موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢ فبراير / شباط ٢٠١٩
دلالات زيارة البابا للإمارات

د. محمد السعيد إدريس :

عندما يختار قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون ملتقى للحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية، حيث سيجتمع في عاصمة الدولة كوكبة من قادة ورموز ومفكري الأديان للبحث في الجوامع المشتركة بينها من أجل تطوير أسس وقواعد الحوار والتعايش والسلام بين كافة البشر، وإحلال السلام والتسامح بين الأمم والشعوب بدلاً من الصراع الذي تغذيه جماعات ثقافية وسياسية متنوعة، فهذا الاختيار يحمل أكثر من دلالة.

أولى هذه الدلالات أنها شهادة مؤكدة وصريحة من قداسة البابا وفضيلة الإمام الأكبر أن الإمارات هي الدولة التي تجسد المعاني السامية التي يأمل المتحاورون في الملتقى الذي سوف تستضيفه الدولة (3-5 فبراير/ شباط الجاري) أن يتوصلوا إليها، فالإمارات ليست فقط مقراً لاستضافة الملتقى ولكنها، في الأساس، من تحمل رسالته وتدافع عنها، وتجعلها عنواناً ومرتكزاً لعلاقاتها وسياستها الخارجية.

وثانيتها، التعويل على الإمارات لتكون حاملة لأمانة رسائل هذا الملتقى، وأنها أهل لمثل هذه الثقة والمسؤولية، بما نجحت في إبداعه من مؤسسات ومنظمات تدافع عن التسامح وتدعو له وتربط بينه وبين الأمن والسلام وسعادة البشر.

وثالثتها، أن ما أتاحته دولة الإمارات من مناخ داخلي يجسد أرقى معاني التسامح والتعايش الآمن بين العشرات من الجنسيات المختلفة (تضم الدولة بين سكانها أكثر من 200 جنسية) التي تنتمى إلى مختلف الأديان يجعل منها أنموذجاً يستحق الترويج له بين الأمم والشعوب. فرغم كل هذا التعدد والتنوع العرقي والديني والطائفي لملايين البشر الذين يعيشون بتسامح وسلام على أرض الإمارات، لم تشهد الدولة، مثلما شهدت غيرها من الدول، أحداثاً إرهابية أو صدامات عرقية دموية، أو اضطرابات واحتجاجات كغيرها ، ما يؤهلها لحمل رسائل هذا الملتقى الحواري العالمي بين الأديان.

هذه الدلالات والمعاني لم تأت من فراغ، ولكنها محصلة لأدوار وقيم وأخلاقيات أرساها المؤسسون الكبار لهذه الدولة ، وحملها من بعدهم قادة أوفياء ساروا على درب الأخوة والتسامح وجعلوا من دولة الإمارات ليس فقط منارة للتقدم الحضاري ولكن جعلوا منها أيضاً مشعلاً يضيء للبشرية طريق السلام والأمن والاستقرار.

فدولة الإمارات كانت، ومازالت، داعمة لكل جهود التنمية الاقتصادية والإنسانية في عالمها العربي والإسلامي وفي كثير من دول العالم، انطلاقاً من إدراكها لحقيقة الارتباط بين الأمن والاستقرار من ناحية وبين التنمية والازدهار من ناحية أخرى. لم تتوان دولة الإمارات عن تقديم العون وتأسيس مرتكزات النماء والرخاء في كثير من الدول، لكنها مع ذلك كانت حريصة على بناء الدولة على قيم التسامح والتعايش الإنساني بين الثقافات والحضارات، ولذلك أسست وزارة للتسامح، واختارت عام 2019 ليكون عاماً للتسامح، وقبلها أسست وزارة للسعادة، ليكون التسامح والسعادة هما عنوان الرسالة الإنسانية لدولة الإمارات. ولم تكتف الإمارات أن تكون مرتكزاً لهذه القيم ولكنها حرصت على نشرها، وحملت رسالتها في كل العالم، ومن هنا كان دعمها لتأسيس «المجلس العالمي للتسامح» عام 2017، وهو المجلس الذي يحمل للعالم كله رسالة الإمارات في السلام والتسامح.

من هنا تجيء استضافة دولة الإمارات وبدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان ولفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، ولملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية، لتؤكد جدية التزام دولة الإمارات في حمل رسالة التسامح والسلام والحوار كأساس للعلاقات بين الدول والشعوب، ولعل هذا ما يفسر قرار قداسة البابا فرانسيس جعل عنوان زيارته لدولة الإمارات «اجعلني قناة سلام»، وهو ما يفسر أيضاً اختيار قداسته لدولة الإمارات لإقامة أول قداس من نوعه في منطقة الخليج والجزيرة العربية، تحت الشعار والعنوان نفسه «اجعلني قناة سلامك» على نحو ما ورد على لسان فريغ بوركي المتحدث باسم الفاتيكان وهو القداس الذي سيجري يوم الخامس من فبراير/ شباط الجاري بحضور 135 ألف شخص، وجهت لهم دولة الإمارات الدعوة لحضور هذا القداس ينتمون إلى الكنائس الكاثوليكية في الإمارات وسلطنة عمان واليمن والبحرين والكويت وقطر. هذا القداس يأتي اعترافاً من بابا الفاتيكان بما سبق أن وصف به دولة الإمارات بأنها مثال يحتذى في التسامح واحترام الغير وحرية ممارسة الأديان.

(الخليج الإماراتية)