موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ يوليو / تموز ٢٠١٨
حوار الفاتيكان مع الصين: الجمع بين الكاثوليكية الكاملة والأصالة الصينية

سيرجيو سنتوفانتي والأب بيرند هاجينكورد اليسوعي ، ترجمة: منير بيوك :

وفقًا للإجراءات الدولية، تتم المفاوضات بين الدول بشكل سريّ، وعادةً ما يتم الإعلان عن نتائج المفاوضات النهائية فقط، ولهذا السبب فإن تفاصيل الحوار بين الكرسي الرسولي والسلطات الصينية هي غير معروفة. ومع ذلك، وفي حال وجود تفاهم، فيمكننا تخيله على أنه سيسمح للكنيسة بإعادة وحدة القيادة الرعوية للأبرشيات التي تشهد وجود مجتمعين اثنين، إضافة لإيجاد أساقفة للعديد من الأبرشيات بحيث يكون لكل أبرشية راعٍ معترف به من طرف الكنيسة والدولة.

ففي الصين، هنالك بعض الأساقفة غير المعترف بهم من طرف الفاتيكان، إضافة إلى غيرهم من الأساقفة الذين يفتقدون الاعتراف المدني. إنها علامة على التعايش بين مجتمعين مسيحيين في البلاد. فعندما تبدأ المفاوضات بروح الحوار، يتم البحث في هذه المعضلات من أجل السعي إلى إيجاد حلّ ملموس لهذه المشكلات، وبالتالي التغلب على هذا الوضع والبدء بتجديدٍ إيجابي.

لا يمكن للمرء التوقّع بأن تكون العملية غير مؤلمة! بالضرورة ستكون هنالك معاناة، وتضحيات، واستياء، وحتى إمكانية حدوث توترات جديدة. لكن هذا النوع يشبه "من يسعى لوضع الخيط في عين الأبرة"، كما تصفها الكنيسة الكاثوليكية في الصين، مما سيحمل الأمل لنا جميعًا في أن يكون ذلك نذير لأمور جديدة: فلن يكون هنالك رابح أو خاسر، إنما لكل جانب مساهمته القيّمة. وكما يقول الكاردينال بيترو بارولين: "إن الأمر لا يتعلّق بمسح قائمة نظيفة أو تجاهلها، أو إزلة الطريق المؤلم للعديد من المؤمنين والكهنة بطريقة سحرية. إنما استثمار رأس المال البشري والروحي لبناء مستقبل أكثر نزاهة وأخوّة، بمعونة الله".

فإن كان لا بدّ من بداية جديدة، مع احترام الحساسيات المختلفة، فيجب أن تؤدي في النهاية إلى وضع يشكل أكثر أخوّة وحدة للكنيسة الكاثوليكية في الصين، وبالتالي سيكون لهذا الأمر آثارًا إيجابية على حياة المؤمنين الروحية الذين يعملون كي يصيروا أكثر كمالاً وأكثر صدقية في المجتمع الكاثوليكي المحلي والعالمي.

علاوة على ذلك، يمكن لهذه العملية أن تحرر طاقات جديدة لأنشطة الكنيسة تؤدي إلى مزيد من الإنسجام داخل المجتمع الصيني. لكن الكثير من ذلك يعتمد على الالتزام وصدق النية من جميع المعنيين. فالوجود الكاثوليكي في الصين، رغم اعتباره باهتًا من الناحية العددية نسبة إلى عدد السكان، لكنه كان دائمًا حيًا. وأن أي عمل متجدد من طرف المرسلين بالإنجيل قد يؤتي ثمارًا عظيمة على الرغم من القيود والضوابط العديدة، التي قد تبقى حتى الآن، ويعود مردّها إلى الخوف من استخدام الدين من طرف "القوى الخارجية" التي تسعى لتمزيق الأمان الاجتماعي بين السكان.

إن كان الطريق إلى الاعتراف المدني بالأسقف هو سؤال يتعلّق بقوانين الدولة وإجراءاتها، فإن طريق الاعتراف الكنسي به هو سؤال يتعلق بالكنيسة. ومن أجل إدراك هذا الأمر، فمن الضروري الاعتراف بماهية الكنيسة. ففي القرن الثاني للميلاد، عرّف القديس إيريناوس الكنيسة على أنها الشركة الروحية التي تعلن تقليد الرسل عبر خلافة الأساقفة دون انقطاع. فخلافة الأساقفة الرسولية هي ضمان للتقليد، وأساس الكنيسة نفسها. وفي نفس الوقت، فإن الكنيسة هي التي تضمن الخلافة الرسولية وصحّة الأسقفية، سواء من خلال ترشحه الحر من طرف البابا، أو عن طريق تأكيده للانتخاب الشرعي للأسقف.

وحتى إن كانت رسامته تتم بشكل صحيح، فإن الأسقف لا يستطيع ممارسة مهامه بشكل شرعي إن لم يكن في شركة كاملة مع خليفة القديس بطرس والأساقفة الآخرين الذين يعملون في مختلف أنحاء العالم. فالأمر متروك لأسقف روما، نائب المسيح والراعي العام للكنيسة، لإضفاء الشرعية والاعتراف بالشراكة الكاثوليكية الكاملة التي يستحقها الأسقف، التي تعهد إلى الأسقف بالعناية الراعوية.

وفيما يتعلّق بالصين، يبدأ المرء بهذا اليقين: إن التكريس الأسقفي الجديد الذي حدث في الصين دون تفويض من البابا، هو غير مشروع، ولكنه صالح (باستشناء حالات محددة للغاية). وعلى الرغم من المواقف غير النظامية المحرجة المتبعة في الصين، فقد ظلت الكنيسة الكاثوليكية دائمًا "واحدة"، لأنها لم تضع نفسها رسميًا على أنها "منفصلة" عن روما. وأكثر من ذلك، فلأنها لم تقدّم أبدًا موقفًا عقائديًا يرفض أولوية الحكم.

لكن هنالك دليل آخر يجب النظر إليه، ألا وهو: إن الرغبة الحيّة في الشركة مع البابا كانت موجودة على الدوام لدى الأساقفة الصينيين المعينين بطريقة غير شرعية. فعلى الرغم من عدم نظامية هؤلاء الأساقفة، إلا أن الاعتراف برغبتهم في أن يكونوا متحدين مع الحبر الأعظم قد أبرز رأيين معارضين خلال السنوات الأخيرة هما: أولئك الذين يؤمنون بصدق نيّة الأساقفة غير الشرعيين، وبالتالي قبول توبتهم (على الرغم من عدم التغاضي عن السلوك غير اللائق لبعضهم)، وبين أولئك الذين لا يؤمنون بصدق نيتهم، وبالتالي إدانتهم في كثير من الأحيان.