موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٩ يوليو / تموز ٢٠١٩
رامي نفاع يحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من الجامعة الأردنية

عمان – أبونا :

نال السيد رامي سمير نفاع درجة الدكتوراه في الفلسفة من كلية الآداب التابعة للجامعة الأردنية.

وناقش نفاع أطروحته التي حملت عنوان "فلسفة العقل والإيمان عند أغسطينوس والغزالي"، وأشرف عليها أ. د. سلمان البدور، أمام لجنة المناقشة المؤلفة من أ. د. عزمي طه السيد (عضوًا خارجيًا)، ود. توفيق شومر (عضوًا داخليًا)، ود. عامر شطارة (عضوًا داخليًا).

وأشار نفاع في أطروحته إلى أنها تُقدّم "أحد أبرز أعلام التراث الإنساني، وهما أوغسطينوس والغزاليّ، اللذين قامت أفكارهما بناء على رؤيتيهما للعقل والإيمان ولعمق العلاقة بينهما، كما أنّهما شكّلا علامة فارقة في تاريخ الفكر الدينيّ، المسيحيّ والإسلاميّ، وتاريخ الفكر الفلسفيّ، خاصة في قضايا المعرفة والسبيل للوصول إلى الحقيقة، وقضية اليقين وما يقابلها أي الشك".

وفيما يلي ملخص ما جاء في الدراسة البحثية للدكتور رامي نفاع:

بسم الذي به كان كل شيء، وبدونه ما كان شيء مما كان

شغل البحث في طبيعة العلاقة بين العقل والإيمان مكانة كبيرة بين الفلاسفة واللاهوتيين وعلماء الكلام على مر العصور، ونكاد نجزم أن فهم هذه العلاقة يمثل مدخلاً رئيساً لفهم الإنسان، كما أن موقفنا منها يُعد أهم موجهات الحياة الإنسانية سواء على الصعيد الجمعي أو على الصعيد الفردي.

وكما تجلى للدارسين والباحثين أن علم اللاهوت وعلم الكلام، سعيا وعلى مر العصور لخلق نوع من التناغم والإندماج بين العقل والإيمان، فظهر الحديث عن إيمان عاقل وعقل مؤمن. كما أنهما خاضا طريقاً طويلاً في طور محاولاتهما لتقديم الإيمان وفق منظومة عقلية قادرة على تسويغ العقائد والإيمان بها. وفي سبيل تحقيق ذلك تم تسخير الفلسفة لتشكل الحصن المنيع الذي تم بناؤه لحماية الإيمان.

وعلى الرغم من الادعاء القائل بأن تقديم الإيمان ضمن قوالب عقلية ما هو إلا إسقاط وتطويع للعقل وتوظيف له خارج ميدانه، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل عن أن العقل لا يقبل التناقض الذاتي، وبالتالي لا يمكن تطويعه في غير ميدانه. فاستخدام العقل لصياغة أو تقديم الإيمان والدفاع عن العقيدة أولاً واستخدام العقل بشكل عام ثانياً يجب أن يكون استخدامًا حرًا وغير موجه، وبالمثل يجب أن يكون الإيمان حرًا، لأنه لا يكون إيمانًا بالقسر ولا تعقلا بالجبر. وانطلاقاً ممّا سبق، أيّ من هذا التقاطع بين الديّن والفلسفة بات بالإمكان الحديث عن فلسفة مسيحيّة وفلسفة إسلاميّة. وتجدر الإشارة أنّ بذور هذه الفلسفات ترتبط بنشأة الدّين نفسه.

وتُقدّم هذه الدراسة أحد أبرز أعلام التراث الإنسانيّ وهما القدّيس أوغسطين وحجّة الإسلام أبو حامد الغزاليّ. اللذين قامت أفكارهما بناء على رؤيتيهما للعقل والإيمان ولعمق العلاقة بينهما، كما أنّهما شكّلا علامة فارقة في تاريخ الفكر الدينيّ، المسيحيّ والإسلاميّ، وتاريخ الفكر الفلسفيّ، خاصة في قضايا المعرفة والسبيل للوصول إلى الحقيقة، وقضية اليقين وما يقابلها أي الشك، كذلك تمييزهما لدرجات المعرفة وربط المعرفة بالعقل والايمان وبيان دور الله في المعرفة، وفي الوجود، ويرى الباحث أن لكل منهما فلسفة تقوم على أسس إشراقية يمكن من خلالها إعادة بناء الموقف تجاه العديد من القضايا المعرفية والإيمانية وكذلك الوجودية.

فقد شكّل كلّ من اوغسطين والغزاليّ حالة من الوعي الدينيّ والفلسفيّ عبّرا من خلالها عن أعمق صراعات الإنسان ومخاوفه وحاولا الإجابة على أكثر الأسئلة المعرفيّة والوجوديّة إلحاحاً على الإنسان. ولا يفوتنا أنْ نذكر أنهّما تشابها في نمط أو أسلوب حياة امتاز بالانفتاح الدائم نحو المعارف والبحث، ولا أدلّ على ذلك من التقلّبات الفكريّة التي مرّا بها، حيث تنقلّ كلّ منهما في عدد من المذاهب الفكريّة على الصعيد الفلسفيّ وما رافقه من انعكاس على الصعيد الدينيّ والذي تجلىّ عند أوغسطين باعتناقه المسيحيّة بعد تنقلّه بين الرواقيّة والمانويّة والأفلاطونيّة، وعند الغزاليّ بكونه مُعلّما ومتكلّما ثُمّ مُتصوّفاً.

وقد شكلّ هذا التنوّع الكبير الذي عاشه كلّ منهما عاملاً مهما في اتّساع رؤيته وشموليّة معالجته وغزارة تأليفه، فقد كان لوضوح الغاية وأهمية الدوافع التي شكلت باعثاً على التأليف دور في سعي كلّ منهما لتقديم قضيته والدفاع عنها أمام المُعارضين سواء من الأمميين في حالة أوغسطين أو الفلاسفة في حالة الغزالي.

وبالطبع، ما كان لموقف أوغسطين أو الغزالي من العقل أو الإيمان أن يخرج عن اتساقه مع المنظومة الفكرية أو الإطار المعرفي الذي يتبناه كل منهما، ولهذا فكان البحث في جدلية العقلي والإيماني من خلال الانطلاق من النص المقدس أمرا ضروريا، في طريق البحث عن طبيعة هذه العلاقة. وهذا يقودنا إلى البحث في الإنسان نفسه، إذ أن النص لا يُقرأ أو يفهم من تلقاء نفسه بل هو يُقرأ ويفهم من قبل الموجود العاقل، وهذه القراءة وهذا الفهم يتباينان بحسب المكونات المعرفية والحضارية التي تكون الأدوات العقلية عند هذا الموجود العاقل، ونتيجة لذلك فقد عمدت الدراسة إلى الانطلاق في البحث عن طبيعة العلاقة بين العقلي والإيماني من خلال هذه المحاور الثلاثة، أي النص المقدس والذات الإنسانية وفلسفة الدين.

إنّ العلاقة بين العقل والإيمان علاقة عضويّة ومتداخلة على أكثر من صعيد وفي أكثر من جانب، وستساهم معرفتنا بذلك في إدراك عمق وتجذّر الارتباط بين المفهومين في فهم وتأويل المعارف التي بُنيت على أساسهما. وبهذا يكون من الممكن إعادة تشكيل معارفنا ووعينا وفقاً للموقف أو للفهم الجديد الذي يتشكل، والإفادة منه في تأسيس أنساق معرفيّة مواكبة لعصرها ومستجيبة لتحدياته وطروحاته.

وإنّ الباحث ليرى أنّ هذا الجموح في الادعاء من قبل الحركات التي تدعي امتلاكها ناصية الحقيقة الدينية والسلطة لتفسير معاني نصوصه لا بل واحتكارها، ما كان لها أنْ تحظى بهذه الفرصة لو كان عقل المتلقي قد خاض غمار الفلسفة والمنطق وما يصاحبهما من إدراك للمعارف وملكات النقد والتحليل، فلا يمكن أن يُبنى الحق على الباطل. وعلى الرغم مّما توحي به النظرة الأولى من أنْ الدين والفلسفة يمثّلان عالمين متباينين لا تداخل بينهما، خاصّة وأنّ الاختلاف بينهما على صعيد المنهج على الأقل، واضح وجليّ. ففي حين يقدّم الدّين إجابات، تقدم الفلسفة الأسئلة، إلا إنّ هذا التباين لو دققنا النظر فيه من خلال البحث في أعماق البنى المكونة للنسق الدينيّ والنسق الفلسفيّ، لوجدنا نقاط تلاقي كما سنجد نقاط تباعد بالطبع.

وأشير هنا إلى أنه من أوضح سمات القرآن التي أثارت انتباه الدارسين هي الإشادة بالعقل وبأنه يرد باعتباره فعل العقل ويدلّ على عملية الإدراك والتفكير والفهم والنظر والتأمّل والاستنباط والتعلّم لدي الإنسان. ولنا في قضية التنزيه والتجسيد اللتين وجدتا من يُدافع عنهما وينظر إليهما مثالاً ملائماً لإعمال العقل في النص الدينيّ وتجاوز الدلالة الحرفية في بعض الآيات التي اعتمد عليها المنزهة أو المجسّدة. حيث لم يكن بالإمكان التطرّق لمثل هذه القضايا وغيرها من قضايا علم الكلام أو اللاهوت، دون الاتكاء على النصّ المقدّس. وقد كان ذلك سبب اختلاف مواقف الفِرق الإسلاميّة من قدرية وجبرية أو مجسّدة ومشبهة أو معتزلة أو غيرها تجاه مسائل علم الكلام، ولكل هذه الفِرق مفكروها الذين كانوا على درجة عالية من إعمال العقل في النص المقدس وتأويله. ويلاحظ أنّ النصّ المقدّس الإسلاميّ والمسيحيّ لا يعول على العقل في جانبه "النظريّ" فقط أيْ المقتصر على النظر والإدراك والتعقلّ، بل يدعو للانتقال للعقل "العملي" أي الممارسة والتطبيق، وهذا التطبيق يكون على عدّة أصعدة منها علاقة الإنسان مع الله، ومع الاخرين أي الجماعة الإنسانية أو المجتمع الذي يعيش فيه ويتفاعل مع أفراده، ثم إنّ هذا العقل "العملي" يتم إعماله في النص المقدس. والذي يُفترض أنّه موضوع للإيمان، وبهذا يمكن القول أنّ الإيمان يستدعي العقل ويؤكد أهميته في الجانب النظري التأسيسي، وفي الجانب العملي جعل الإيمان نفسه موضوعاً لإعمال العقل.

أما عن علاقة الفلسفة بالدين، فإنه وانطلاقاً من وعينا المتجذر في عمق التاريخ الانسانيّ وما يرتبط به من حضور الفكر الدينيّ ووقوفاً منا على تلاحم الأساس البنيويّ الذي تنطلق منه الديانتان المسيحية والإسلامية باعتبارهما رسالتان سماويتان، كثيراً ما يكون السؤال حول علاقة الفلسفة بالدّين سؤالاً إشكالياً ومثيراً للجدل، وبرأيي فإنّ هذا أمرٌ طبيعيّ، فالسؤال الفلسفيّ هو سؤال إشكاليّ ومثير للجدل وكذلك السؤال الديني هو سؤال إشكالي ومثير للجدل، فكيف إذا ما اجتمعا في سؤال فلسفة الدّين؟

لقد ساد اعتقاد أنّ الغرض من ربط الفلسفة بالديّن هو تشويه الدين، ويقال أيضاً بأنّ البحث الفلسفيّ في الدّين يُعد خروجاً للفلسفة عن دورها ونطاق بحثها، وكأننا نستطيع من حيث المبدأ الاتفاق على تعريف جامع مانع نحدد من خلاله دور الفلسفة ونطاق عملها والدين ونطاق عمله. فالدارس والباحث في الفلسفة يدرك تماماً مدى اتساع دورها ودائرة اهتماماتها، فهي ترتبط بعلاقات متبادلة لربما مع كل الحقول المعرفية، وهذه العلاقات الوثيقة لا تقتصر على الجانب المعرفيّ، بل والجانب الوجوديّ والأخلاقيّ، فسواء كان البحث يرتبط بالموضوع باستقلاله المطلق عن الذات، أو كان يرتبط بالذات باستقلالها عن الموضوع، فإنها في المحصلة تبحث في طبيعة التفاعل بين الذات والموضوع.

يشكّل الإطار المرجعيّ للمعرفة الباب الأهمّ الذي يجب دراسته لأنّ تحديد هذا الإطار من شأنه أنْ يحدّد نوع وطبيعة المعارف المقبولة، وماهية الأسئلة التي يطرحها، ومنهج الإجابة عليها، ودرجة التسليم بدقة وصلاحية وديمومة هذه الإجابة. فما كان متوافقا من الإجابة مع المرجعية يتم تبنيه وما كان مخالفا لها يتم تركه. وقد شكل الإطار المرجعي إشكالية قديمة في نظرية المعرفة، ولم يكن أوغسطين أو الغزالي بمعزل عن هذه الإشكالية، ولم يكونا أيضا بمعزل عن السؤال حول المعرفة وابتغاء الحقيقة، وحاول كلّ منهما أن يقدم منهجا يمكن من خلاله حسب وجهة نظره إصابة الحقيقة وتحصيل معرفة يقينية. وقام البحث في المنهج المؤدّي إلى الحقيقة عند كلّ منهما إلى أسئلة وعلاقات جديدة أدّت إلى البحث في العلاقة بين العقل وتحصيل المعرفة، كما تَمّ طرح السؤال حول طرائق التفكير المتّبعة سعيا في الوصول للمعرفة، هل هي صحيحة أم لا؟ وهل يمكن أنْ يكون هناك قواعد للتفكير؟ ويرتبط بالسؤال المعرفي عندهما عدد من الأسئلة على شاكلة، كيف تتأتى المعرفة للإنسان؟ وهل للمعرفة مصدر واحد أو عدّة مصادر؟ وإذا كان لها عدّة مصادر فهل هناك مفاضلة بينها أمْ أنّها كلها متساوية؟ وهل هناك حدود للمعرفة؟ وما هو معيار الحقيقة؟

خالط نظرية المعرفة مفهوما الشكّ واليقين، وهما يمثّلان مرحلتين مهمتين عند أوغسطين والغزالي اللذين بدأَ بالشكّ وبه انتقلا إلى اليقين. ولربما كان هذا الانتقال بمثابة طريق سلكه العديد مِن المفكّرين والفلاسفة، فلقد كان للربط بين المعرفة والإدراك الحسيّ أثر سلبيّ على تحقق المعرفة، لما في الحواس من تباين ونسبية سواء تجاه الموضوع المدرَك أو عند المدرِك نفسه، مما ترتّب عليه التوجّه نحو الاعتقاد بعدم وجود حقيقة مطلقة إذ أنّ المطلق صفة ترتبط بالثبات وهو ما لا يمكن توفّره في المعطى الحسّي سواء من حيث المدرَك أو على جانب المدرِك.

وتتضح البداية التأسيسية لقضية المعرفة في فكر أوغسطين من خلال سعيه إلى البحث في إمكانية المعرفة من حيث المبدأ، ثم البحث في الشروط التي تجعل من المعرفة ممكّنة، وهو يهدف بهذا ليس التأسيس لشروط المعرفة وبيان إمكانيتها فقط، وإنّما هدفه الأهم تأسيس منهج يمكن من خلاله القيام بالبحث المعرفيّ في شتى القضايا على تنوعها واختلافها.

لقد ساهم تأثر أوغسطين بالأفلاطونية في مصالحته مع الفكر المسيحيّ، حيث كان لترابط النسق المسيحيّ دور في إقناعه بأنّ هذه المنظومة وإن كانت دينية يمكن قبولها وفق أسس عقلية، ولو بشكل مبدئيّ على الأقل لحين التبيّن منها وأخذ موقف بقبولها أو رفضها، ويرى الباحث هنا أن أوغسطين قد ميّز بين مستويين من العقل، مستوى أول يوجد عند الإنسان قبل الإيمان ومستوى ثاني يتكون بعد الإيمان. وقد ميز بين وظيفة أو دور كل من المستويين، فجعل الأول له دور تمهيدي أو أوليّ يستطيع الإنسان من خلاله تقييم المنظومة الدينية أو الإيمانية التي تُعرَض عليه ومدى قابليتها للتصديق أو قبولها ولو بشكل أولي. ثمّ المستوى الثاني والذي يتكوّن بعد أن يقبل العقل الإيمان، وكأنّ لسان حاله يقول أنّ هناك نوعين من العقل: عقل طبيعيّ إنسانيّ وهو العقل الذي يسبق الإيمان وعقل ثاني هو عقل فوق طبيعيّ أو عقل إلهيّ وهو الذي يتحقّق بعد الإيمان.

ويتجلّى العقل عند الغزالي بإعماله له في رده على الفلاسفة، إذ نرى العقل في مواجهة العقل، وهذا ما يجب تأكيده فالقضية ليست مواجهة بين متكلم وفيلسوف، فالغزالي متكلم وفي ذات الوقت صوفي ولا شك أنه فيلسوف أيضاً.

ويميز الغزالي بين الحقائق العقلية وما يرتبط بها من علوم تمتاز بأنها كلية وضرورية ثم يقسمها إلى علوم عقلية وعلوم شرعية، ويبين سبل تحصيلها ويربط كل علم بمستوى مختلف من اليقين أيضاً، ونجد عند أوغسطين تميز يقارب ما ذهب إليه الغزالي أعلاه، حيث فرق بين عالمين: عالم حسيّ وعالم عقليّ، وهو ما يوازي العلوم التجريبية والعلوم العقلية عند الغزاليّ. وذهب أيضاً إلى التميز بين الإيمان والعلم أي ما يقابل طريق الوحي والإلهام وطريق الاعتبار والاستبصار عند أبي حامد.

لقد شكل تحصيل السعادة هاجسا عند الإنسان منذ القِدم وحتى يومنا هذا، وهومن أقدم وأكثر المفاهيم التي احتلت مكانة كبيرة على صعيد السؤال والبحث الفلسفي، كما أنه من أكثر المفاهيم تشابكا مع النظم المعرفية المختلفة، مثل الفلسفة والدين والاقتصاد وحتى السياسة. ففي حين تجلّى السؤال عن السعادة في الفلسفة على شكل سؤال عن الخير الأسمى وكيفية البحث في سُبل تحصيله، تجلت السعادة في النظام الديني باعتبارها حالة وجدانية يستحقها أو يصل إليها المؤمن نتيجة التزامه بالأوامر والضوابط الإلهية التي فرضت من خلال المنظومة الدينية في هذا الدّين أو ذاك. وهذا ما عبّر عنه أوغسطين حين رأى: "أن المؤمنين الذين يعيشون في البر والتقوى على رجاء الحياة الأبدية هم من يسمّون بالسعداء". ويتفق الغزاليّ مع أوغسطين بالقول إنّ الله مصدر السعادة، حيث اعتبر "السعادة هي قرب العبد من الله.

وذلك يتجلى بقوله: "إعلم: أن العلم والعمل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما". ويرتبط الإيمان بتجربة عاطفية ووجدانية تقوم على الشوق لله والسعي للقرب منه وهذا يقود للطمأنينة التي هي ضرب من ضروب السعادة ايضا، ولهذا كان الدين هو السبيل للسعادة.

وفي هذا المقام يمكن تقديم بعض أهم النتائج التي خلُصت إليها الدراسة بالقول:

أولاً: إنّ العلاقة بين العقل والإيمان هي علاقة متجذرة ومؤسسة على النصّ المقدس.

ثانياً: إنّ أوغسطين والغزاليّ يحدّدان الوسائل التي من خلالها يمكن تحصيل المعرفة، ويميّزان بين كلّ وسيلة ونوع العلم أو العلوم التي يمكن تحصيلها من خلالها، وبهذا يكون التنوع في استخدام هذه الوسائل يقود إلى تنوّع العلوم والمعارف التي يحصلها الإنسان.

ثالثاً: مرّ كلّ من أوغسطين والغزاليّ بنزعة شكيّة تحوّلت إلى منهج يصبو لتحصيل العلوم وبناء المعارف التي لا يمكن الشك فيها، كما ميّز كلّ منهما بين الشكّ المُطلق والشك المنهجيّ.

رابعاً: يُقر كلّ من أوغسطين والغزاليّ بوجود الحقيقة، وقد بحثا في سبل تحصيلها وبينا ما هي السمات التي يجب توافرها في المعرفة حتى تُعدّ حقيقة.

خامساً: نتيجة تسليم أوغسطين والغزالي بإمكان لوصول إلى الحقيقة ارتبط بذلك مفهوم اليقين ذلك أنّه شرط ضروري يجب توافره في المعارف التي ندعي أنّها حقيقية، وقد ميّزا بين اليقين على صعيد المعارف الصوفية أو الدينية بشكل خاص، وبين اليقين في المعارف الفلسفية او العلمية.

سادساً: شكل النور مفهوماً محورياً في منهج كل من أوغسطين والغزاليّ خاصة في فلسفتهما الإشراقية، وله دور في تحصيل المعارف اليقينية التي يجدها الإنسان في نفسه، وقد عبر أوغسطين عن هذا النور بوصفه بالمعلم الداخلي، وعبّر عنه الغزالي بوصفه نور يلقى في القلب.

سابعاً: إنّ الإنسان يبحث عن السعادة، وأنّ تحقيق هذه السعادة يتم من خلال طرق مختلفة، ولهذا كان هناك أنواع مختلفة من السعادة. وهنا يميّز أوغسطين والغزاليّ بين السعادة المؤقتة والسعادة الدائمة والحقيقية، ويعود هذا التميّيز إلى مصدر هذه السعادة أو تلك، فالموجود الزائل لا يمكن أنْ يمنح سعادة أبدية، ولهذا كان الله هو مصدر السعادة الدائمة والحقيقية.

للمزيد من الصور:
https://www.facebook.com/pg/www.abouna.org/photos/?tab=album&album_id=2…