موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٢٣ يوليو / تموز ٢٠٢٠
دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات: نحو تضامن أخلاقي للقيادات الدينية
شارك المونسنيور د. خالد عكشة، أمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان،في حاضرة الفاتيكان، بدورة ثقافية افتراضية، من تنظيم الإيسيسكو. وألقى كلمة بعنوان: "دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات".
المونسنيور خالد عكشة، أمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان

المونسنيور خالد عكشة، أمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان

الأب د. خالد عكشة :

 

أيها الإخوة والأخوات،

 

من روما، ومن حاضرة الفاتيكان تحديدًا، أبعث اليكم بتحية المحبة والسلام وأماني الصحة والسكينة، باسمي ونيابة عن رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، نيافة الكاردينال ميغيل أيوزو، يرافقها الشكر على دعوة مجلسنا للمشاركة في هذا المنتدى.

 

المسيحي، كما تعلمون، لا ينتسب الى السيد المسيح فحسب، بل يعيش متحدًا به، مجتهدًا على أن يثبت في محبته. وهو يعمل كذلك جاهدًا على التمثل به، على ما أمر: "اقتدوا بي وتعلّموا مني أني وديع متواضع القلب". وفي العشاء الأخير، وبعد أن غسل أرجل تلاميذه، قال لهم: "أتعلمون ما صنعت اليكم؟ أنتم تدعونني معلمًا وربًّا وحسنًّا تقولون لأني كذلك. فإذا كنت أنا السيد والمعلّم غسلت أقدامكم، فعليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أقدام بعض". القيادة إذًا خدمة، ومثلها كلُّ مسؤولية، وتتطلّب تقديم الصالح العام على الخاص والنظر الى منفعة الغير قبل المنفعة الشخصية.

 

كما أن القائد أو المسؤول الديني أو رجل الديني المسيحي مدعو –وليس وحده– إلى أن يكون مثالاً لغيره، وأن لا يفقد مصداقيته بسلوك يناقض ما يعلّمه.

 

الحكمة وبُعد النظر واستحضار الماضي وقراءة الحاضر لاستشراف المستقبل هي أيضًا من الصفات التي يحتاج القائد والمسؤول أن يتحلّى بها.

 

وتزداد الحاجة الى قادة حكماء شجعان في وقت الأزمات على اختلاف أنواعها.

 

وجدت لزامًا عليّ، أيها الأصدقاء، أن أعرض بإيجاز شديد للرؤية المسيحية للقيادة وللمسؤولية.

 

وكوننا مؤمنين يبحثون عن المشترك -المشترك ضالّة المحاور- فهو من فضل الله كثير في هذا الصدد بين المسيحية والاسلام.

 

أشار منظمو هذا المؤتمر، إضافة إلى دور القيادات الدينية في وقت الأزمات، إلى موضوع في غاية الأهمية: ضرورة تضامن أخلاقي عالمي للقادة الدينيين. وقد تطرقت الكثير من الوثائق المشتركة الى هذا الأمر، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب في أبو ظبي في الرابع من شباط/فبراير 2019، و"وثيقة مكة المكرمة" التي أقرتها 1200 شخصية إسلامية في 30 أيار/مايو 2019، و"ميثاق حلف الفُضول الجديد" الذي أطلقه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ضمن أعمال الملتقى السنوي السادس المنعقد في أبوظبي في الفترة بين 9 و11 كانون أول/ديسمبر 2019.

 

أودّ أن أطرح هنا بعض المبادئ التي أعتقد أنها تؤسس للعمل المشترك بين القيادات الدينية على الصعيد العالمي، وقبلَه محلّيًا.

 

1) تعزيز الثقة المتبادَلة على صعيد القيادات والأفراد يقتضيها العمل المشترك في سبيل رؤية هي أيضًا مشتركة واتفاق على المبادئ وطريقة العمل وغير ذلك.

 

2) توحيد الخطاب في حضور الطرف الآخر وفي حال غيابه.

 

3) توخي مرضاة الله تعالى في هذه الحياة ومكافأته في الآخرة من وراء كل عمل نقوم به.

 

4) مدّ العون إلى الإنسان تكريمًا لإنسانيته، بصرف النظر عن عرقه ودينه ولغته وثقافته وخياراته الفكرية أو السياسية.

 

5) إغاثة الأكثر حاجة للعون، ولا حرج من إعطاء الأولوية للأخ في الدين، في حال تساوت حاجته مع غيره ممن لا ينتمون إلى الدين عينه. والأفضل تقسيم المساعدة بين الاثنين إذا أمكن، مع العمل على التنمية الشاملة والمستدامة للفقراء والمحتاجين.

 

6) الفصل بين العمل الإغاثي والبشارة أو الدعوة.

 

7) الفصل بين الدعوة أو البشارة من جهة، وبين الحوار الديني من جهة أخرى.

 

8) تربية الأجيال الشابة على قيم الرحمة والتراحم والتكاتف، انطلاقًا من المنظومة الأخلاقية والقيمية الحاضرة في كل دين٬ وتشجيعهم على العمل التطوعي.

 

9) تعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.

 

10) فتح المجال لذوي الارادة الصالحة ممن لا يعتنقون أي دين ليسهموا هم أيضًا في الأنشطة الخيرية للمؤسسات الدينية والمؤمنين.

 

من الأهمية بمكان أن أشير إلى وجود منظمة كاثوليكية عالمية حاضرة في معظم دول العالم هي "الكاريتاس" ويعني هذا اللفظ اللاتيني "المحبة"، وتمدّ يد العون لكل محتاج على قدر الإمكان.

 

ومن دواعي سروري أن أطلعكم على تأسيس دائرة "خدمة التنمية البشرية المتكاملة" من قبل البابا فرنسيس في السابع عشر من شهر آب/أغسطس عام 2016. وترحب بكم هذه الدائرة٬ ونحن كذلك، في حال زرتم روما، وذلك لتعزيز الأخوّة الانسانية والدينية التي تربطنا، ولاستطلاع العمل المشترك لما فيه مجد الله تعالى وخيرِ الانسان، كلِّ انسان، وكلِّ الانسان.