موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٩ ابريل / نيسان ٢٠١٩
خبر مشابه للحقيقة

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

ما معنى أن يكون الخبر مشابهًا للحقيقة؟ لا يكفي أن يقول الخبرُ "الحقيقة"، وهذا ما ننتظره منه عادةً، بل لا بدّ أن يُكتب بطريقةٍ تجعله قابلاً للتصديق، بحيث أنّ من يقرأه يصدّق ما جاء فيه. ففي بعض الأحيان، يملك الخبرُ الحقيقة، ولكن كاتب الخبر لا يعرف أن يوصل حقيقته بطريقة دقيقة وبتفاصيل واقعية، بل ينسى بعض ملامحه أو يبالغ في أخرى، فتتحول الحقيقة بالنسبة للقارئ أو المستمع أو المشاهد إلى كذبة، أو على الأقل يُساء فهم الحقيقة فلا تصل كما يُراد لها.

هذا ما يحدث كثيرًا اليوم بسبب قلّة الخبرة في كتابة الخبر من جهة، ومن جهةٍ أخرى القصد المتعمد في تشويه الحقيقة: فيجعلون الكذبة مشابهة للحقيقة، وبالتالي يصدّق القارئ الخبر الكاذب على أنه حقيقة. وهنا لا يبحث الكاتب عن الحقيقة، بل يحاول أن يخترعها ويسندها بمصادر (وهمية أحيانًا)، ليقدّم في النهاية رأيه الخاصّ على شكل خبر! في حين أنّ الخبر المشابه للحقيقة يحافظ على مصداقيته وبالتالي تكتسب وسائل الإعلام التي تنقله مصداقيةً أيضًا.

لماذا نطرح هذا الموضوع اليوم؟

أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي اليوم مصدرًا لكثير من الاخبار، حتى أنها أضحت بالنسبة لكثيرين المصدر الوحيد لمعرفة ما يحدث من حولنا، سواء في دول العالم أو حتّى الاحداث القريبة منّا! وما يثير الاستغراب ويدقّ ناقوس الخطر، أننا صرنا نعتمد بكثرة على ما تتداوله هذه الشبكات، دون أن نجتهد في تحليل ما تنقله لنرى إن كانت قريبة من المنطق أي "مشابهة للحقيقة"، فنصدّق بسرعة ونبني أحكامًا وقرارات على ما نسمعه منها بصورة سطحية. وما أشدّ الخطر عندما يتعلق بأمور إيماننا المسيحي!

وآخر مثل على ما نقوله، هو الترجمة المغلوطة لكلمات البابا فرنسيس: "إن دروب الرسالة لا تمرّ من خلال التبشير"، وكان موقع الفاتيكان الرسمي قد نشر الترجمة الصحيحة وهي "الضمّ البغيض" والتي يترجم فيها كلمة (Proselitismo) أي ضمّ أحدٍ ما مكرهًا إلى المسيحية، والتي قالها قداسته لدى احتفاله بالقدّاس في المغرب أثناء زيارته الأخيرة. كيف يكون مشابهًا للحقيقة أن نفهم كلام البابا فرنسيس وكأنه يدعو إلى عدم التبشير! هل من المعقول أن ينفي وصية المسيح قبل صعوده إلى السماء؟ لا، هذا غير ممكن اطلاقًا!

أنا أسمّيه "الكسل الإعلامي" الذي ربّته الثقافة السطحية في داخلنا، وجعلنا نوافق دون أن نفهم، ونحكم دون أن نحلّل، ونقرر دون أن نقتنع... فلنستيقظ ونفهم الأمور على حقيقتها الواقعية وبكل شجاعة.