وأثناء استماعي له في جلسة ويحكي لي بكل ما بداخل صدره، وجدته مرة واحدة قرر أن يصمت ويبدأ في البكاء، وبعد ثواني قليلة وجدته ينفجر في وجهي قائلاً: "أنا مكنتش عاوز منه فلوس!.. أنا بس كنت عاوز تشجيعه"، كانت تلك هي جملة ذلك الشاب لي بعد بكاء طويلاً وهو يحكي عن أزمته مع والده.

في تلك الجلسة كنت قررت أن أتبع منهج "العلاج بالتتبع الزمني" لأعرف متى نشأت تلك المشكلة بنفس ذلك الشاب، فهو لم يتعدى الخامسة والعشرين تقريبًا ومازال شابًا، ولكن قلبه أصبح كأكهل في عامه التسعين، وكنت لا أعلم، هل هذا لتجارب مر بها؟، أم لماذا أصبح هكذا؟!.

وأثناء الجلسة صرت أسمع تفاصيل منذ أن كان نبتة صغيرة، طفلاً لم يتعدى الحادية عشر وكم سمع جملاً من والده ربما تكون في نظر الأب جملاً تحفيزية، ولكن في حقيقة الأمر وبالنسبة له جملاً تدميرية، فمن وهو صبي يسمع من والده عبارات من عينة "أنت فاشل" "قابلني لو نجحت" "ابقى تف على قبري لو نجحت".

وعندما انتهى من الثانوية والتحق بكلية التجارة صار يحاول أن يفتح مشروعًا له ليكسب مالاً منه، فواجه كلامًا كثيرًا سلبيًا من والده صار يحطم قلبه ويجعل عقله واقفًا عن التفكير أو التدبر في ماذا يجب أن يفعل في المشروع، وصارت حياته سلسلة من الفشل، أصبح فشلاً يجر الآخر، حتى أصبحت المحصلة صفر!

أصبح الطريق أمامه مظلمًا، لا يحمل في طياته أي بريق أو نور يستطيع أن يهتدي بظله أو حتى يحاول أن يستمر في السعي وراءه، فالنهاية معروفة ومحتومة بالنسبة له من خلال تلك الأفكار التي يدسها في عقله يوميًا والده من كلمات التحطيم والتقليل من المعنويات والقدرات وتلقيبه بالفاشل الذي لا يصلح لأي شيء! فهو فاشل، ولا يمكن الاعتماد عليه، ولا يمكن أن يكون أي شيء في أي يوم من الأيام، من وجهة نظر الأب التي يفهمها الابن من خلال الجمل التي توجه إليه من والده يوميًا.

وربما يرى الأب أن بالجمل السلبية يمكن تحفيز أبناءه، أو بالمال فقط يمكن أن يدعمهم، ولكن كل تلك الأفكار خاطئة وليس لها أي أساس من الصحة، فلا يمكن لأحد أن يسمع الكلام السلبي دون أن يتأثر، يمكن يظهر عدم اللامبالاة، ولكن صدقني تؤثر جدًا وتعلم في العقل، وأن المال وحده ليس كافيًا للدعم، فالحب أساسي كما المال للدعم، وتذكر عزيز يقول الرسول بولس "أيها الأباء لا تغيظوا أبنائكم ألا يفشلوا".