موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢ يونيو / حزيران ٢٠١٩
رئيس أبرشية الموصل للكلدان: بناء الفكر أولا قبل بناء الحجر

يورو نيوز :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">بدأت عشرات العائلات المسيحية العراقية التي هاجرت منازلها قبيل سنوات، إبان سيطرة تنظيم داعش على الموصل بالعودة إلى سهل نينوى، ولكن ليس إلى ديارها المدمرة في الموصل.</span></p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;">يورونيوز التقت في مدينة ليون الفرنسية المطران ميخائيل نجيب ميخائيل رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة للكلدان، وتربط أبرشية ليون وكنيستها شراكة مع نظيرتها في الموصل، فكان الحوار التالي الذي تطرق فيه المطران ميخائيل إلى ما تعرضت له المدينة، وأهلها من المسيحيين خاصة من دمار واضطهاد، على يد التنظيم المتطرف.</span></p><p dir="RTL"><strong>المطران نجيب ميخائيل رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة للكلدان اهلا بك. كيف تركت الموصل، حدثنا عن حال الموصل اليوم؟</strong></p><p dir="RTL">في الحقيقة داعش ليس من خارج عالمنا، هو ولد في هذا العالم انطلاقا من بعض الحركات الأصولية، التي أرادت أن تؤذي وتدمر هذه الوحدة التي كانت موجودة في الموصل أو في سهل نينوى وسورية في الآن نفسه. فقد كان الموصل مكانا للتعايش، رغم المصاعب التي كانت تواجهها الأقليات الدينية، مثل الإيزيدية والمسيحية والكاكية والصابئة المندانيين، فكل هذه المجموعات الأصيلة في وادي الرافدين في الموصل اضطهدت من التنظيم المتطرف، الذي أراد أن يفرض فكرا أحاديا، فبيوتنا وكنائسنا وأديرتنا يعود قسم منها إلى القرن الخامس والسادس ميلادي نراها مدمرة بشكل كامل، وهذا شيء محزن جدا وخسارة كبيرة للتراث، ليس للمسيحيين فقط بل ولإخواننا المسلمين في الموصل، والذين تأسفوا وهم يشاهدون تدميرا لتراث إنساني وحضاري.</p><p dir="RTL"><strong>كم هو عدد المسيحيين الذين بقوا في العراق، مقارنة بالفترة التي سبقت دخول داعش إلى الموصل؟</strong></p><p dir="RTL">منذ سقوط نظام صدام حسين سنة 2003، الذي استعملت ضده جميع الوسائل حتى يزال تماما، وضع محله أناس آخرون غير قادرين على إدارة العراق الذي نرى ما حل به. كما نرى انعداما للقوة والإرادة والحكمة في إدارة شؤون العراق بكل مكوناته، بما فيها الأقليات وتنوعه الديني والطائفي والإثني، وكل هذا كان غنى عالميا رائعا وكبيرا، وبلاد الرافدين كانت معروفة بحضارتها ولغتها وتنوعها الاثني.</p><p dir="RTL">لقد كان عددنا زمن صدام حسين يقارب مليون ونصف المليون نسمة، واليوم بعد أن شاهدنا قدوم داعش الذي ألحق الأذى بسوريا والعراق وألحق الأذى أيضا بأوروبا، والذي يعبر عن هذا الفكر المتطرف، فإن أعدادنا أضحت تتراوح بين 300 و350 ألف نسمة، أي أن الثلث تقريبا تركوا البلاد بسبب العنف، والثلث الآخر لجأ إلى البلدان المجاورة للعراق، والثلث الأقل هو الذي بقي في العراق.</p><p dir="RTL"><strong>أي دور للحكومة العراقية في الوقوف مع مواطنيها، مع مسيحيي العراق وبقية الطوائف اليوم؟</strong></p><p dir="RTL">كأي حكومة في العالم ينبغي على الحكومة العراقية أن تحل الأمن والسلام، وذلك من خلال الدستور وليس من خلال الأشخاص، ولكن عندما يكون دين الدولة الرسمي ديانة معينة على حساب الديانات الأخرى، وإن كانت تسبقها تاريخيا، فهذا ظلم واستبداد بحق هذه الأقليات، فدور الحكومة اليوم هي أن تفرض العدالة والمساواة بين المواطنين، لا ينبغي أن تنتهك حقوقي لمجرد أنني مسلم أو مسيحي أو يهودي أو غير مؤمن أساسا. اليوم هناك نوع من الاستبداد الطائفي والاثني، وهناك تناحر موجود بسبب وجود تباين فكري. فالمواطنة ينبغي أن تكون لها الأولوية إلى جانب الجدراة بما يحمله الإنسان من طاقات، أي أن يخدم البلد ويطوره.</p><p dir="RTL"><strong>هل يحمل المسلمون وزر ما حصل بحق الطوائف في العراق خلال السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة بحق المسيحيين؟</strong></p><p dir="RTL">كلا، لأنني أعتقد أن الحكومات بشكل عام أو الديانة القوية التي تحمل قوة السلاح وقوة الحكم، ينبغي أن ترسي العدالة بين المواطنين وتحمي الضعيف، المسيحيون ليسوا ضعفاء ولكنهم مسالمون، ولا نريد أن نحمل السلاح ضد عدونا.</p><p dir="RTL"><strong>لو تحدثنا عن تجربتك في الموصل عندما دخلها التنظيم المتطرف، كيف عشت تلك الفترة؟</strong></p><p dir="RTL">لقد كانت تجربة جد قاسية ومؤلمة، دعني أقول في البداية أن أهالي الموصل رحبوا بالجموع التي أتت قبل أن يستخدموا العنف والسلاح (يشير بالجموع إلى تنيظم الدولة الإسلامية)، والذين كانوا يحكمون الموصل فروا، إذ تم استقبال الجموع بالتهليل، لكن أهل الموصل المسلمين خاصة اكتشفوا بعد فترة أنه ليس هذا ما كانوا يبحثون عنه، بعد أن شاهدوا العنف الذي مارسته هذه الجموع ضد الإسلام نفسه في ظرف شهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر، فتنظيم داعش لم يؤذ الإيزيديين والمسيحيين فقط، وإنما ألحق الأذى بباقي الطوائف من سنة وشيعة وأقليات أخرى.</p><p dir="RTL">واليوم التطرف هو مشكلة عالمية، فأن يفرض الفكر المتطرف رأيا واحدا وفكرة واحدة على الباقين حتى ولو كانوا من معتنقي الدين الواحد، فهذا شيء مخجل ولا يمكن القبول به. اليوم نبحث عن القواسم المشتركة بين البشر وما يوحدهم، لكي ننهض بعالمنا، فالشجرة تعرف من ثمارها فماذا أعطيتم لعالمنا، إذا قلنا أننا نحن خير أمة، (أهلا وسهلا) جيد جدا ولكن بماذا خدمنا العالم، هل اكلنا بعضنا بعض أو خدمنا من خلال الاختراع أو تقديم خدمات طبية وإنسانية وبشرية.</p><p dir="RTL">أنا أعيش في الموصل وأنا من مواليدها وأحب هذه المدينة، وإلى أن بلغ عمري فيها 24 سنة لم نكن نشعر بالفوارق بأن هذا مسيحي وهذا مسلم، فكل واحد له ديانته، الدين لله والوطن للجميع.</p><p dir="RTL"><strong>تم اليوم دحر داعش، لكن هل تعتقد أن التهديد ما زال موجودا في العراق؟</strong></p><p dir="RTL">داعش دحر عسكريا، لكنه لا زال حيا فكريا، ونعرف بأن هذا التنظيم هيأ عشرات الآلاف من الأطفال وغسل ادمغتهم لكي يكونوا أشبال المستقبل، فإذا كنا نريد أن يدحر داعش فكريا فينبغي أن نعتمد على الثقافة، ونهتم بأجيال المستقبل منذ الطفولة نزرع في فكرهم العدالة والمحبة والسلام والتعايش المشترك... وأملي أن نبدا ثقافة جديدة بمحاربة الفكر أوالخطاب المتطرف.</p><p dir="RTL"><strong>اليوم ما وضع إعادة إعمار الأبرشيات، ومن يتحمل مسؤولية إعادة إعمارها؟</strong></p><p dir="RTL">المسؤولية الأولى تعود قطعا للدولة التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مساعدة الأقليات وإعادة بناء بيوت الله، وبشكل خاص الكنائس وبعض المزارات العائدة للايزيدة التي دمرت بشكل كامل، وأنا في أبرشيتي هناك 14 وأكثر من 5 أديرة قديمة كلها نهبت ودمرت، المسؤول هو طبعا الدولة، عندما لا تعرف كيف تحمي أبناءها، ولكن هي مسؤولية دولية أيضا، وأن يتضامن العالم من أن أجل النهضة ببناء الفكر أولا قبل بناء الحجر.</p><p dir="RTL"><strong>الحديث عن الجانب الثقافي يقودنا إلى كتاب ألفته قبل سنتين تحت عنوان: &quot;إنقاذ التراث والناس&quot; وتطرقت فيه إلى إنقاذ آلاف المخطوطات القديمة التي هي إرث ثمين للعراق، عندما كانت المدينة تحت وطأة داعش؟</strong></p><p dir="RTL">شعرت بأن هناك خطر كبير على الانسان وعلى التراث ومن هنا يأتي عنوان الكتاب: كيف ننقذ التراث والبشر في آن واحد، والكتاب ترجم إلى العربية وسينشر قريبا.</p><p dir="RTL">فنحن لا يمكننا أن ننقذ شجرة دون أن ننقذ جذورها، والانسان متحد كليا مع التاريخ وجذورنا في بلاد الرافدين عريقة جدا. فعندما شعرت بالخطر وقبل عشرة أيام من دخول داعش إلى سهل نينوى، استطعت أن أنقذ آلاف المخطوطات ووضعها في حافلة كبيرة، وإرسالها نحو منطقة كردستان. وتتضمن المخطوطات وثائق ومراسلات مهمة وهي في مكان آمن، وهي تراث عالمي وليس مسيحيا فقط إذ توجد من بينه كتابات ومخطوطات إسلامية ويزيدية ومندائية، وهو اليوم في أمان وقد بدأنا في رقمنته.</p><p dir="RTL"><strong>هذا التراث هو موجود الآن في كردستان العراق، ما مصيره لاحقا.</strong></p><p dir="RTL">الله أعلم، لكننا نعلم بأنه في أمان، وكل ما علينا هو الاتكال على الله، منك حركة ومني بركة، فالله يبارك من يتحرك ومن يعمل ومن يريد أن يخدم البشر. التراث يجمعنا، فلغة الثقافة والفن هي التي تجمع البشرية اليوم، ونحن ينبغي أن نبحث عما يجمعنا وليس عما يفرقنا.</p><p dir="RTL"><strong>موقف الدول الغربية من مأساة مسيحيي الشرق؟</strong></p><p dir="RTL">هناك مسؤولية دولية لتتدخل لإنقاذ هذه الأقليات وحمايتها ضد الظلم المنتهك لحقوقهم، أعتقد أنه يمكن أن ننقذ الإنسان عندما ننقذ تراثه، ونحترم الإنسان كما هو، اعبد الحجر لكن لا يحق لك أن تقتلني بهذا الحجر. ليعبد الانسان ما يريد وما يشاء لكن يجب أن نكون متحدين بالبشرية</p><p dir="RTL"><strong>هذا الظلم هل هو مكرس إلى يومنا هذا؟</strong></p><p dir="RTL">نعم للأسف هناك الكثير من العقليات لا زالت جامدة وفيها الأصولية ودحر الآخر لأنه مختلف، كيف لك أن تعرف أن طفلا عمره 7 أو 8 سنوات يتهم زميله المسيحي بأنه كافر، من أين يعلم هذا الطفل كلمة الكفر؟ وعندما يتهموننا بأننا أهل الذمة، لماذا أنا من أهل الذمة؟ لماذا أكون على ذمتك أو تكون على ذمتي؟ كلنا في ذمة الله، فنحن إذن إخوة بالبشرية لا يجوز أن أرهب الآخر لأنه مختلف دينيا، وإذا أردنا أن ننقذ مستقبل البشرية فينبغي أن نساعد الطفولة واليوم هناك عقول نيرة وتقبل باختلاف الآخر. العنف وانعدام العدالة للأسف لا يزال موجودا في العراق وفي بلداننا الشرقية.</p><p dir="RTL"><strong>هل وجد من فرض عليهم اللجوء والهجرة ما يبحثون عنه في المهجر؟</strong></p><p dir="RTL">فرنسا هي أول من فتح أبوابها لاستقبال المهاجرين وعلى كل مهاجر احترام الدولة التي استقبلته. 10% ممن غادروا العراق فقط، رجعوا او يفكرون في الرجوع الى العراق، ولكن كيف لهم أن يرجعوا والسلام غير مستتب بعد، فهم يقولون لي حين ألقاهم في أوروبا والعالم بشكل عام، إذا كان هناك أمان وفرص عمل لننهض ببلدنا فنحن نرجع، ولكن حتى الآن هذا ليس في المستوى المطلوب.</p><p dir="RTL"><strong>سيادة المطران كيف ترى مستقبل مسيحيي الشرق؟</strong></p><p dir="RTL">المسيحية موجودة منذ 2000 عام في هذه المناطق التي هي مهد الحضارات والديانات مثل الزردشتية والمازدية وغيرها، وينبغي أن نعيد هذا الفكر المتباين والمتكامل، والمسيحية هناك لا ولن تموت أبدا.</p>