موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٦ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
رسالة المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية في القدس لأحد الشعانين 2020
المطران بيتسابالا خلال ترؤسه صلاة ليتورجية في مزار "بكاء الرب" على جبل الزيتون، المطلّ على البلدة القديمة داخل أسوار القدس، 5 نيسان 2020 (تصوير: جوفاني مالاسبينا / حراسة الأراضي المقدسة)

المطران بيتسابالا خلال ترؤسه صلاة ليتورجية في مزار "بكاء الرب" على جبل الزيتون، المطلّ على البلدة القديمة داخل أسوار القدس، 5 نيسان 2020 (تصوير: جوفاني مالاسبينا / حراسة الأراضي المقدسة)

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

أصدقائي الأعزاء،

 

اليوم لم نحتفل بدخول يسوع المهيب والبهي إلى مدينة القدس كما تجري العادة في كل عام، بمشاركة المؤمنين من جميع رعايا الأبرشية والحجّاج القادمين من جميع أنحاء العالم.

 

كما لم نرفع أغصان النخيل والزيتون هاتفين "هوشعنا" لملكنا يسوع المسيح. إن الطرقات، التي يفترض أن تمتلئ بالناس وبالترانيم ووقع الآلات الموسيقية، قد غدت اليوم خالية وصامتة.

 

ماذا يقول الرب لنا؟ لماذا يحدث كل هذا؟ ماذا نستطيع أن نفعل في هذه اللحظات العصيبة من أجل حياة العالم وحياتنا؟

 

استقبل أهل أورشليم يسوع بحماسة، وأقروا أنه الملك والمسيح المنتظر، والشخص الذي سيستجيب أخيرًا لصلواتهم.

 

إلا أن يسوع يعلم، والإنجيل يُخبرنا أيضًا، أن لا شيء يتم بهذه البساطة. نعلم جيدًا أنه جاء إلى أورشليم لا ليجلس على عرش مثل الملك داود، بل ليُساق إلى الموت. إن المعنى الذي يعزوه يسوع لـ "دخوله الانتصاري" يختلف عن المعنى الذي فهمه الناس. قد تكون هذه هي العبرة التي يريد يسوع أن يُعلّمنا إياها اليوم. إننا نلتفت إلى الله عند تعرضنا للأذى. فعندما نقع في مأزق، نشعر فجأة بتصاعد تساؤلات تصعب الإجابة عليها.

 

بكلمات أخرى، نريد من يسوع أن يصبح الملك والمسيح المنتظر الذي يحلّ مشاكلنا مثل قضايا السلام والعمل وحياة الأبناء والوالدين وأن يساعدنا في الحالات الصعبة التي نعيشها الآن. نأمل أن يُخلّصنا من فيروس كورونا وأن تعود الحياة إلى سابق مجراها.

 

نعلم علما أكيدا أن يسوع يستجيب صلواتنا ولا يشكك بحسن نوايانا. لقد جاء ليجد الضالّين ويُخلّصهم. ليس الأصحاء من يحتاجون إلى طبيب، بل المرضى.

 

إلا أن يسوع، في الوقت نفسه، يستجيب يسوع على طريقته. وكما أنه يقول "نعم" لرغباتنا العميقة، فلا بدّ أن يقول "لا" لرغباتنا الآنية.

 

أراد أهل أورشليم نبيًا، إلا أن هذا النبي كان قد أخبرهم أن مدينتهم تخضع لدينونة الله الوشيكة. وأرادوا المسيح المنتظر غير أن مَنْ جاء سيجعل عرشه على صليب وثني. أرادوا أن يتم خلاصهم من الشر والاضطهاد، غير أن يسوع سيخلّصهم من الشرير مهما بلغت قوته، وليس من شر الاحتلال الروماني واستغلال الأغنياء فحسب.

 

وعليه، فإن حدث الدخول العظيم إلى أورشليم هو عبرة تشير إلى التفاوت بين توقعاتنا وجواب الله.

 

سيصاب الجَمع بخيبة أمل ذلك لأن يسوع لن يحقق توقعاتهم بخلاص آني. في الحقيقة، لن تجري الأمور هكذا. إن دخول يسوع إلى أورشليم هي لحظة ولادة الخلاص الحقيقية. لقد كان هتاف "هوشعنا" في مكانه، حتى وإن لم يكن للأسباب التي افترضها أهل أورشليم. إن التعلّم من هذه العبرة هو بمثابة خطوة كبيرة نحو الإيمان المسيحي الصحيح.

 

قد نصاب نحن أيضًا بخيبة أمل، ذلك لأن صلواتنا لم تلقَ آذانا صاغية، ولم تنل توقعاتنا استجابة جلية.

 

قد يبدو أن الله لا يُصغي إلينا. دعونا نعترف بالأمر: لا نزال بعيدين عن الإيمان البسيط والنقي، إيمان الفقراء. نود ونريد أن تتغير حياتنا، هنا والآن وليس في المستقبل أو في الحياة الأزلية. نريد أن يكون الله جبارًا وقويًا، ونرغب أن نملك إيمانًا بالله يمنحنا أمانا وطمأنينة، وأن يهدّئ روعنا وسط بحر المخاوف والغموض الذي نعيشه الآن.

 

إلا أن الإنجيل يخبرنا أن الإيمان المسيحي يستند إلى الرجاء والمحبة وليس إلى ضمانات آنية. لن يخلصنا يسوع من متاعبنا ولن يمنحنا جميع الثوابت التي تحتاج إليها الطبيعة الإنسانية، إلا أنه لن يتركنا لوحدنا. إننا نعلم أنه يُحبنا.

 

عند مروره، فرش الجَمع ثيابهم عند قدمي يسوع واستقبلوه بأغصان الزيتون والنخيل القليلة التي استطاعوا الحصول عليها. بالرغم من قلة فهمنا، لنحاول أن نقدّم للمسيح المنتظر كل قليل لدينا: صلواتنا واحتياجاتنا وحاجتنا للمساعدة ودموعنا وعطشنا له ولكلمة عزاء منه. إننا ندرك أنّ علينا تنقية نوايانا. كما نسأله أن يمنحنا هبة فهم ما نحتاج إليه حقا. هنا اليوم، وبالرغم من كل شيء، نعلن على أبواب مدينته ومدينتنا، رغبتنا في استقباله بصفته ملكنا والمسيح المنتظر وفي اتباعه في طريقه إلى عرشه، إلى الصليب. إلا أننا نسأله أيضًا أن يمنحنا القوة اللازمة لحمل صليبنا مع صليبه، المليء بالحب المعطاء.