موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٧ مايو / أيار ٢٠١٩
صناعة الكراهية

د. محمد الرصاعي :

في طبيعة تفاعل البشر وتشكل قنوات الاتصال والتلاقي بينهم تأتلف جماعات وفئات على ملتقيات ومشتركات إما فكرية أو جغرافية أو دينية أثنية ومذهبية، وقد تأخذ في الكثير من الأحيان أنماط التفاعل بين هذه الجماعات نمط الصدام المؤجج بفعل مشاعر الكراهية الناجمة عن خشية الغلبة وتراجع حضور القوة إزاء قوة الآخر، مما يدفع الأفراد والجماعات لمزيد من التحيزات اللاعقلانية وبالتالي مزيد من الإساءة والعنف.

نعم الكراهية تبرر العنف والصدام وفي هذا السياق تؤكد سوزان أوبوتو عالمة الاجتماع في جامعة نيويورك على علاقة الكراهية بالعنف وتقول أنه في حال سيطر الكره الشديد على الإنسان فإن أخلاقه ستعمل كمحفز يخلق المبررات الأخلاقية للاعتداء والعنف.

وقد شهدت مناطق عدة في العالم مؤخراً حوادث عنف دامية بفعل الكراهية كحادثة الاعتداء على المصلين في نيوزيلندا أو تفجير الكنائس في سيريلانكا وغيرها، والسؤال الحاضر هنا لماذا تتصاعد حوادث العنف وخصوصاً حوادث العنف بداعي الكراهية للأديان أو المذاهب المتضادة.

من المؤكد أنَّ صناعة الكراهية ما زالت هدفاً لجهات ومؤسسات عدة في العالم وقد تكون هدفاً لبعض الدول حيث تَحقق من الصدام والعنف مصالح تتوزع على السياسة أو الاقتصاد أو تنامي سطوتها عالمياً أو إقليمياً، إلى جانب هذه المُنتجات للكراهية تصطف وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما أبدعت من وسائل للتواصل الاجتماعي كأدوات توظف أحياناً بطريقة تذكي شعور الكراهية والمشاعر السلبية ضد من يتباينون جغرافياً أو أيديولوجياً أو أية أطر مرجعية أخرى.

الجماعات المتطرفة في كل بقاع العالم تؤمن بالعنف وتثير الكراهية وقد باتت اليوم توظف شبكة الإنترنت وأدوات التواصل بغية النجاح في شيوع ثقافة الكراهية والتباغض وفي هذا الصدد يقول باهرات جانيش من معهد أكسفورد للإنترنت إنَّ الشبكات والأماكن التي تنشأ على الإنترنت تهدف إلى خلق ثقافة تقبل الكراهية والتشهير والتحقير من الآخرين، وإذا ما أعتد بهذه اللغة، فقد يُخلق مناخ يمكن أن تصبح فيه الكراهية والعنف أمراً مشروعاً.

دروس تاريخية واضحة للعيان تشير إلى نكوص وانحطاط كل من أثار العنف والدمار ولعب على وتر التباينات بين الشعوب والجماعات، وقد أيقنت اليوم الكثير من الدول والمؤسسات بفعل تعاقب التجارب الخاسرة للصدام بين البشر ضرورة نهج المصالح المشتركة والذهاب صوب مقاربة السياسات والثقافات، وحرية المعتقد والفكر والتصرف بما لا يجلب الإيذاء للآخرين، والدليل الواضح على هذا النهج هو الاتحاد الأوروبي المؤتلف اليوم على مصالح تحقق الرفاه للجميع، ونعلم جميعاً ما هي خسائر الأوروبيين عندما لجأوا للحروب والصدام سابقاً.

(الرأي الأردنية)