موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الجمعة، ١٥ يونيو / حزيران ٢٠١٨
رسالة إلى المربين: النشاطات الصيفية؛ مجتمع بلا مدارس

الفحيص - الأب عماد الطوال :

يمكن أن تصبح عملية التعليم والتعلم ممتعة وعفوية في حال انتقلت من حدود الغرفة الصفية لتخرج إلى أفق أوسع، حدوده المجتمع والعالم، ومن التعلم التعاوني الذي ينجم عن العلاقات الفريدة خارج الفصول الدراسية، إلى التعلم العميق والتشاركي عندما يكون الطالب في محك مع العالم الواقعي، فتمثل خبرة لا مثيل لها في تشكيل قدرته على التعلم ولتكون مصدر إلهام له وتحفزه على الاستمرار في هذا الحقل.

لقد بدأت العطلة الصيفية لابنائنا، فكيف نستغل الوقت ونديره؟ لا يحتاج الطالب إلى أن يكون على مقربة من أجهزة الكمبيوتر والحقائب المدرسية والكتب التقليدية للتعلم. فالتعلم الحقيقي لا يعتمد على مجرد حفظ الحقائق، التاريخ أو حل التمارين الرياضية. التعلم عملية تفاعلية تقوم على التحليل والمشاركة، هو عملية بحث مستمرة عن معاني جديدة وتطبيقات، هو المعرفة في كل أحوالها، إنه التعلم مدى الحياة.

يستغرق التعليم وقتاً طويلاً سواء أكان داخل المدرسة أو من خلال النشاطات الصيفية، ولذلك ستجد دوماً أن إدارة الوقت -لك وللطلاب- هي واحدة من أكبر التحديات التي ستواجهك، حيث تعتبر من المهارات المهمة جداً، فهي تساعدك على تحديد أولويات العمل الخاص بك، ومعها ستتمكن من الحصول على المزيد من الأمور في وقت أقل.

الذي يدير الوقت ... يدير العالم، من هنا يمكننا القول أن الاستغلال الفعّال للوقت يبدأ مع التنظيم الدقيق من حيث: الإعداد ووضع خطة تقضي على الوقت الضائع والارتباك وتحديد المهام المستقلة، وتوزيع الواجبات على الأفراد، لتعطيك الوقت للعمل مع مجموعات صغيرة، وبالتالي خلق بيئات مناسبة تتيح للطلاب الانتقال بسلاسة من نشاط إلى آخر مغايرة للنمط التعليمي التقليدي.

العالم مليء بالعديد من الأسئلة والأماكن والناس، فلنستغل هذه العطلة الصيفية في محاولة لبناء علاقات بين الطالب والعالم خارج جدران المدرسة. فالتجارب والخبرات ذات المغزى تتشكل من علاقته مع هذا العالم. عليك توسيع معارفه وتحسين أسلوب التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وزراعة نوع من الوعي الذاتي والتقدير الشخصي الذي لا يمكن أن يُدرس من خلال الكتب المدرسية. فالهدف التربوي من هذه النشاطات هو النهوض بالشباب نحو تربية أفضل ومسيرة مستقبلية لبناء مجتمع الغد، خصوصاً عندما نرى أزمات القلق النفسي التي تعصف بالشباب (البطالة، الفراغ ، الأخلاقيات...).

للمدرسة أهمية كبرى في العملية التعليمية التعلمية ولكنها ليست المصدر الوحيد الذي يمكن لأطفالنا التعلم من خلاله. قدّم التربوي "Ivan Illich" في كتابه "مجتمع بدون مدرسة" Dischooling Society عام 1970 نقد جذري لمؤسسة التعليم في المجتمعات الحديثة، حيث هاجم مفهوم التعليم اعتماداً على المدارس باعتبارها نظاماً سلطوياً واحتكارياً، في حين أن العملية التعليمية الناجحة في نظره تحدث خارج البيئة المدرسية من خلال الانخراط داخل المجتمع ومن خلال الخبرات والتجارب التي يحصل عليها نتيجة ذلك، ودعا إلى إعادة هيكلة التعليم تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص للتعليم والتعلم، ولضمان حصول الفرد على التعليم خارج المدرسة، وتحويل كل لحظة يعيشها إلى فرصة تعلم ومشاركة واهتمام، فبحسب نظريته سيحقق التعليم بهذه الطريقة هدفه ويكون متاحاً للجميع واكثر أختياريا.

نحن على يقين أن التعليم المتكامل يغطي حاجة الطلاب المتنوعة، ومن هنا لننظر إلى الجانب الإيجابي من هذه النظرية ولنستغل العطلة الصيفية عِبرَ إنشاء جو من الثقة والانفتاح مع الطلبة من خلال النشاطات اللاصفية فتكون فرصة للتعليم دون المدرسة التقليدية، فهناك برامج لا منهجية لم تتح لنا العمل بها خلال السنة، وأساليب عمل جديدة، واستكشاف واكتشاف العالم الطبيعي. فمواجهة العالم الخارجي والحقيقي خارج الفصول الدراسية يُعدُ جزءاً أساسياً من التعلم وتنمية الشخصية الفردية والابداعية، أيا كان عمرهم او قدرتهم أو ظروفهم.

هذه النشاطات تمثل فرصة مثالية للعمل عن طريق فريق تشاركي، طلاب ومعلمين لخلق الإبداع والتميّز، فلننظر إلى العطلة الصيفية على أنها فرصة لتحقيق جو بيئي ناضج وعيش خبرة تربوية واجتماعية وثقافية واسعة الافق.