موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
رافي سايغ يكتب من سورية: ’الكنيسة بين الكلام والواقع‘

القامشلي - رافي سايغ :

"تكون الكنيسة حيَة فعلاً إن كانت أم ومرسلة تخرج للقاء القريب". كم علينا اليوم نحن كمسيحيين أن نقف ونتأمل بهذه الكلمات التي قالها قداسة البابا فرنسيس. حيث لا يمكننا القول أن هذا الكلام لا يخصنا كأفراد ونكتفي بالإشارة إلى أن المقصود هم الأساقفة والكهنة، ولكن على العكس الكلام يشملنا جميعًا، لأن الكنيسة تتألف منا سويًا، وكما لكل فرد دور بالمجتمع، كذلك لنا دور بالكنيسة.

عبر سنوات المسيحية كلها منذ بدايات الكنيسة الاولى وإلى اليوم لم تعرف المسيحية سلام دائم! حروب واضطهادات وقتل وتهجير والكنيسة بقيت، وهذا يمنحنا عزاء لما نعيشه اليوم من حروب وخوف على حضورنا ويضيف قيمة على أن الكنيسة ليست فقط حجارة ومحصورة بالمعنى المادي. فإذا دمرت كنيسة هناأاو هناك لم تنهي الكنيسة ومعها نحن، بل هنالك رسالة نحملها بمجرد أننا حاضرون بهذا العالم.

"الكنيسة أم"

ولنفهم أكثر رسالتنا علينا ان نتعمق بهذه الجملة: ما معنى أن تكون الكنيسة أم؟

إن علاقة المؤمن مع الكنيسة هي مثل علاقة الأم وأبنائها، فكما اللأم تمنح الحياة لأطفالها بالولادة، كذلك الكنيسة تمنح المؤمن الحياة سواء بالأسرار أو بالمتابعة الروحية. لا حياة من دون أم، ولا كنيسة من دون مؤمنين. على رعاة الكنيسة الالتزام بهذا المبدأ الصريح والواضح، وكما الأم تحتضن أبنائها كذلك يتوجب على الكنيسة أن تجمع كل أبنائها وتقف إلى جانبهم، فقراء أو أغنياء، صالحين أو خاطئين، فالأم تجمع ولا تفرق وكذلك الكنيسة. على رعاة الكنيسة ألا يتوقفوا عن جمع جمهور المؤمنين فالراعي الصالح هو الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه.

الكنيسة أم.. إن مبادرة اللقاء لا تلقى فقط على كاهل الرعاة بل هنالك دور على الرعية أن تقوم به وتبادر هي باللقاء. وهذا يعني تحدي كل الظروف القاسية التي تواجه الرعايا وتتمثل بهموم ومشاكل كنسيه عديدة قد تتطور إلى اتخاذ قرار الابتعاد عن الكنيسة ومقاطعتها بسبب أفعال من قبل الرعاة وهنا يتوجب علينا أن نتخطى كل هذا والقبول بضعف الأسقف أو الكاهن، ولا بد أيضًا من الفصل بين راعي يستطيع أن يعمل ولا يدري كيف، وبين راعي يستطيع أن يخدم رعيته ولكن لا يفعل أي شيء ولا يتخذ أي مبادرة للقاء الرعية، وتوظيف كل ما لديه لخدمتهم. وهنا على الراعي ان يدرك ان ما اعطي له هو بفضل هذه الرعية.

قبول الراعي الضعيف: يعني كما أن الله قبلنا وقبل ضعفنا البشري واحبنا وجعلنا أبناء له علينا أن نحتضن رعاتنا ونكمل معهم رسالة الكنيسة. فالمحبة لا تعرف ضعفا بل تعرف ان كل انسان هو على صورة الله ومثاله.

"كنيسة مرسلة تخرج للقاء القريب"

لا يمكننا القول أن الدور انتهى بمجرد تحقيق علاقة بين الكنيسة والشعب بل علينا أن نستمر بالرسالة ونسمو بها وهل يوجد اسمى من لقاء القريب؟

ومن هو القريب لنا؟

هو كل إنسان يعيش معنا على هذه الأرض، ونتقاسم معه خيرات الطبيعة، ومن يتألم ويفرح معنا. المسيح حمل رسالته للشعوب كلها ولم يتوقف عند حدود بيت لحم أو الناصرة، بل جال على كل المدن والقرى ليعلن رسالة بشرى الخلاص.

الكنيسة هي نحن ونحن لسنا سوى ذاك الانعكاس النوراني لرسالة يسوع. علينا دومًا أن نشرّع الأبواب للقاء القريب، وكل كنيسة اليوم مدعوة للانفتاح على الآخرين وتحقيق دور يساهم بترسيخ السلام.

الكنيسة تسطع خلال الحروب: فعندما نشعر بالخوف نلتمس السلام الداخلي من المسيح، وسط نيران المدافع حولنا، كذلك الكنيسة عليها أن تكون مصدر للسلام لجميع البشر دون استثناء، بالمساعدة وتقديم يد العون لكل متألم ونازح وجائع وعطشان، فمن يعزي المسيح المتألم بالآخرين؟

لنتحدّ مع الكنيسة لنكون نحن هذا العزاء للعالم المتألم، إن دعوة بلسمة جراح الآخرين يجب أن تتلقاها كنائس المشرق بشكل خاص وتعمل على تحقيقها، فمن هذه الأرض الطيبة انطلق معلمنا للبشرية كلها بالسلام والمحبة.

فلكل نهر منبع، ينبع منه، ويشق طريقه بالأرض، ويروي الزروع، وتنمو وتثمر، فإذا جفّ المنبع زال النهر، وهذا هو حال كنائس المشرق؛ عليها أن تبقى مع كل المؤمنين نبعًا لا ينضب، بنشر المحبة والسلام لكل الشعوب.