موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
صغار وكبار

د. صلاح جرّار :

عندما كنت طفلاً كنت أنظر للجبال التي تحيط بقريتي على أنّها ممّا لا يطمع أحدٌ بالوصول إلى قمّتها، وكنت أراها أعلى من كلّ شيء على الأرض وأن تسلّقها مغامرة خطيرة تتطلب جهداً عظيماً وساعاتٍ طويلة، أذكر أنني كنت إذا وقفت على قمّة جبل (الشيخ شبل) أو (النبي شبل) وهو أحد تلك الجبال، ونظرت إلى الغرب كنت أستطيع بوضوح أن أرى البحر الأبيض المتوسّط والسفن المبحرة بمحاذاة الساحل الفلسطيني، وإذا نظرت إلى الشرق أرى جبال عجلون الشامخة بوضوح.

وعندما تقدّمت بي السنّ صرت أرى تلك الجبال أقلَّ ارتفاعاً من ذي قبل، وصرت أرى أن الصعود إليها أيسر وأنّ الوقت لبلوغ قمّتها أقلّ بكثير. ثم تبيّن لي بعد ذلك أنّ الإنسان كلّما كان صغيراً رأى الناس أكبر عمراً ورأى الأشياء أكبر حجماً، وأنه كلّما تقدّم به العمر رأى الناس والأشياء على حقيقتها.

ولكن هل تنطبق هذه القاعدة على كلّ شيء في حياتنا؟ أم أنّ ثمّة أشياء وأشْخاص قليلة الحجم والقدر دون أن يكون لذلك ارتباط بالعمر أو بالزمن؟!

أذكر أنّه عندما كانت نشرات الأخبار قبل خمسين عاماً تنقل لنا تصريحات زعماء الدول الكبرى وقراراتهم كنّا نحمل الأمور محمل الجدّ، وكنّا ننظر إلى زعماء مثل جون كيندي وليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمس كارتر وغيرهم على أنّهم عظماء، لأنّهم كانوا قليلي الكلام وجادّين في نظراتهم وكانوا إذا أخطأ أحدهم خطأ صغيراً أو كبيراً كان يفتضح بين الناس مثل فضيحة ووتر جيت أيام ريتشارد نيكسون وفضائح بيل كلينتون، فكنّا نراهم كباراً على الرغم من معاداتهم الصارخة لنا وحمايتهم للكيان الصهيوني المحتلّ.

أمّا الآن فلم نعد نرى أحداً منهم كبيراً منذ أيام الممثل رونالد ريغان، والدمية بيد الصهاينة جورج بوش، وابنه جورج بوش الأصغر من بعده، والساقط أخلاقياً وليام كلينتون والأهوج دونالد ترمب.

ويبقى السؤال: هل كان زعماء الدول الكبرى قديماً كباراً حقّاً ثم أصبح الذين جاءوا بعدهم صغاراً، أم أنّ هؤلاء الزعماء كانوا صغاراً وكنّا نراهم كباراً لأننا كنّا صغار السنّ ثم عندما كبرنا رأيناهم على حقيقتهم؟!

إذا كان الجواب أنهم كانوا كباراً ثم آلت الأمور إلى الصغار فهذا مؤذن بسقوط دولهم وحضاراتهم المزعومة، وإن كانوا صغاراً واستمروا يمارسون أخلاق الصغار، فذلك مؤذنٌ أيضاً بسقوطهم لا محالة.

ولذلك فإن على أمتّنا أن لا تؤخذ كثيراً بثرثرات هؤلاء الزعماء ومحاولات تسلّطهم، وأنّ كلّ ما عليها هو أن ترجع إلى رشدها وقيمها وثوابتها وأن تتماسك ولا تخشى في الدفاع عن مصالحها لومة لائم ولا تهديد طامع.

(الرأي الأردنية)