موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٧ مارس / آذار ٢٠١٩
رسالة المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية لزمن الصوم

أمانة سر البطريركية اللاتينية :

‏أيها الأعزاء،

نحن في بداية زمن الصوم الأربعيني الذي هو الوقت المقبول للتوبة. وأرغب أولًا في تذكير نفسي وتذكيركم بما تُعلّمنا إياه الليترجية المقدسة ‏حول زمن الصوم الأربعيني. هذا الزمن ليس مجرد جهد ‏من جهودنا البشرية وليس اختراعًا من بين اختراعاتنا الكثيرة. ففي الأيام التي تنفتح أمامنا نؤكد أن يسوع نفسه هو الذي‏ يدخل صحاري حياتنا ليختبر تجاربنا وليضمنا الى موكب المشاركين ‏في سره الفصحي والمنتصرين على الخطيئة والموت.

‏وفي هذه الأوقات الصعبة للكنيسة والعالم وبينما يتعرض ايماننا لامتحان عسير، نشعر برغبة قوية في النظر إلى الرب ‏لنجدد إيماننا بحضوره بيننا وبعمله الفعال.

ولا تتردد الكنيسة في التكلّم عن سر الزمن الأربعيني والسر الفصحي لأنها تريد أن تذكرنا بأن يسوع نفسه، الآن وهنا، وبقوة الروح القدس، وبفضل طاعة إيماننا يقف إلى جانبنا ويسير معنا على درب الصحراء حتى نصل معه إلى بستان الفصح حيث تجثم قبورنا وقد أصبحت فارغة من القلق والألم والموت. ويقوم التزام الزمن الأربعيني على تحدي الصحراء وعلى مجابهة جفاف حياتنا وأنشطتنا، بدون أن نستنجد بسراب المعجزات أو الحلول الوسط أو فقدان الأمل وأسوأ من ذلك ‏بالخطيئة. وبفضل هذا الالتزام نتشارك مع يسوع في الثقة بمحبة الآب وبجمال ملكوته. لنتأمل يسوع واقفًا في الصحراء، وهو يجابه التجربة والإحباط والجوع والتعب، ‏ويتكل على قوة الروح القدس الموعود لكل من يثق به ويسلم أمره لكلمة الله.

"مكتوب ‏لنا" أيضًا بأن الله آمين، ولنا أيضا يرسل ملائكته لتعزينا في أتعابنا ولتسندنا في الطريق، ولنا أيضًا يُكتب سفر خروجٍ جديد من الموت الى الحياة ومن العبودية إلى الحرية ومن اليأس إلى الرجاء. في وقتنا الحاضر وفي كنيستنا وجماعتنا التي تمر بمعاناة كبيرة نستعيد ذكرى ما حدث في صحراء أريحا. نستطيع أن نحتفل ‏بالزمن المقبول إذا فتحنا حيزًا أكبر لسماع كلام الله وإذا صمنا عن الأنانية والروح الفردية وقبلنا الفقير والمحتاج. ‏وإذا فرّغنا حياتنا من كل ضمانة مزيفة وانفتحنا على عطية الله وعلى نعمة المقاسمة سننعم بخصوبة الفصح والحياة الحقيقية النابعة من تقديم الذات.

"ولأننا معاونوه، نناشدكم ألا تقبلوا نعمة الله باطلًا." (2 كور 6، 1). في هذا الزمن المقبول ليحاول كل واحد منا أن يجد وقتا للإصغاء إلى كلام الله بشكل فردي أو جماعي. ليعُدِ المؤمنون الى الكنيسة حيث يصغون إلى كلام الله بدلًا من الإصغاء إلى أنفسهم. وليتقدموا بإيمان وتواضع من سر التوبة والمصالحة. لنرجع الى الصوم فنزهد في الأمور التي تملأ معدتنا دون أن تملأ قلبنا. ولنعد الى الإفخارستيا، ولا نعتبرها مجرد شعائر فارغة، بل مدرسة نتعلم فيها بذل الذات وقبول الحبّ والعطاء، ومنها نشبع جوعنا الى الحياة والسعادة. ولنحاول العطاء أكثر من التكديس، كما يذكّرنا دائمًا قداسة البابا، لأن سبب وجودنا وعملنا كمسيحيين ومكرّسين ليس خدمة أنفسنا بل الآخرين، وخلاصهم الأبدي.

نطلب من الروح القدس الذي اقتاد يسوع ويقتادنا إلى صحراء العالم (لو 4، 1) أن يحوّل إيماننا إلى بستانٍ فصحيّ ويرافقنا ويهيّئنا لقبول الحياة الجديدة في المسيح.

وها إن أبرشيتنا تعيش للسنة الثالثة خبرةً جديدة. وهذا الزمن مناسب لنقيّم ونراجع ما تمّ إنجازه وما بقي عمله. أدعو الجميع كي يصلّوا من أجل كنيستنا ورعاتها والعاملين فيها.

أتمنى لكم مسيرةَ توبةٍ مثمرة.