موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٠ سبتمبر / أيلول ٢٠١٣
شرق بلا مسيحية

د. جلال فاخوري :

نقلاً عن الرأي الأردنية

هل يمكن تصور شرق او عروبة بلا مسيحية؟ سؤال طرح آخواخر القرن الثامن عشر وسوف يبقى يطرح إلى ان تقوم الساعة. والجواب التي فرضته الطبيعة العربية بمكوناتها وتراثها وحضارتها هو ان الارض العربية وقبل تشكل الاثنيات والتيارات فيها هو انها تكونت تلقائياً على اساس المواطنة والتعلق بالارض ومن هنا نشأت الفكرة القومية والهوية. وحين تأسست المسيحية كانت مداميكها مغروسة في الارض العربية ولم تأت مستوردة وبعد قرون حين تأسس الاسلام وكان عربياً بطبيعته كانت المسيحية والاسلام قد شكلا جناحين لايمكن لأحدهما العمل دون الآخر فباتت المسيحية حجر الزاوية للبناء القومي العربي بل واساساً لا يمكن للبناء القومي ان يستقيم بدونه. وعمل جناحا العروبة والوجود العربي طيلة هذه القرون دون عيوب او قيود تسمح لأحدهما انكار اهمية الآخر.

إن منطق التاريخ لايستقيم بالغياب المسيحي لعدم إستواء الجناح الاسلامي بدون الجناح الاخر، ومما يدعو للتفكير العميق والجاد ذلك التساؤل الذي ابداه مفكرو القرنين التاسع عشر والعشرين والذي يذهب إلى الحالة التي يكون عليه الوجود العربي بدون مسيحية، وذلك للإيمان الراسخ لدى هؤلاء المفكرين بأن اقتلاع الجذور المسيحية يعني هدماً لأي وجود عربي وإعتداءً على التاريخ بمنطقه المبني على هذا الوجود المسيحي الحضاري. واي محاولة لمحو التاريخ هي محو للحضارة والتراث الذي كان للمسيحية في انشاءها يد طويلة وقوية. ولربما يعرف جميع العرب إلا المتنكرين للتاريخ ان الحروب الصليبية على العرب لم تكن على المسلمين بل كانت على مسيحي الشرق لكون مسيحيي الشرق لا تربطهم بمسيحية الغرب إلا الاسم.

لقد اثار احد الاساتذة في الجامعة الاردنية يوماً ما مسألة ان المسيحيين هم بقايا البيزنط والروم دون الاخذ بالاعتبار ان التاريخ لم يكن تاريخاً عربياً لا بمساهمة مسيحية نبعت من الارض العربية اساساً، فكادت هذه المسألة ان تثير مسألة بالغة الاهمية وهي محاولة إلغاء المسيحية من التاريخ او اعادة دراسة التاريخ.

إن محاولات اشعال الفتن او الطائفية او التهجير تعني عدم الاعتراف بالتعددية والتلون الاجتماعي والطبقي مما يعني الدعوة إلى العنصرية البغيضة، وفي هذه الحالة لماذا نلوم إسرائيل بالدعوة إلى يهودية الدولة إذا كنا ندعو صراحة إلى العنصرية عن طريق التهجير المسيحي.ان السيكولوجية المتنافرة مع الوجود المسيحي هي سيكولوجية تحتاج إلى علاج من مرض بغيض اسمه العنصرية. وان الكتاب الداعين إلى الدفاع المسيحي عن نفسه في السلاح هم دعاة فتن وطائفية لا تعرف للتاريخ معنى ولا للقيم وزناً ولا للإنسانية مكاناً.

إن الطائر العربي مدعو للدفاع عن جناحه الذي يحاول البعض حرمانه منه او الاجهاض عليه، فهل يستقيم تحليق الطائر العربي بجناح واحد؟ إن دعوة ساركوزي إلى تهجير مسيحي الشرق هي دعوة مشبوهه وظالمة وهي دعوة غربية لا تقيم وزناً او احتراماً لكل ما هو عربي، وإن تبني هذه الفكرة من قبل الداعين إلى هجرة المسيحين او ممن افتى بإقتلاع الوجود المسيحي المشرقي هي دعوات ضد الروح الالهية وضد الإنسانية وضد الاسلام تحديداً لأنها ضد سماحة القرآن الذي ينص « يا ايها اللذين آمنوا لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل» «لكم دينكم ولي دين» « وجادلوهم باللتي هي احسن» «وإسألو اهل الذكر». وبدلاً من نزع فتيل الطائفية ووأد الفتنة فإن البعض يفجر القنابل ويشعل فتيل الفتن.