موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢ مايو / أيار ٢٠١٣
طريق الآلام

فاطمة ناعوت :

وأنا طفلة، فى مثل هذه الأيام الربيعية، كنا نجمع عيدان الزعف (السَّعف) ونتبارى فى جدلها لنصنع أشكالاً جميلة نعلّقها فى غرفنا أو ندسّها تحت «بنورة» مكاتبنا، حتى تجفَّ، مع الفراشات الملونة التى نصطادها من حديقة المدرسة، ونُصبِّرها (كم كنا قساةً فى أمر الفراشات هذا!). وحين كبرتُ بات الحصول على الزعف صعباً، فقد برحتُ مدرستى الرائعة التى يقف عند بابها باعةُ الزعف، وأصبح علىّ اللجوء إلى أصدقائى المسيحيين لكى يهدونى شيئاً منه. هذا العام قررتُ ألا أعتمد على أحد، فخرجت بالأمس واشتريت باقة من سنابل القمح المصرى الفاتن، علّقتها على باب شقتى.

ونحن صغار، أيام الزمن الجميل، لم يكن يعنينا إن كان هذا عيدى أم عيدك! لم تدخل معاجمنا كلمات الفُرقة: مسلم- مسيحى. كنّا نفرح معاً ونلعب معاً ونحتفل بأعيادنا معاً؛ لأن مصرَ الطيبةَ تجمعنا، وقبل هذا تجمعنا الإنسانية الواسعة. العقائدُ شأنُ الله وحده، فكنّا نتأدبُ مع الله ولا نأخذ مكانه فنُدين كيلا نُدان. وكنّا ندرك أننا جميعاً نعبد إلهاً واحداً، لأن لهذا الكون رباً واحداً، كلٌّ يراه عبر منظوره، ففيمَ الخلاف؟!
أكتبُ إليكم يوم «أحد السعف»، حيث تمتلئ شوارع مصر بسنابل القمح وجريد النخيل. ندعو الله أن نصطفَّ جميعاً، نحن المصريين، قلباً واحداً وحُلماً واحداً ويداً واحدة تحمل أكاليل السَّعف لنستقبل بها مصرَ الحرَّةَ الكريمة حين تنبعث وتنهضُ من سقطتها، كما اصطفَّ أهالى القدس الشريف، حاملين أغصان الزيتون والسعف لاستقبال السيد المسيح، رسول السلام والمحبة، عليه السلام، حين دخل أورشليم القديمة منتصراً مكللاً بأوراق الغار.

أصدقاؤنا المسيحيون صائمون منذ خمسة وخمسين يوماً، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكى يحمى اللهُ مصرَ ونيلَ مصرَ وشعبَ مصرَ من كل شرٍّ، كما ندعو لها فى صلواتنا وصيامنا وتهجدنا. يجمعنا حبُّ مصرَ، وتجمعنا طريقُ الآلام القاسية التى تمشى عليها مصرُ الآن فى وهنٍ ووجع لكن مرفوعة الرأس، تماماً كما سار السيد المسيح، عليه السلام، هذه الطريق الوعرة من باب الأسباط حتى كنيسة القيامة، فى مثل هذا الأسبوع من ألفى عام، حاملاً صليبَه الخشبىَّ الهائل، وحاملاً آلامه وجراحه ودماءه ورجاءه فى الخلاص من شرور العالم، واضعاً إكليلَ الشوك على جبينه يقطرُ منه الدمُ الطاهر. وحين ظمئ، قدَّم له جندُ اليهود والرومان كأس الخلِّ كى تخفَّ آلامه، لكنه رفض أن يحتسيه كى يتجرَّع الألم إلى منتهاه، لقاء قوله الحقَّ فى وجه سلطان جائر. ثم قام بتعزية المريمات وصبايا أورشليم المنتحبات عليه، مثلما أكادُ أسمعُ مصرَ فى طريق آلامها تقولُ لبناتها: «يا بنات طِيبة، لا تبكينَ علىَّ، بل ابكين على أنفسكن وأولادكنَّ».
بعد أسبوع الآلام هذا، سيحتفل مسيحيو مصر بعيد القيامة، وسوف ندعو الله معهم أن يحتفل المصريون والعالم أجمع، بقيامة مصر العظيمة الخالدة من مواتها الراهن. كل سنة وأقباط مصر مسلمين ومسيحيين بخير وفرح وأمان ومحبة، ومصر فى حرية وتحضُّر.