موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
رسالة البطريرك ساكو الراعوية لعيد الميلاد 2018: ميلاد انسانية جديدة

بغداد - أبونا :

في زمن البشارات – المجيء، يستعد المسيحيون في العالم، للاحتفال بعيد ميلاد المسيح الذي يعرض عليهم، مشروع ميلاد لإنسانية جديدة. فالإنسان كان محور رسالته وهو محور رسالة الكنيسة، ليكما يغدو الانسان “انسانيًّا” وليس وحشاً مفترساً.

في الحقيقة، لقد عرفت حالة الإنسان في المسيح ارتقاءً إلى إنسانية كاملة. وفي اللغة الكلدانية – السريانية نستعمل عوض كلمة التجسد، لفظة “MITHBARNASHUTHA” أي الأنسنة. يمثل ميلاد المسيح بنمط حياته وأعماله وكلماته، ميلاد الانسان الجديد: إبنًا لله . وفيه يجد كلُّ إنسان مثالا كاملا للإنسان، يقتدي به لتتحقق فيه “صورة الله ومثاله” ( تكوين1/26). المسيح عاش كانسان وأحبَّ كانسان، وخدم كانسان، وعمل كانسان، كما تؤكد الرسالة الى العبرانيين “وكان مثلنا في كل شيء ماعدا الخطيئة” (4/15).

يحصل الانسان المسيحي على نعم كثيرة لتحقيق مشروع التجديد الداخلي (الولادة الجديدة) بالرغم من الشرّ المتربص به، وذلك من خلال انضمامه الى سر فصح المسيح. وفيه ومعه يفهم المغزى الخصب للألم والموت والقيامة. لذلك ينبغي أن يدرك المسيحي أن في اقتباله لكلَّ سرٍّ من أسرار الكنيسة، كالمعمودية والافخارستيا، ينال نعمة عظيمة للاندماج في المسيح والاتحاد به “فإنكم، وقد اعتمدتم جميعاً في المسيح، قد لبستم المسيح” (غلاطية 3/27). هذه الدعوة تتطلب التزامًا يوميًا وجهدًا وشجاعة وتعبًا، لكن لا يهمّ، فالهواء الذي نستنشقُه هو فرح الإنجيل، وإن قوتنا وعزاءنا هما في الروح القدس الذي يقودنا ويرافقنا.

وهذه الدعوة موجهة أيضا إلى كل انسان ذي إرادة طيبة، يفتح قلبه بصدق لنعمة الله كي تعمل فيه. مع المسيح نغدو أبناء وبنات الله، خصوصاً حين علمنا ان نصلي قائلين: "أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض…".

من هذا الايمان ينطلق سعيُنا وصلاتـُنا لتحقيق التطويبات، على طريقة المسيح، فينا وحولنا، فيتحقق ملكوته على الأرض كما في السماء، ملكوت أخوّة ومحبة وسلام بين جميع البشر.

"طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوت السَّمَوات. طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض. طوبى لِلْمَحزُونين، فإِنَّهم يُعَزَّون. طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون. طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون. طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله. طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات” (متى 5/3-10). لذا نكون في الميلاد عندما يولد المسيح في قلوبنا، وعندما نطبـّق خدمة السلام والمحبة كما تدعونا اليه ترتيلة الميلاد هذه:
عندما نسقي عَطشانَ، كأسَ ماء، نكونُ في الميـــلاد
عندما نكسي عُريانَ، ثوبَ حُب، نكونُ في الميلاد
عندما نُكفكف الدموعَ في العيون، نكونُ في الميلاد
عندما نَفرِشُ القلوبَ بالرجاء، نكونُ في الميـــــــــلاد
عندما أُقَبِـّلً رفيقي دونَ غِش، أكونُ في الميلاد
عندما تموتُ فيّ روحُ الانتِقام، أكونُ في الميلاد
عندما يُرَمِّدُ في قلبيَ الجفاء، أكونُ في الميلاد
عِندما تذوبُ نفسي في كيان الله، أكونُ في الميلاد.
ليلة الميلاد يُمحىَ البُغضُ، ليلة الميلاد تزهرُ الأرضُ،
ليلة الميلاد تُبطلُ الحربُ، ليلة الميلاد يَنبِتُ الحُب.

هكذا من خلال شهادة ايماننا وصلاتنا ومحبتنا وإسهامنا في نهضة بلدنا ومجتمعنا وعالمنا ، يستمر فينا ومن خلالنا نشيد الملائكة ليلة ميلاد المسيح: "المجدُ لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاءُ الصالح لبني البشر" (لوقا2/ 14). وبالتالي يتجلى الله – المحبة فينا ومن خلالنا للعالم.

واليكم، أيها الأحبة، بعض الأسئلة للتفكير ومراجعة الذات: ما معنى انك مسيحي؟ هل إيمانك أمر أساسي في حياتك، وله الأوليّة في قراراتك وتصرفاتك، وإلا ماذا يميزك كمسيحي عن الاخرين؟ هل تصلي؟ هل تذهب الى الكنيسة، وتشعر بأنك عضو وفيها ومعها تعيش ايمانك، وتدرك انك اكثر قوة وتضامنا مع الآخرين؟ والا أي معنى لمسيحيـّتك من دون شهادة الإيمان والصلاة والخدمة هذه؟

ايمانك وصلاتك يعطيانك إمكانية البلوغ الى التطويبات، ويساعدانك على رؤية الأشخاص والأحداث والأمور بعين الله، ويتيحان لك استقبال الروح القدس بحيث تشعر ان الله "أقرب -إليك- من الوريد". ايمانك يفتح امامك المجال لتجسد كلمة الله في انسانيتك، وتصير ابنا الله وليس من أعوان الابليس! فمن يـُقسـّم الناس ويخلق الفوضى على أساس ديني او قومي او جنسي لا علاقة له بالله ولا بالدين.

أتمنى، أيها الإخوة الأخوات، ان يكون الميلاد فرصة لكي تعمّقوا إيمانكم وتثبتوا في خدمة المحبة والسلام كما دعا البابا فرنسيس في عظته اثناء احتفاله بالقداس في كنيسة بيت القديسة مرتا 2018/12/06، قائلا: "علينا أن نستعدَّ لعيد الميلاد ساعين لبناء السلام في نفوسنا والعائلة والعالم"، لأن في السلام يتحقق التقدم والازدهار. تمنياتنا للعراق وصلاتنا من أجل أن يـُنعم بالأمن والأمان وأن تشعّ المحبة والسلام بين مختلف مكوناته الاجتماعية والدينية.

عيد ميلاد مبارك للجميع والسلام للعراق والعالم

كل عام وانتم بخير