موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٥ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
زمن فيروس كورونا: بيوت المؤمنين تتحول إلى كنائس صغيرة في الأسبوع المقدس

رولا شوملي :

 

من 5 حتى 12 من نيسان، احتفل المسيحيون في فلسطين بأسبوع الآلام المقدس والقيامة المجيدة وذلك حسب التقويم الغريغوري. هذا الخبر قد يبدو كغيره من الأخبار المتداولة على المواقع الاخبارية، إلا أن هذا الفصح المجيد لم يكن كغيره من المناسبات الدينية، فقد اعتاد المؤمنون المحليين والأجانب على زيارة مدينة القدس، والحج إلى المكان الذي تألم فيه السيد المسيح، وزيارة قبره الفارغ والاحتفال بقيامته من بين الأموات. وبالرغم من القيود المفروضة على المسيحيين الفلسطينيين بسبب الاحتلال، إلا أن معظمهم يتمكن كل عام من المشاركة في الاحتفالات المجيدة والصلوات والمسيرات الفصحية.

 

إلا أن هذا العام حل الفصح ليجد مدينة القدس خالية من سكانها ومن حجاجها أيضًا، فقد فرضت السلطات المدنية الإغلاق التام على المدينة المقدسة وأغلقت المطارات والحواجز وألزموا سكانها بالبقاء في منازلهم، تجنبًا لتفشي فيروس كورونا في الأرض المقدسة. وبعد أن مُنع السكان من الوصول إلى الكنائس ومنع التجمعات، بادرت الجماعات الدينية بالصلاة من منازلها، بعد أن قامت البطريركية اللاتينية ببث قداديس الأسبوع المقدس عبر الانترنت، ليتمكن المؤمنون أينما كانوا من متابعتها ورفع الصلاة في نفس الوقت.

 

سارع المؤمنون باتباع تعليمات المكتب الليتورجي ومكتب التعليم المسيحي التابعان للبطريركية اللاتينية واللذان قدما النصوص المطلوبة للصلاة من المنزل وطريقة الصلاة وتهيئة البيت لذلك، فرأينا العديد من المؤمنين الذين نشروا صور التحضيرات والتي شملت على تجهيز طاولة بالشموع والكتاب المقدس وعلى رأسها خشبة الصليب.

 

وفي عظته لأحد الفصح المجيد 2020، خاطب رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا المستمعين وقال: "لم نحتفل كما كنا نريد. القيود المفروضة بسبب الوباء دفعتنا بصورة غير مباشرة إلى التفكير في ما هو ضروري فقط. شهدنا في هذه الأيام الأخيرة، بطريقة جديدة، غياب العلاقات الطبيعية بيننا، غياب الإفخارستيا، غياب اللقاء مع رعايانا. حوصرنا في منازلنا وفُرِضَت قيود على تحركاتنا، وبذلك أدركنا مدى أهمية ما يُمنَعُ عنا الآن: حرية التحرك، والمدرسة، ومكان العمل، والمشاركة في الحياة الجماعية، ولقاء الأصدقاء، وما إلى ذلك. صحيح أننا نتعلم غالبًا قيمة ما لدينا، عندما نفقده. هذه هي حالنا الآن تجاه كل ما فقدناه. ولكن هناك غياب آخر أصبحنا ندركه في هذه الأيام، لا يقل أهمية: وهو إمكانية الاحتفال بسر الخلاص. إن عدم إمكانية الاحتفال بسر الخلاص، في هذه الثلاثية المقدسة، في هذه البيئة من الخوف والتردد، جعلنا أكثر وعياً بضعفنا وحدودنا".

 

على الرغم من خلو الكنائس، وتحديدًا كنيسة القيامة من المؤمنين، إلا أن المؤمنين دأبوا على الصلاة من منازلهم، متحدين مع عائلاتهم في الإيمان والصلاة، بصورة غير مسبوقة، فقد تحولت منازل المؤمنين الى كنائس صغيرة امتلأت بالإيمان والنور بقيامة المسيح.

 

أما بالنسبة للمناولة الفصحية، فقد حرص عدد من الكهنة على زيارة العائلات في بيوتها، ومنحها سر الاعتراف والمناولة، وذلك باتباع إجراءات السلامة العامة، وقاموا بالصلاة معها والتأكيد لها على التزام الكنيسة نحوها في أوقات الشدة حتى ولو خلت من حضورها المعتاد.

 

هذا وبالرغم من البعد الملموس عن الكنائس، إلا أن المؤمنين عاشوا زمن الصوم الأربعيني من بيوتهم، فقد شارك العديد من الشبيبات والأخوات الراهبات والمعلمين والمعلمات الصلوات سوياً مع أبناء الشبيبة ومع طلابهم، فمنهم من اجتمع يومياً، عبر الانترنت، بنفس الساعة لتلاوة المسبحة الوردية، ومنهم من التقى عبر وسائل التواصل للصلاة عن نية المرضى والمتضررين من الفيروس، والصلاة من أجل الجيش الأبيض الذي يقف في الصفوف الأولى لمحاربة هذا الوباء.

 

كما ولم تصدح من قبل أنغام الصلاة والتراتيل الفصحية في شوارع المدينة كيوم عيد القيامة. فقد بادر عدد من أبناء الرعايا في عدة مناطق في فلسطين، من بينها بيت لحم، بإذاعة الترانيم الفصحية عبر مكبرات الصوت وجوب المدينة لبث روح الفرح في قلوب المؤمنين.

 

وبذلك، ومع شلل حركة المسيحيين وعدم قدرتهم على عيش الفصح المجيد في الكنيسة وبين الجماعة المؤمنة، وجدوا أن ما تبقى لهم ليحتفلوا فيه هو إيمانهم، وبهذه الفكرة ختم المدبر الرسولي عظته متحدثاً عن أهميته بأنه "لا يلغي مآسي الوجود، بل يفتح أعيننا وقلوبنا على آفاق الخلاص والحياة الأبدية والفرح. هذا ما نحتفل به في عيد الفصح، وهذا ما نريد أن نحتفل به مع الحياة. قَبرُ المسيح المفتوح ليفتح أيضا قبورنا.

 

(مكتب إعلام البطريركية اللاتينية)