مطرانين جليلين أرثوذكسيين هما يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي في سوريا منذ حوالي 6 سنوات؟

أسوأ ما يصيب المسيحية المشرقية أنها صارت "عالموضة"، تكثر المؤتمرات في الغرب والشرق، نتغرغر في مداخلات محشوة في أوصاف العيش المشترك واحترام الآخر ونصدر بيانًا ختاميًا ونعود أدراجنا لنعدَّ النزيف اليومي ولا حلول، حتى أن البعض صار يتهكم على "مؤتمرات سياحية" لا تفيد ولا تغني.

أجبن ما يصيب المسيحية المشرقية، أننا نحن مسيحيي الشرق، بشعوبنا بكنائسنا بتنظيماتنا بتاريخنا بهوياتنا، فقدنا الأمل والرجاء والنضال، استسهلنا الهجرة، وشوارع ستوكهولم وفرانكفورت وبروكسل ونيوجرسي ومونتريال وسيدني، وصارت الخابور ونينوى والقوش والمينا وأورميا ومذياد ذكريات في البال وأسماء مواقع الأرض لنا فيها القبور ولغيرنا المنازل. نحن في عقلنا جوازات سفر. لا نعرف أن في الشرق لا مكان لك دون قوة دون مقاومة دون صمود دون دور.

إن القضية المسيحية المشرقية ليست نسباً مئوية، ولا دراسات حول كم كنا قبل "سيفو" المجازر ضد الارمن السريان الآشوريين الكلدان واليونان في الدولة العثمانية، أو في إيران قبل الثورة الاسلامية، أو في سوريا ومصر والعراق قبل الثورات العسكرية ثم بعد ما سميّ الربيع ثم مع داعش، قضيتنا مهما كان عددنا، مهما كانت نسبنا، حقنا، كما حق كل مواطن وكل جماعة، في حياة حرّة كريمة آمنة مع مساواة.

المشكلة، أيها الاصدقاء، إن لا نظام أكرر ولا أي نظام. يعترف بعمق بصراحة بالتنوع والتعدد حقيقة. اذا لم يكن هناك تغيير خطير في العالم العربي والاسلامي في معنى الوطن والحريات والانسان عند الرؤساء والملوك والأحزاب والتنظيمات والمؤسسات الدينية، فلا حلّ لنا ابدًا.

أن نهضة فكرية هي خلاص الشرق. وإلا سنبقى نغرق في دمائنا. والمشكلة في غياب القيادة والرؤية والضمير في العالم الغربي. إنه عالم لاهٍ، أضاع القيم والمبادرة. هل تعنيه حقوق انسان وجماعات أم فقط مصالحه؟ هل مستعد هو للدفاع عن مبادىء لكل شعوب الشرق. نحن لا نطلب لا حماية ولا تدخلا غربيًا مع مسيحيي الشرق. لا نحن نريد ولا هم حتى في هذا الوارد. لكننا نريد أن يرفضوا الابادات والقتل وخطف المطرانين الارثوذكسيين الروم والسريان اليازجي وابراهيم. أن يرفضوا دساتير وممارسات لا تعطي المساواة لكل أبنائها. كيف لا يعتبر الفاتيكان أن إفراغ الشرق من مسيحييه هو أقسى جريمة ترتكب ضد المسيحية على الاطلاق ولماذا لا يثور ويقيم الدنيا؟ شرق دون مسيحيين؟ والمسيحية نبعها هنا وتاريخها بدأ هنا ونورها شعّ من هنا.

كيف نتصدى لهذه الابادة؟

مسيحيو الشرق مدعوون لانتفاضة على الذات للعودة الى جذورهم الى نضال مشرقي وتشبث بالارض. وإلا أنهم ينحرون كل ما يؤمنون به وما يمثلون. العرب والمسلمون أمام تحدّ حضاري في كيفية علاقتهم مع مبادىء الحريات وكرامة الانسان والتنوع. هم مسؤولون أمام الله والتاريخ عن بقاء المسيحية وكل المكونات في الشرق على قاعدة المساواة. الغرب مدعو الى مشروع "مارشال" متكامل سياسي اقتصادي اجتماعي لدعم بقاء وصمود المسيحيين والمكونات ولضغط دبلوماسي سياسي لتغيير أداء الحكام والأنظمة.

إن هنغاريا نموذج للالتزام، أولا بشجاعتها أن تتكلم بصوت صارخ، ثانيا لدفاعها عن القضية وثالثًا عبر تبرعها بالمال صحيح أن هنغاريا ليست لاعباً دولياً صاحبة قرار، لكنها قادرة على ان تكون "محركة" و "مبادرة" بعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة وروسيا، وبحضورها في اوروبا، ليكون ملف اضطهاد مسيحيي الشرق أولوية ما على طاولة صانعي القرار.

التاريخ يُكتب بالموقف أولاً.

عارٌ على البشرية أن تسكت. أن تتواطأ. أن تغمض العين.

وعارٌ علينا أن يُكتب أن في زماننا انتهت المسيحية المشرقية.