موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ٣١ مايو / أيار ٢٠١٨
خاطرة للأخ مؤيد معايعة اليسوعي.. خرجَ الحاصدُ ليَحْصد

الأَخ مؤيَّد معايعة اليسوعيّ :

خَرَجَ الحاصدُ ليَحْصُد، وبينما هو يحصدُ، إِذْ مَرَّ على جانبِ الطَّريقِ وجلسَ ليرتاحَ قليلًا، رأى على مقربةٍ منه، خمسةَ عصافيرَ جميلةٍ تجمعُ بقايا القشِّ لتبني أَعشاشَها، وتذكَّر وهو يتأمَّلُ هذا المنظر، كيفَ كانت العصافيرُ تأتي وتأخُذُ الحبَّ الَّذي كانَ يزرعهُ في الشّتاءِ الماضي، فشعرَ بالفرحِ لأجلها. وقرَّرَ أَنْ يُحِضِرَ ابنتَهُ الصَّغيرةَ "فَرَحْ" لتُشاهِدَ هذا المنظر، فهي تعشقُ العصافير.

بعدما شعرَ بفرحِ الراحةِ في جسدِهِ وروحِه، باشرَ حصادَه، فوصلَ إِلى منطقةٍ حجريَّةٍ في أَرضِه، وتذكَّرَ الأَلمَ والتَّعبَ الَّذي كان، ولا يزال، يُعانيهما كُلَّ عامٍ عندما يحرثُ أَرضَ تلكَ البقعة، لأَنَّها كثيرًا ما كانت تكسِرُ سكَّةَ المحراثِ لصلابتِها، ولطالما شعرَ بالحيرةِ فيما سيعملُ في هذهِ البقعة، فأَرضُها لا تُنبتُ ثمرًا لأَنَّ تُرابَها ليسَ عميقًا، فلا يستطيعُ القمحُ أَنْ يَبِثَّ جذورَهُ فيها. استمرَّ بالحصاد، تاركًا أَفكارَهُ تتمايلُ معَ المنجلِ الَّذي بيدِه، وعندما رأَى حبَّاتِ القمحِ في السَّنابلِ اهتدى أَخيرًا إِلى فكرة، وهي أَنْ يبنيَ بيتًا صغيرًا فيها، يكونُ بمثابةِ مخزنٍ للقمح، ويكونُ أَيضًا مكانًا لراحتِه في أَوقاتِ العملِ الكثيرة. فشعرَ بفرحٍ كبير، أَنساهُ أَلمَ وتعبَ الزَّرْعِ والحصاد، وقالَ لنفسِهِ بأَنَّهُ سيبدأُ في البناءِ بعدَ الحصادِ مباشرة، وسيساعدُهُ ابنهُ "صخرٌ" في ذلك.

انطلقَ بفرحٍ يُنهي حصادَه، فوصلَ إِلى نهايةِ الأَرضِ تقريبًا، وهناكَ بقعةٌ تكثرُ الأَشواكُ فيها، وقدْ حاولَ كثيرًا أَنْ يُعالجَ هذهِ الأرض، لكنَّهُ لمْ يفلَح في ذلك، على الرَّغمِ مِنْ مهارتِهِ وخبرتِهِ الزّراعيَّةِ الطَّويلة. لكنَّهُ هذهِ المرَّة، لاحظَ كيفَ أَنَّ الشَّوكَ يُشكِّلُ حاجزًا في نهايةِ أرضِه، وبعدَ هذا الحاجزِ توجدُ مزرعةُ صديقِهِ صالح، الَّذي يمتلِكُ الكثيرَ مِنَ الأَغنامِ والأَبقار، فكانَتْ كثيرًا ما تدخلُ أَرضَهُ وتأكُلُ زرْعَه، وكيف كانَا يتجادلانِ دائمًا حول ذلك، لكن منذُ أَنْ بدأتِ الأَشواكُ بالنموِّ في تلكِ البقعة، مَنَعت مواشيَ جارِهِ مِنْ أَنْ تأتي إِلى حقله. فأَجالَ طَرْفَهُ في أَرضِهِ بصخورِها وأَشواكِها وقمْحها الطيِّب، وامتلأ بالفرحِ والابتهاجِ والشُّكرِ على ما يملِكُه، فما هو مُقدَّرٌ لهُ أَنْ يُعطي، أَعطى وفاض، وما ليس مُقدَّرٌ لهُ ذلك، أَعطى بطريقةٍ أُخرى ما لمْ يفكِّر بهِ مِنْ قَبْل.