موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ يونيو / حزيران ٢٠١٦
سيدتنا العذراء هادمة الجدران: أيقونة في المقاومة المسيحية

مكتب إعلام البطريركية اللاتينية - ساهر قوّاس :

 

إن لوحات الغرافيتي المرسومة على جدار الفصل العنصري والمحمّلة بالرسائل السياسية والإجتماعية لطالما كانت شكلاً من أشكال الاحتجاج ضد سياسات إسرائيل الجائرة. بالقرب من دير راهبات عمانوئيل في مدينة بيت لحم، تبرز أيقونة السيدة العذراء على الجدار الاسمنتي مبينة بجمالها فشل المجتمعات في محبة بعضهم البعض.

 

في عام ٢٠١٠ قام السيد إيان نولز، مدير مدرسة بيت لحم للأيقونات، بكتابة هذه الأيقونة على جدار الفصل العنصري في الجزء الفاصل بين مدينتي بيت لحم والقدس، وذلك استجابة لرغبة المؤمنين المحليين والأجانب في الصلاة لأيقونة تستطيع تحقيق الأمل في سقوط الجدار يوماً ما.


 

البابا بندكتس: مصدر الإلهام وراء الأيقونة

 

وفقاً للسيد إيان نولز يرجع مصدر إلهامه لكتابة هذه الأيقونة إلى خطاب ألقاه البابا بندكتس السادس عشر في سينودس الشرق الأوسط عام ٢٠١٠. خلال الخطاب لفت قداسته النظر إلى أن المرأة الملتحفة بالشمس، والتي تصرخ من ألم المخاض في الفصل الثاني عشر من سفر رؤية يوحنا تمثل نبوءة عن معاناة المسيحيين في الشرق الأوسط. وأشار إيان إلى أن الخطاب "زودني بفكرة كتابة أيقونة للعذراء مريم، وهي حامل بالمسيح، ملتحفة بالشمس يطاردها التنين الذي يريد ابتلاع ابنها".

 

قبل زيارة البابا فرنسيس للأرض المقدسة في عام ٢٠١٤، تواجدت لوحة غرافيتي لأفعى كبيرة تبتلع الأطفال بالقرب من أيقونة السيدة العذراء. "إن رؤية الأفعى بالقرب من أيقونة السيدة تمتاز بطابع نبوي. إنه منظر مشابه لسفر الرؤية. فبمجرّد أن اكتملت الأيقونة، برزت وحشيّة الجدار".

 

وفي وصفه للأيقونة، قال إيان: "عندما ننظر إلى سيدتنا العذراء نراها تلمس جبهتها بيدها وكأنها تعاني من ألم شديد في رأسها. بقلبها الوالدي انها تعانق معاناة المسيحيين. كما أن ذراعها ورداءها المفتوحْين كملاذ آمن هو جزء مهم من الصورة".


 

جدار الفصل العنصري: انتهاك حقوق الإنسان الأساسية

 

إن ما يقرب  85٪ من جدار الفصل العنصري يقع داخل أراضي الضفة الغربية. وإلى يومنا هذا تستمر إسرائيل بالاستيلاء على الأراضي الخصبة وتوسيع البؤر الاستيطانية وتضرب عرض الحائط بكل قرارات القانون الدولي منتهكة بذلك حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينين بما في ذلك حرية الحركة والتنقل.

 

وفي عام 135م، كان قد أصدر الامبراطور الروماني هادريان مرسوماً منع بموجبه اليهود من العيش أو دخول القدس نتيجة للثورة التي قادها باركوخبا. وفي كتاب "تاريخ الكنيسة" يقول الأسقف يوسابيوس القيصري "صدر الأمر من أدريان بحرمانهم من الصعود إلى المملكة نواحي أورشليم. لأن الامبراطور منعهم حتى من رؤية أرض آبائهم من بعيد". ولم يُسمح لليهود بعد ذلك بدخول مدينة القدس إلا في التاسع من آب حسب التقويم اليهودي، وذلك للحداد على دمار الهيكلين الأول والثاني.

 

وإن تمعنا جيداً في هذا المرسوم نستطيع استخلاص بعض التشابهات بين منع اليهود والعواقب الوخيمة التي يعيشها الفلسطينيون جراء بناء جدار الفصل العنصري. فعلى سبيل المثال، لا يحصل المسيحيون الفلسطينيون في الضفة الغربية على التصاريح اللازمة للصلاة في القدس إلا في فترتي عيد ميلاد السيد المسيح وعيد قيامته. أما بالنسبة لمسيحيي غزة فالأمر أكثر تعقيداً من ذلك.


 

يا والدة السيد المسيح افتحي بوّابة الأمل في حياتنا

 

وسط الحروب والصراعات والاضطرابات في الشرق الأوسط وعلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإن المقاومة التي تستند على اللاعنف هي حق وواجب كل شخص يسعى إلى إيجاد حل بديل. يقول إيان "في الفن الكنسي، يجب إبراز الإنسانية بكل جمال وكياسة، وتعتبر أيقونة سيدتنا من أيقونات المقاومة المسيحية لأن بجمالها تكشف قبح وشر الجدار".

 

إن الأمل الذي يريده المؤمنون من خلال هذه الأيقونة يتمثل في مشاركة السيدة العذراء في معاناة المتألمين. الأمل لا يعني القبول والاستسلام للاضطهاد والظلم وإنما مقاومته والسعي إلى عيش مستقبل أفضل.


 

صلاة سيدتنا العذراء هادمة الجدران

 

يا والدة الإله

نصلي إليك لكونك أم الكنيسة وأم جميع المسيحيين المتألمين

نتضرع إليك من خلال شفاعتك أن تضعي حداً لهذا الجدار والجدران التي تفصل قلوبنا عن الآخرين

والتي تولّد الكراهية والعنف والخوف واللامبالاة بين الناس والشعوب

أنت يا من سحقت الأفعى بقدمك، وحّدينا تحت رداءك البار

احمينا من كل شر وافتحي بوّابة الأمل في حياتنا.

ازرعي فينا وفي العالم بذور حضارة المحبة

التي انبثقت من صليب وقيامة ابنك، ربنا ومخلصنا يسوع المسيح

الحي المالك إلى أبد الدهور. آمين.